“الآن، وقد  شاءت الأقدار أن يأتي هذا الكتاب بعد رباعية “نقد العقل العربي”، نستطيع القول إننا قد دشنا به عملية إعادة قراءة حقل آخر من حقول ثقافتنا العربية الإسلامية”.

محمد عابد الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول، في التعريف بالقرآن، دار النشر المغربية، البيضاء، ط1، 2006، ص 395.

 

 

تقديم وتذكير:تأسيس لما سبق

مَا إِن أنْهى الراحل محمد عابد الجابري مشروعه في نقد العقل العربي بأجزائه الأربعة[1] الذي دَشّنه في أوائل الثمانينيات، واشتغل فيه علىالتراث العربي الإسلامي؛ حتى رَضِيَ من الغنيمة بالإيّاب وحُسن المَآب. وهكذا، فبمجرد ما أقفل آخر حلقات المشروع بتأليف كتابه: العقل الأخلاقي العربي سنة 2001، وبدا في “شبه نشوة مثل تلك التي تنتاب المتجول في غابة عند بلوغه مخرجاً من مخارجها” حتى أخذ، على حد تعبيره، “يَفرك عينيه على ضوء الفضاء/ الفراغ المحيط بالغابة: وماذا بعد”[2]؟

سؤال مُعلق ومفاجئ، وربما بلا معنى في سياق طرحه، إذ لم يفكر فيه الجابري، وما كان ليفكر فيه في لحظة “نشوة” مُستغرَقَة بعد الانتهاء من رباعية نقد العقل العربي امتدت ما يقرب من عقدين من الزمن، دَبَّجَ فيها أَلْفَيْ صفحة من الحجم الكبير، وحقق بمقتضاها تجاوباً واسعاً مع قاعدة عريضة من القراء في العالَمين العربي والغربي على حد سواء[3]، كان له مبعثاً  ل”الاعتزاز والرضا”[4].

لكن، في خضم لحظة “الاعتزاز والرضا”، وما ترتب عنها من “نشوة” مُستحقة، وما أن انتهى  صاحبنا من “فرك عينيه” من “هَوْلِ” رحلته العلمية الطويلة والصعبة في “غابة” التراث العربي الإسلامي و”أدغاله” الوعرة، حتى بدأت تنهال عليه اقتراحات كثيرة من محيطه الفكري، ومن متتبعي مشروعه الفلسفي. فاقترح عليه البعض مُباشرة البحث في قيمة الجمال في الفكر العربي باعتباره امتدادا للعقل الأخلاقي العربي وتعميقاً له، والبعض الآخر أوصاه بالبحث في الفكر العلمي العربي، قياساً على الفكر النحوي والفقهي والسياسي والأخلاقي، فيما ظل موضوع الكتابة في نقد العقل الغربي/ الأوروبي على غرار نقد العقل العربي يشغل باله بين حين وآخر باعتباره أكثر العقول فعالية في التاريخ الحديث ( نقد العقل الغربي[5]).

وإذا كانت ظروف نكسة 1967، وأجواء حرب أكتوبر 1973 في سياق الصراع العربي- الإسرائيلي، وراء تأليفه لرباعية نقد العقل العربي، فإن أسباب تأليفه لرباعية تحليل الخطاب القرآني، التي لم يخطط لتأليفها، ارتبطت بحدث سياسي جسيم جرى صيف شتنبر 2001 بأمريكا، مما عَجَّل بانقضاء لحظة “نشوته” بتتويج نقد العقل العربي، وسرّع  ب”استنفار” عينيه وفتحها على واقع العالم العربي الإسلامي “الذي يجر معه ليس الماضي وحسب، بل و”المستقبل الماضي” كذلك، في وقت أصبح فيه سوقاً لترويج كثير من الشعارات غير البريئة، تَصَّاعد من هنا وهناك، شعارات من قبيل “صراع الحضارات” و”حوار الحضارات” و”حوار الثقافات”، و”حوار الديانات”، وأخيراً وليس آخراً “الإصلاح”، ليس الإصلاح السياسي وحسب، بل الإصلاح الديني والثقافي وهلم جرا”[6]

في المرحلة الأولى، عاد الجابري إلى الذات العربية يبحث عن أسباب هزائم العرب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ودواعي تخلفهم، وحيثيات تراجعهم الحضاري، وفشل مشروعهم النهضوي، فوجد ميداناً واحداً لم تتجه إليه “أصابع الاتهام بعد، وبشكل جدي صارم، هو تلك القوة أو الملكة أو الأداة التي بها “يقرأ” العربي و”يرى” و”يحلم” و”يفكر” و”يحاكم”… إنه نقد “العقل العربي” ذاته”[7]؛ الذي أنتج التراث العربي الإسلامي، فصار ضحيته يلوكه ويجتره منذ عصر التدوين إلى اليوم.

أما في المرحلة الموالية، ومع أحداث الحادي عشر من شتنبر سنة 2001، وما تلا ذلك من أحداث جسام وردود فعل غاب فيها العقل، غيابه في الفعل الذي استثارها والذي كان هو نفسه نوعا من رد الفعل؛ فكانت حاسمة في تدشين البحث في الخطاب القرآني والتعريف به “للقراء العرب والمسلمين وأيضاً للقراء الأجانب، تعريفاً ينأى به عن التوظيف الأيديولوجي والاستغلال الدعوي الظرفي من جهة، ويفتح أعين الكثيرين، ممن قد يصدق فيهم القول المأثور “الإنسان عدو ما يجهل” على الفضاء القرآني كنص محوري مؤسس لعلم جديد كان ملتقى لحضارات وثقافات شديدة التنوع، بصورة لم يعرفها التاريخ من قبل..”[8].

