السائد والغالب في الساحة السياسية والإعلامية، في مختلف البلدان، هو أن السياسيين هم الذين يلجأون إلى القضاء ضد الصحافة، ونادرا جدا، إن لم يكن شبه منعدم، أن نجد ناشرين أو صحافيين، يرفعون دعاوى ضد سياسيين، بمبرر السب والقذف والتشهير، لأن الذي ينشر أو يبث الأخبار الصحيحة أو الكاذبة، والتعاليق الموضوعية أو المتحاملة، عادة،هي الصحافة.
غير أن هذا الوضع، لا يمنع الصحافيين والناشرين، وغيرهم من المهنيين، من اللجوء هم أيضا للقضاء، كباقي المواطنين، كلما اعتبروا أنفسهم متضررين أو تمت الإساءة إليهم، فهذا حق من حقوقهم. لكن بالإضافة إلى كل هذا فإنه يُكٓرِسُ تقليدا معمولا به في البلدان الديمقراطية، حيث لا يجد أي شخص حرجا في تقديم شكاية بالصحافة أو بشخص آخر، عندما يعتقد أن كرامته وشرفه قد تم المس بهما.
فالإحصائيات في المحاكم، بمختلف البلدان، خاصة المتقدمة في التقاليد الديمقراطية، تؤكد أن أعدادا كبيرة من الشكايات، تقدم كل سنة، دون أن تثير أي ضجة، حيث يلجأ السياسيون والفنانون والرياضيون، وغيرهم، من الشخصيات العمومية، للقضاء، للمطالبة بالإنصاف، ضد الصحافة والإعلام.
وفي المغرب، مازال هذا الموضوع، يثير ردود فعل متباينة، حيث هناك من يصف لجوء مواطنين للقضاء ضد الصحافة، بمصطلح «الجٓرّ أمام المحاكم»، كما أن هناك نوعا من التضامن الأوتوماتيكي، من طرف الصحافيين والناشرين، فيما بينهم، تجاه كل شكاية تقدم ضد أحدهم، دون الاطلاع، في بعض الأحيان، على حيثيات الملف. لكن هذا لا يجيب عن سؤال عريض، أليس من حق المواطنين، كيفما كانوا، شخصيات عمومية أو غيرها، المطالبة بالإنصاف، بواسطة سلطة، من المفترض أنها محايدة وتطبق القانون، التي هي القضاء، ويجب على الجميع الاحتكام إليها.
في اعتقادنا، اللجوءُ إلى القضاء، في قضايا السب والقذف والتشهير، حق للجميع، لوضع حد للتسيب والأساليب اللاأخلاقية، في النقاش العمومي، ومن حسنات لجوء صحافيين وناشرين إلى القضاء ضد سياسيين، الاعتراف بهذا الحق، الذي ينبغي أن يمارس، دون عقدة، كما هو الشأن في كل البلدان الديمقراطية.
غير أن ممارسة هذا الحق، يفترض كذلك واجبات، حيث لا يمكن المطالبة بالإنصاف من طرف القضاء، في الوقت الذي تقوم فيه نفس الجهة، التي تعتبر نفسها متضررة، بشكل ممنهج، بالإساءة للناس، وبنشر الإشاعات والنعوت القدحية، بل إن منبرها يفتح لكل من شاءت له أحقاده تصفية الحسابات، هذا يسمى الكيل بمكيالين.