ومهما يكن من أمرِ اقتراح صديق الجابري من السعودية، وسياق طلب التأليف في القرآن، فقد كانت ظروف ما بعد شتنبر 2001 شرارة عجلت بالتفكير في موضوع القرآن وبالتعريف به ( كتاب واحد)، ومهدت لفهمه وتفسيره (ثلاثة كتب)، وأثمرت في المحصلة رباعية في تحليل الخطاب القرآني. ذلك ما يلخصه الجابري بقوله: “يمكنني القول إن التفكير في تأليف هذا الكتاب قد جاء، بصورة ما، نوعا من الاستجابة لظروف ما بعد 2001 شتنبر، تماماً مثلما يمكن النظر إلى كتابي نحن والتراث، وبالتالي نقد العقل العربي” بأجزائه الأربعة كنوع من الاستجابة لظروف “النكسة” التي عاشها العالم العربي بعد 1967 بما في ذلك حرب أكتوبر 1973، وما شاع في ذلك الوقت من استبشار ب”الصحوة الإسلامية” التي رافقتها، أو تجاوزتها أو حلت محلها، الثورة الخمينية في إيران…”[9]

 هكذا على العموم، كان من ثمار هذه الأحداث الجسام الخارجية الذي هزت كيان الجابري  وكيان العالم العربي الإسلامي، تأليف رباعية أولى في نقد العقل العربي، ورباعية ثانية موازية ومتممة للأولى، هي رباعية تحليل الخطاب القرآني. وندَّعي في هذا المقام بأنها جزء لا يستقيم بتره عن مشروعه الفكري الشامخ، ومدخل مركزي من مداخل ولوج خطابه الفلسفي الممتد، ذلك أن قصد هذا المشروع- وإن تعددت المداخل لتنوع القطاعات المعرفية المكونة له، وتنوعت المقاربات لطبيعة الإشكالات المطروقة- هو الانتظام في قيم الحداثة بخصوصيات عربية وإسلامية، وباعتماد نفس العدة المنهجية التي شغّلها في نقد العقل العربي، ومن منطلق رؤية واحدة تتمثل في جدلية الوصل والفصل مع التراث العربي الإسلامي، وفي تعريف القرآن الكريم وفهمه وتفسيره[10] من أجل جعله معاصراً لنفسه، ومعاصرا لنا في الوقت ذاته. ذلك ما سنقاربه في هذه المداخلة، بما يتيحه سياقها ويسمح به، من خلال الانطلاق من الفرضيات الآتية:

  • تساوق نقد العقل العربي وتحليل الخطاب القرآني وتكاملهما في مطلب الحداثة، بصرف النظر عن اختلاف طبيعة الموضوعين اختلافا بيِّناً.
  • أن المقصد الرئيس من تحليل للخطاب القرآني ونقد العقل العربي مقصد واحد يتمثل، وباعتماد نفس الرؤية والمنهج، في تحقيق حداثة بلبوس عربية وإسلامية.
  • رغم انتماء الجابري إلى مجال الفلسفة ومقتضياتها، وانتصاره للعقلانية وتحيزه لها، فإنه ميّز منهجياً في القرآن بين خطاب يقوم على الوحي، وينتمي إلى منطقة التسليم والإيمان، وخطاب يقوم على الاجتهاد والتأويل وفق معهود العرب.
  • أن تحليل الخطاب القرآني للجابري ليس مجرد “تصالح مع السلف[11]“، ولا هو، بتعبير الأستاذ عبد الإله بلقزيز، الحلقة “الأضعف في كل تراثه”[12]، بل نعتبره تتويجاً نسقياً لمشروعه الفلسفي، واستكمالاً لمطلب الحداثة، كما يتصورها..
  • الخطاب القرآني: الخصوصية وآليات الاشتغال
    • من تحليل التراث إلى تحليل القرآن: نحو فهم جديد

لما كان الجابري يشتغل، أول مرة، على الخطاب الفلسفي في كتابه نحن والتراث، وما تلاه من مؤلفات أثمرت مشروع نقد العقل العربي، كان يدرك أنه يشتغل على التراث بما هو منتوج بشري، اجتهد أهله في الإجابة عن أسئلة كانت مطروحة عليهم، فشكلت تلك الإجابات ثقافتهم وحضارتهم وهُويتهم الوجودية. ومادام هذا المنتوج ممتداً في الزمان والمكان، ويُغلفنا تغليفاً، ويتعذر الانسلاخ عنه وبالتالي القطيعة معه، فإن مهمة الباحث المنخرط في قضايا أمته، المشغول بمآلها تقتضي نقد هذا التراث، ومحاولة تجديده من الداخل[13] (استراتيجية التجديد من الداخل) بالاستعانة بالمتاح العلمي والمنهجي البشري، وفي أفق تحقيق حداثة عربية وإسلامية، مادامت الحداثة منتوجاً بشرياً، وظاهرة تاريخية، خاضعة لإشراطات التاريخ وسيرورته.

في هذا الأفق ظل الجابري يشتغل على التراث العربي الإسلامي، وينشئ مشروعه الفكري، لبنة لبنة حتى استوت دعائمه بالعقل الأخلاقي العربي و”اكتملت” حلقاته تحت عنوان: نقد العقل العربي. غير أنه أدرك بعدئذ، وبحوافز خارجية، أن هناك خطاباً آخر يغلفنا بدوره تغليفاً، ويحتوينا إلى درجة الاستغراق، ويحتاج إلى تحليل مستقل، ذلك هو الخطاب القرآني. الخطاب الذي يتلقاه العربي المسلم، منذ ولادته إلى مماته، ويزوده برؤى للحياة وما بعد الحياة، وبمعارف وحقائق وأجوبة، يفكر من خلالها، وعبرها يحلم، وبواسطتها ينتج المعرفة والقيم، إلخ.

هذا الخطاب الذي راكم من الأجوبة ما يناسب أسئلة كانت مطروحة، ولم تعد تدخل في دائرة اهتمام عصرنا؛ فوجب بذلك اقتراح قراءة جديدة ترقى إلى مستوى القطيعة[14]، بمضمونها عند الجابري، مع القراءة التراثية المتحكمة في الخطاب القرآني، وتسعى إلى التحرر من التأويلات الزائغة التي ما يزال كثير منها “يحكم الفكر الديني عندنا”[15]، وتحيين كثير من التفسيرات والحواشي والمناقشات والاجتهادات وربطها بزمانها ومكانها حتى “يتأتى لنا الوصل بيننا نحن في عصرنا وبين النص نفسه كما هو في أصالته الدائمة”[16]، ومن ثم التخلص من كثير مما لصق بالخطاب القرآني من الموروث الثقافي القديم، وتداعيات استقالة العقل فيه[17]، وطرد ما تسرب إليه من فهومات مذهبية وطائفية، وبقايا “إسرائيليات”[18] مغرضة عرفها تاريخ الفكر الإسلامي. ومن أهم مداخل ذلك العودة بالقرآن الكريم، وبالإسلام إلى فطرته الأولى[19]، بعيداً عن العالق به من التوظيفات الإيديولوجية، سواء من الداخل أو الخارج التي تسلخ القرآن عن سياقه التكويني وتنزعه من مجاله التداولي”[20]، فتحوله إلى قطع غيار تُوظف بحسب الحاجات الطارئة.

كأن الجابري بهذا العمل إنما يريد أن يخلص الخطاب القرآني من تأويلات، يعتقدها مغرضة ومحكومة بحسابات سياسية وأيديولوجية، ويقترح قراءة جديدة محايثة للنص القرآني في ذاته ولذاته  في خطوة أولى (المنهج البنيوي) ثم يفتحه في خطوة ثانية على محيطه (ترتيب النزول)، ومراعاة معهود العرب اللغوي والحضاري(المقاربة التاريخية). والقراءة الجديدة، عند الجابري، كما ورد في بنية العقل العربي، لا تعني العودة إلى البحث عن قواعد الخطاب القرآني، وقواعد تفسيره[21]؛ ولكن هذه المرة  تعني، كما ورد في نحن والتراث:” بناء فهم جديد للدين، عقيدة وشريعة، انطلاقا من الأصول مباشرة، والعمل على تحيينه، أي جعله معاصراً لنا وأساساً لنهضتنا وانطلاقتنا”[22]. ويتعذر تحقيق هذا الفهم الجديد للقرآن الكريم دون “تجديد طرح كثير من الأسئلة التي طرحت سابقاً وفسح المجال لأسئلة أخرى قد تطرحها اهتمامات عصرنا الفكرية والمنهجية. ذلك لأنه بغير تجديد التفكير في الأسئلة القديمة وطرح أخرى جديدة لن يتأتى لنا الارتفاع بمستوى فهمنا ل”الظاهرة القرآنية” إلى الدرجة التي تجعلنا معاصرينا لها وتجعلها معاصرة لنا”[23].

لكن كيف تتم القراءة الجديدة للخطاب القرآني لجعله معاصراً لنفسه، وفي الوقت ذاته،  معاصراً لنا، وبالتالي جعله أساساً من أسس نهضتنا وحداثتنا المرجوة، بالنظر إلى خصوصيات هذا الخطاب وطبيعته المتعالية؟

|إن الهم الأكبر الذي ينظم كل مؤلفات الجابري هو الهم النهضوي للأمة العربية الإسلامية. فهو لا يكتب رغبة في الكتابة وحسب. إنه محكوم بسؤال الحداثة، وطرق بلوغها[24]. وعليه، فاشتغاله على التراث العربي الإسلامي في سياق نقد العقل العربي لم يكن من أجل التراث في ذاته ولكن من أجل  استنبات قيم الحداثة والتحديث، وعودته إلى الخطاب القرآني، بهذه القوة وهذا الزخم، لم يكن سوى لإتمام المشروع، واستكمال حلقاته المنتظمة، انطلاقا من قاعدة ذهبية يؤمن بها الجابري ويفعلها، مفادها أنه لا يمكن “إصلاح حاضرنا بدون إصلاح فهمنا لماضينا؟”[25]. وفهم القرآن الحكيم جزء لا يتجزأ من ماضينا، وأفق لمستقبلنا، فوجب بذلك  إتمام المسار، بتدشين القول في الإصلاح الديني، ومداره بلا منازع هو القرآن الكريم. وعليه، فقراءته للخطاب القرآني بأجزائه الأربعة، بمثابة تأسيس على ما سبق، وفي الوقت نفسه ذيل وتكملة لنقد العقل العربي، كما جاء في تقديمه للمشروع[26].

  • الخطاب القرآني بين المتعالي ومعهود العرب

تختلف قراءة الخطاب التراثي عن قراءة الخطاب القرآني، كما سبق التنبيه إلى ذلك. وهو ما أدركه الجابري ووعاه تماماً. فهو يسلم بأن القرآن وحي من الله حمله جبريل إلى محمد، بلغة العرب، وهو من جنس الوحي الذي في كتب المرسلين الأولين”[27]، طبيعته لا زمنية، ومع ذلك فهو موجه إلى الناس/ المتلقين، بمقتضى معهودهم اللغوي وسياقهم الثقافي والحضاري. فلكل مقام مقال، كما يقول البلاغيون، وكما يردد الجابري على امتداد رباعيته القرآنية.

لقد كان الجابري، ومنذ تدشين نقده للعقل العربي، يعتبر أن القرآن الكريم وحي من الله تعالى على عبده محمد بن عبد الله. وقد عاش الرسول الكريم مع هذا الوحي تجربة روحية متعالية  في أثناء تلقيه للوحي من جهة، وعند تبليغه للناس من جهة أخرى. فالقرآن الكريم، بهذا المعنى لا يشكل، بحال، جزءاً من التراث البشري، بل يشكل تجربة معاناة مع المطلق تقع خارج الحس والمحسوس والعقل المعقول[28].

يقول الجابري في سياق هذا التمييز المنهجي الضروري: “فعلاً لكل مقام مقال، ومقام نقد العقل العربي ليس هو مقام “مدخل إلى القرآن”. لقد أكدنا مراراً أننا لا نعتبر القرآن جزءاً من التراث. وهذا شيء نؤكده هنا من جديد، وفي نفس الوقت نؤكد أيضاً ما سبق أن قلناه في مناسبة سابقة من أننا نعتبر جميع أنواع الفهم التي شيدها علماء المسلمين لأنفسهم حول القرآن، سواء كظاهرة بالمعنى الذي حددناه هنا، أو كأخبار وأوامر ونواه، هي كلها تراث لأنها تنتمي إلى ما هو بشري”[29].

وعلى الرغم من الطابع المتعالي للخطاب القرآني، وفرادة تجربته الروحية ومطلقيتها، فهو في كل الأحوال موجه إلى الناس من أجل إقناع الناس في أمور دينهم ودنياهم، وحملهم على الانضباط لها والعمل بها؛ ولذلك فهو تجربة اجتماعية وسياسية وإرشادية ودعوية، كما يقول الجابري، لها ردود فعل معينة في حاضر الزمن والمكان، وامتداد يتعداهما في الوقت نفسه.

 بعبارات أخرى، ومهما يكن من أمر تعالي الخطاب القرآني ومصدره الإلهي فهو موجه إلى العالمين في مشارق الأرض ومغاربها من أجل دنيا “يسود فيها العدل والتسامح، والتواصي بالصبر والمرحمة، والدفع بالتالي هي أحسن”[30]؛ أي من أجل قيمة العمل الصالح، أو أخلاق المصلحة باعتبارها القيمة المركزية لما سماه الجابري بالموروث الإسلامي “الخالص” لأنه نظام  القيم الخاص به يستند بصورة أو بأخرى إلى المرجعية الإسلامية، وعمادها القرآن والحديث”[31]. وعلى هذا الأساس يضمن القرآن الكريم بُعدين متكاملين ومتفاعلين: واحد متعال ومطلق، وبالتالي لازمني، ومجاله التسليم والإيمان والإذعان، والآخر نسبي وتاريخي مرتبط من ناحية في الطبيعة البشرية للمكلف بتبليغه “من الله للناس”[32]: وهو بشر مثلكم يوحى إليه، وليس بمصيطر[33]، ومن ناحية متصل بأسباب النزول وحيثياته، وينتمي إلى مجال التلقي الإنساني، مما يساعد على جعل القرآن معاصراً لنفسه من جهة، ومعاصراً لنا من جهة أخرى. (يمكن الاستفادة من كتاب مواقف العدد79، )

وفي هذا يقول الجابري:”نحن نعتقد أنه لا بد من أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار. فالظاهرة القرآنية، وإن كانت في جوهرها تجربة روحية نبوة ورسالة، فهي في انتمائها اللغوي والاجتماعي والثقافي ظاهرة عربية، وبالتالي يجب أن لا ننتظر منها أن تخرج تماماً عن فضاء اللغة العربية، لا على مستوى الإرسال ولا على مستوى التلقي”[34].

على هذا الأساس فضل الجابري الحديث عن الظاهرة القرآنية، باعتباره مفهوماً إجرائياً، على غرار الظاهرة الطبيعية والظاهرة الثقافية، والظاهرة الاجتماعية، وما يمكن أن يعتريها مما يعتري الظواهر بعامة من تنسيب، ولكن مع ذلك فهي ظاهرة إنسانية راسخة ومرتبطة بالشرط الإنساني. فالظاهرة الدينية خزان إجابات على أسئلة عابرة للوجود الإنساني، وإجابات لمختلف الظواهر الاجتماعية والسياسية بل والوجودية أيضاً، كالسؤال عن الموت وما بعدها[35].

إن الظاهرة القرآنية، وإن كانت في جوهرها تجربة روحية، نبوة ورسالة، ومعاناة نفسية ووجدانية عميقة[36]، وامتدادا “لتجربة إبراهيم في براءتها الأولى”[37]؛ لا يطالها العقل ولا يستقيم معها البحث والبرهان؛ بل مدارها البحث فيها يدخل في دائرة ما يعرف ب”معهود العرب”، بدءاً  بمعهودهم اللغوي والاجتماعي والسياسي وانتهاء بمعهودهم الثقافي والحضاري العام.

 وضمن هذه الرؤية، ينبغي تحليل الخطاب القرآني “بإعادة زرعه داخل مجاله التداولي الأول الذي يحفظ بيانيته، وإعادة ترتيبه وفق السياق التاريخي لمناسبات نزوله، لا بهدف القول بتاريخية القرآن، بل لحمايته من تدخلات استشراقية أخذت، بنظر الجابري، تطرح على القرآن أسئلة غريبة على طبيعته ومن خارج مجاله التاريخي، ومن توظيفات أيديولوجية محلية جعلته ينطق بغير منطقه ويدلي بمعان لا يريدها ولا يعنيها أصلاً”[38]، على أساس أن القرآن ليس منتوجاً من نتاجات العقل العربي بل هو وحي منزل على محمد بن عبد الله، بلغة العرب، وعلى معهودهم، هداية لهم وللعالمين، رغم أن “الأغلبية الساحقة من مسلمي اليوم ليسوا من الناطقين بالعربية، والأكثرية منهم يستعملون الإنجليزية”[39].

إن تخليص الخطاب القرآني من مختلف التوظيفات الأيديولوجية، الداخلية منها والخارجية، ومن أنواع الاستغلالات الدعوية الظرفية المنتشرة[40]، وكذا من كثير من الشعارات المغرضة التي ترفع هنا وهناك،  ناهيك عن الخوض في دائرة المعاناة مع المطلق وخواء نتائجه على حياة الإنسان المسلم، لا يستقيم إلا بالتعريف بالقرآن الكريم، والاقتصار على فهم خطابه، انطلاقاً من “مبدأ القرآن يفسر بعضه بعضاً”، فيكون بالتالي مكتفياً بذاته، وباستحضار مجاله التداولي ومحيطه الأقرب، من أجل فهم معقول قادر على فتح آفاق الاجتهاد المواكب للحياة في سيرورتها، وكفيل بالانتظام في قيم الحداثة والتحديث.

إن الخطاب القرآني، خلافا لخطاب الديانات السماوية، اليهودية والمسيحية، ليس خطاب أسرار وطلاسيم وألغاز وأحجياتومستغلقات تستدعي آليات غارقة في التأويل تصل إلى حد اختراق المجال التداولي الذي نزل فيه القرآن، أو تتناقض مع العقل[41]. وعلى هذا الأساس، يرفض الجابري تأويلات المتصوفة[42]، شيعة وسنة، وما يترتب عنها من نتائج يستقيل فيها العقل ويُطْوَى، وينتصر لخطاب العقل ويشيد به فيما ينفع الناس، سيراً على خُطى ابن رشد[43]، وتفعيلاً لعبارته المشهورة: (من رفع الأسباب فقد رفع العقل). فليس “هناك ما يحول دون التعامل العقلاني مع هذا النص الديني الذي لم يشد بشيء آخر إشادته بالعقل إلى درجة يمكن القول معها إن القرآن يدعو إلى دين العقل أعنى إلى الدين الذي يقوم فيه الاعتقاد على أساس استعمال العقل”[44].

بل ويزيد الجابري في هذا السياق قائلاً:”الحق أن ما يميز الإسلام، رسولاً وكتاباً، عن غيره من الديانات هو خلوه من  ثقل الأسرارMystères التي تجعل المعرفة بأمور الدين تقع خارج تناول العقل. إن المعرفة الدينية في هذه الحالة من اختصاص فئة قليلة من الناس، هم وحدهم “العارفون” المتصلون بالحقيقة الدينية، وهم وحدهم رؤساء الدين ومرجعياته ورعاته، والبقية رعية مقلدون. أما “الرئيس الأول” المؤسس للدين فيوضع في الغالب في مرتبة بين الألوهية والبشرية، وأحيانا يُرفع إلى مستوى الألوهية. وأما النصوص الدينية فتعتبر رموزاً مليئة بأسرار لا يتولى تأويلها وفك ألغازها إلا  “العالمون” بفك الرموز وتأويل الأحلام”[45].

 وبناء على ما تقدم، فالخطاب القرآني خطاب مفتوح للفهم والتفسير شريطة الاحتكام إلى مجاله التداولي من جهة، ومن جهة أخرى إلى إعمال العقل، بعيداً عن وصاية الفقهاء، وحيلهم المحكومة بالتعالي والادعاء الاحتكاري، والتقويل والتأويلات المغرقة التي ليست فيه ولا من طبيعته. ولذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نأى الجابري عن الخوض فيما أصبح يعرف بالإعجاز العلمي في القرآن، وما شابه ذلك مما لا تحتمله طبيعة القرآن الكريم[46].

بعبارة أخرى، فالجابري إنما يريد بهذا النوع من التحليل أن ينزع ذلك الفهم المتعالي عن قراءة الخطاب القرآني وفهمه وتفسيره، من مدخل أسباب النزول وسياق الآيات، ومقتضى الأحوال، على قاعدة أن القرآن الكريم قد نزل على النبي مفرقاً منجماً على مدى يزيد عن عشرين سنة، مما جعل العلاقة  بينهما حميمية، ولكنها بقيت دوماً، وفي كل الأحوال، تتحرك في حدود العقل والمعقول. فلم يكن القرآن يُفرط في مدح الرسول وامتداح مواقفه، بل كان ذلك يتم في إطار الطبيعة البشرية للرسول. لم يحدث قط أن تحدث القرآن عن محمد بن عبد الله بما يُشعر أنه من طبيعة غير بشرية”[47].

 وربما لهذه الأسباب وغيرها، أصر الجابري، ضداً على كثير من السائد المترسخ في تحليل الخطاب القرآني مما راكمه الفقهاء القدامى والمفسرون والمتكلمون والمتفلسفون، ومن مشارب مختلفة ومتضاربة، على اعتماد آليات اشتغال مُبسطة لتحقيق فهم معقول للقرآن الحكيم، يكون في متناول “القراء العرب المسلمين وأيضاً القراء الأجانب، بعيداً عن التوظيف الأيديولوجي والاستغلال الدعوي الظرفي”:

– آلية التفسير من أجل التوضيح، وما تحمله من شحنة بيداغوجية وتعليمية ميزت الكتابة عند الجابري، على امتداد مشروعه العلمي في نقد العقل العربي[48]، وتحليل الخطاب القرآني على حد سواء. وهي آلية ثابتة في أغلب ما يكتب الجابري مقارنة مع مجايليه، من أمثال عبد الله العروي وطه عبد الرحمان[49]. وذلك باعتماد لغة عربية وسطية ومسترسلة، بعيداً عن كثافة المصطلحات والمفاهيم، وتشقيقاتها وتفريعاتها التي تضيع الموضوع وتصرف القارئ عنه. فقد سار الباحث سيراً متدرجاً، وعلى امتداد ثلاثة أجزاء: يبدأ بالاستهلال، يحدد فيه موضوعات السور المراد تفسيرها وعددها وبعض مميزاتها ويمر بعد ذلك إلى تقديمالسورة وسياقها العام، وينتقل إلى نص السورة وشرح غريب بعض الكلمات في مواقعها، ثم يعلق عليها باستحضار تفسيرات القدامى، ضمن رؤية المفكَّر فيه زمن النبوة، وعلى أساس تساوق التنزيل ومسيرة الدعوة (ص 14 فهم القران ق1). ويلجأ في نهاية المسار إلى ما عبر عنه بالاستطرادوالاستشراف، وكلما قَدّرَ الحاجة إليها لمزيد توضيح وتفسير في قضية أو أخرى (قضية المعاد، وقضية الجن والشيطان، وغيرهما من القضايا ( ينظر فهم القرآن الحكيم، ق1، ص239. وما بعدها).

– آلية الشرح بغرض التقريب: وهي مرتبطة بالأولى، إذ يحرص الجابري على استثمار آليات الشرح بغرض التوضيح وتقريب معاني الكلمات الغامضة أو الغريبة، أو الناذرة الاستعمال بالنسبة للمتلقي الراهن في سور القرآن الكريم بالترتيب الجديد.وهي آليات تقرب القارئ من المتداول اللغوي والثقافي زمن الدعوة، وتساعده على الفهم والإفهام، استناداً على قاعدة التوافق مع “معهود العرب” الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وفضائهم  الثقافي والفكري والحضاري العام. وتمنحه منطقا معقولاً يستوعبه القارئ ويتمثلهويستبطنه ثم يحتكم إليه ويصدر عنه، فيما يتصل بحياته الفانية وآخرته الباقية.

– آلية التقسيم من أجل التبسيط: اعتمد الجابري على تقسيم جديد للقرآن الكريم على أساس التمييز بين القرآنالمكي ( سور ما قبل الهجرة وتبلغ 90 سورة، خصها بقسمين من رباعيته القرآنية) والقرآنالمدني (سور ما بعد الهجرة، وتبلغ 20 سورة)، الأولى تُعنى بالعقيدة والأخلاق، فيما تعنى الثانية ببناء الدولة والتشريع لها. والمقصد من كل ذلك، يتمثل في تسهيل عملية استيعاب المسلم لمفاصل الخطاب القرآني، وضبط خريطته، وعلى أساس تساوق نزول القرآن بالدعوة، حتى يكون القارئ على بينة من مسار عام مبسط للخطاب القرآني، ويسهل عليه الاستيعاب المعقول (وحدة السور: مقدمة وتحليل فخاتمة)[50]. وهي الآلية نفسها التي اعتمدها الجابري في تحليل القصص القرآني[51] لضرب المثل واستخلاص العِبَر خدمة للدعوة المحمدية بتوظيف “التاريخ المقدس” ومخيال المستمع ومعهوده، وبعيداً عن الحقيقة التاريخية، وليجعلها أقرب إلى القارئ المعاصر بتوزيعها إلى فقرات مع وضع الفواصل والنقط وشرح الكلمات التي تتطلب الشرح وكتابة هوامش حول المسائل التي تحتاج إلى ذلك[52]

– آلية التخليص من فائض الوسائط: تتبع الجابري مختلف تفسيرات القرآن، استقراءاًواستقصاءاً، واستفادة مما يقدمه الحاسوب، وبيقظة وحيطة وروح نقدية. وقد تَمَكّن الجابري من تخليص القرآن من كثير مما فاض عليه من مرويات وتأويلات باطنية، وتفسيرات وفهومات محكومة بحسابات سياسية أو مذهبية أو حزبية إلخ، أو تخمينات غريبة ودخيلة رافقت مسار فهم القرآن منذ وفاة النبي إلى اليوم وأثقلت كاهل الفقه الإسلامي ومحيط القرآن الكريم بما عبر عنه ابن رشد ب”الهوس والتخريفات”، مراعياً في كل ذلك تطور الدعوة وأسئلة الناس ومقتضى أحوالهم، علماً بأن القرآن قد نزل منجماً ومفرقاً لمدة تزيد عن عشرين سنة”[53]، لتكون أحكامه متلائمة مع تطور الحياة وتبدلاتها.

– آلية الفحص النقدي من أجل المواكبة: عضد الجابري الآليات أعلاه بآلية الفحص النقدي ليس فقط لفائض الروايات التي أثقلت الفقه الإسلامي، ولكن أيضاً بالإحراج النقدي في تدبر القرآن وإضفاء المعقولية على أحكامه، استئناساً بأسباب النزول واعتبار السياق. وبتشغيل هذه الآلية يسَوِّي القرآن الكريم بين الرجل والمرأة، سواء من حيث الأصل المشترك ( الخلق من التراب) أو من حيث الحقوق والواجبات، منتقداً  ومتجاوزاً “تفريعات وتأويلات بعض الفقهاء الذين يلاحظ لديهم ميل لاشعوري نحو الحط من قيمة المرأة المفترى عليها، جرياً على عادة القرشيين، وخلافا للسائد في المدينة[54]. وعلى هذا الأساس، وتفعيلاً لما يعبر عنه الجابري بالاجتهاد المواكب للحياة، واستناداً على آلية “ضرورة جعل المقروء معاصرا لنفسه، ومعاصراً لنا في الوقت نفسه”[55]، قارب سورة النساء في قوامة الرجال عن النساء، ونشوز المرأة وهجرها فضربها ضرباً غير مبرح، على قاعدة المساواة بين الناس ذكوراً وإناثاً، خلافاً للسائد المترسخ في بنية العقل العربي؛ إذ “ليس من حق الرجل أن يأخذ مما اكتسبته المرأة بجهدها كما أنه ليس من حق المرأة الأخذ مما كسبه الرجال إلا أن يكون ذلك مهراً أو هبة أو عطاء بالتراضي”، وكذلك لا يستقيم عقلاً اعتماد فهم  كثير من الفقهاء والمحدثين لكلمة “”الضرب” كما يفهم في حال الخصومة، أي اللكم والإيذاء باليد أو بالعصا وما أشبه، وذلك نتيجة عدم ربط هذه الكلمة بسياقها ولا بما روي في شأنها من أخبار تحدد معناها. إن الضرب المطروح هنا ليس هو “الاعتداء بالضرب” بمعناه الذي يُفهم في حال الخصومة والعداوة، كلّا هذا لا وجود له في القرآن. فالضرب في فهم الجابري في سياق هذه الآية،ليس سوى مجرد نوع من المداعبة الهادئة على الفراش لاستثارتهن وجعلهن يقبلن على الجماع أو يطلبنه بالأحرى؟”[56]. ( استانس بكتاب الديمقراطية وحقوق الانسان ، ص180. سنة 1994)

ولعل مثل هذه الآليات التي توسل بها الجابري، ونوع القراءة التي اعتمدها في تحليل القرآن الكريم وفهمه وتفسيره، وهذا النوع من خلخلة السائد من التحليلات الراسخة، هي التي جرت عليه وابلاً من الانتقادات والتشنيعات[57]، بل وتهماً وصلت حد التكفير الصّراح.

  • سؤال المنهج في الخطاب القرآني عند الجابري:
    • سؤال المنهج في نقد العقل العربي: (تذكير)

بالعودة إلى سابق كتب الراحل محمد عابد الجابري، بدءاً بكتابه: نحن والتراث (1980) مروراً بكتب: تكوين العقل العربي (1982) وبنية العقل العربي (1990) والعقل السياسي العربي (1994)، وانتهاء بالعقل الأخلاقي العربي (2001)؛ نجده يصرح أنه اعتمد مجموعة من المناهج المتفاعلة في مشروع نقده للعقل العربي بأجزائه المذكورة. هذه المناهج هي التحليل التاريخيوالمعالجة البنيوية ثم الطرح الأيديولوجي[58]وقرينهالإيبيستيمولوجي. ويكفي تأمل العناوين الرئيسة لهذه الكتب، وافتحاص عناوينها الفرعية للتأكد من حرص الجابري على توظيف تلك المناهج واعتمادها في مقاربة موضوعاته والحفر فيها، رغم وعيه باختلاف طبيعة المواضيع، وبالتالي في تنويع المناهج وطريقة توظيفها وتنزيلها من موضوع إلى آخر.

ذلك ما يعترف به الجابري ويُقر به في آخر لبنات مشروعه لنقد العقل العربي قائلاً:” أما عن المنهج فيمكن القول باختصار: إنه نفس المنهج  الذي اتبعناه في الأجزاء السابقة، وكنا قد حددنا خطواته الثلاث في كتابنا “نحن والتراث”: التحليل التاريخي، والمعالجة البنيوية والطرح الأيديولوجي. والتعديل الذي سنقوم به هنا لا يخص هذه الخطوات نفسها، بل فقط طريقة ممارستها. ذلك أننا سنمارس هذه الخطوات بصورة تركيبية. ومعنى هذا أننا لن تفصل “التكوين” عن البنية”، كما فعلنا في “العقل النظري”، ولا “المحددات” عن “التجليات”، كما فعلنا في “العقل السياسي”، بل سنسلك مسلكا أقرب إلى مسلكنا في “تكوين العقل العربي”[59].

وتلك شهادة بائنة على وفاء الجابري للمنهج الذي دشن به مشواره العلمي في قراءة التراث الفلسفي الإسلامي، وسار عليه في سياق نقده للعقل العربي. وهكذا، وظف الجابري هذه المناهج، بحسب طبيعة الموضوع، تارة بتشغيل المنهج التاريخي وتغليبه في تتبع تشكل العقل العربي وتكوينه، فكان المنهج التاريخي مهيمناً، كما هو الحال في كتابه: تكوين العقل العربي؛ وتارة يوظف المنهج البنيوي كما هو الشأن في رصد بنية العقل العربي، وتفكيك بنياته، كما هو الأمر في كتابه: بنية العقل العربي؛ وتارة أخرى بشكل تركيبي كما هو الحال في كتابيه: العقل السياسي العربي، والعقل الأخلاقي العربي، حيث التمازج بين المنهج التاريخي وتتبع تكون البنية العقلية العربية، وتشكل موروثاتها الثقافية الخمس المعروفة (الموروث الثقافي العربي، والموروث الثقافي الفارسي، والموروث الثقافي اليوناني، والموروث الثقافي الصوفي، والموروث الثقافي الإسلامي). لكن دون الادعاء بصفاء تشغيل هذا المنهج دون الآخر، استجابة لطبيعة الموضوع ومتطلباته.

غير أن انتقال الجابري إلى الاشتغال على موضوع القرآن الكريم اقتضي بالضرورة المنهجية، وطبيعة الموضوع وإكراهاته، تغيير مناهج الاشتغال، أو على الأقل تحيينها لفائدة الموضوع نفسه، من منطلق ابيستيمولوجي، مفاده أن” طبيعة الموضوع هي التي تحدد نوعية المنهج”. وإذن فالخطوة الأولى في كل بحث علمي هي تحديد الموضوع والتعرف على طبيعته”[60] .

فما هو المنهج الذي اعتمده الراحل محمد عابد الجابري في تحليل الخطاب القرآني؟ وهل ظل بالفعل مخلصاً للرؤية المنهجية التي حكمت تحليله للعقل العربي ونقده أم استعان بمنهج آخر بمقتضى طبيعة الموضوع المختلف؟

  • سؤال المنهج في تحليل الخطاب القرآني:( ربط السابق باللاحق)

2-2-1- الخطاب القرآني: الأصول والامتدادات

قد يكون اقتراح صَديقٍ من السعودية على محمد عابد الجابري التأليف في القرآن الكريم مجرد اقتراح عابر وعَرضي (لماذا لا يكون الكتاب المقبل في القرآن؟[61])، يصرف نظر الراحل الجابري عن نقد العقل الغربي الذي كان يشغل باله، وقد تكون أحداث صيف الحادي عشر من شتنبر2001، شرارة محفزة عجلت بالانتقال من البحث في العقل الغربي إلى البحث في القرآن الكريم والتأليف فيه.

لكن، مهما يكن من أمر هذه الحيثيات ودرجة تحفيزها للجابري في تحليل الخطاب القرآني بأجزائه الأربعة، فيمكن أن ندعي بأن اهتمام  الباحث بهذا الموضوع لم يكن طارئاً ولا كان استجابة فُجائية للأحداث المذكورة.

لقد كان القرآن الكريم بأجوائه المحيطة حاضراً بقوة في التكوين الثقافي والوجداني للراحل محمد عابد الجابري مذ كان طفلاً صغيراً، سواء  من خلال التحاقه بالمسيد وحفظه للقرآن، أو تشبعه بالفكر السلفي على يد الحاج محمد فرج، وهو من رجالات السلفية النهضوية بالمغرب، أو التحاقه “بمدرسة النهضة المحمدية بفجيج التي أنشأتها الحركة الوطنية في مختلف جهات المغرب: مدارس حرة، بمعنى أنها لا تخضع للسلطات الفرنسية ولا تطبق برامجها، بل يشرف عليها رجال الحركة الوطنية. وكانت ملحقة بالتعليم الديني بوصفه تعليماً وطنياً محلياً”[62]؛ بل لا يخلو كتاب من كتاباته من القرآن الكريم، استشهاداً أو تحليلاً أو تفكيكاً أو توظيفاً أو ترافعاً في قضية من قضايا محيطه العربي الراهن[63]، أو حتى في إنشاء مشروعه في نقد العقل العربي.

صحيح أن حضور الخطاب القرآني وعلى امتداد خطاب نقد العقل العربي لم يكن حضور موضوع مستقل للدراسة والتحليل والتفكيك، ولم يكن مطلوباً لذاته، ولكن كان حضوره من أجل توضيح قضية أو شرح أخرى، أو الحِجاج لتلك في هذا السياق او ذاك، وبهذه الدرجة أو تلك إلخ. ولكن كثافة حضوره في تكوين العقل العربي، وفي تشكيل العقل العربي، في بنيته السياسية والأخلاقية، مما يتعذر القفز عليها، والاستخفاف من ثقل حضوره واختراقه لنقد العقل العربي. 

لقد دشن الجابري القول في تحليل الخطاب القرآني في مناسبات مختلفة، وإن بشكل متقطع، وتحت ضغط مناسبة أو أخرى. نذكر في هذا السياق، على سبيل المثال، كتابه: الحجاب… قول فيه مختلف… أسباب النزول ومعطيات عصرنا (2004)[64]، وكتابه: وجهة نظر.. نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، إضافة إلى ما ورد كتابه التراث والحداثة (1991)؛ بل أكثر من ذلك، يمكن اعتبار كتاب العقل السياسي العربي ( 1992) بما هو حفر أركيولوجي في التجربة السياسية العربية الإسلامية، بمثابة سيرة للنبي محمد (ص)، كما يقول الأستاذ رضوان السيد :”إن محمد عابد الجابري كتب سيرة للنبي ، نعم لقد فعل ذلك في الفصول الثلاثة الأولى من كتابه: العقل السياسي العربي”[65].

كان كل ذلك يتم، من خلال المنهج الذي اعتمد أول مرة على امتداد نقده للعقل العربي: المنهج البنيوي والتاريخي والأيديولوجي، وبشكل تركيبي وتناوبي، ومراعاة لما يتطلبه الحرص المنهجي في مقاربة القرآن الكريم في التمييز بين الوحي ومعهود العرب، وعلى أساس استراتيجية التجديد من الداخل التي أقام عليها قاعدة مشروعه الفكري والفلسفي.

 يقول الجابري بهذا الصدد، وفي خاتمة كتابه: مدخل إلى القرآن الكريم، رابطاً السابق في نقد العقل العربي باللاحق في تحليل الخطاب القرآني، وعلى مستوى المنهج والرؤية والاستراتيجية :”كما فعلنا في أجزاء “نقد العقل العربي”، فقد فضلنا الاقتصار على “الحفر” والتحليل والإشارة إلى ما نعتقده الحقيقة تاركين للقارئ مهمة “التركيب”، اقتناعاً منا بأن خير نتيجة يُمكن أن يحصل عليها قارئ كُتبنا هي تلك التي يستخلصها بنفسه.

كانت استراتيجيتنا، وستبقى، تقديم قراءات لموروثنا الثقافي تفسح المجال لعملية التجديد من الداخل، العملية التي هي وحدها القادرة على إتاحة الفرصة لنا لإعادة البناء. فعلاً العملية طويلة وشاقة، ولكنها جادة: “فأَمَّا الزّبدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ”[66].

 فالقرآن الكريم بالأساس، ومعه الحديث النبوي، مكون من المكونات المركزية في تكوين العقل العربي، حاضر فينا ومعنا، نحن العرب المسلمين، يوفر لنا آليات التفكير وطرق إنتاج المعرفة والقيم، ويمنحنا رؤى للإنسان والحياة وما بعدها. ولذلك فدور القرآن الكريم، حاسم بالتأكيد فيما آل إليه هذا العقل، جنباً إلى جنب ودور التراث نفسه.

بالفعل، قد يكون الجابري تأخر في أن يُفرد للقرآن الكريم تحليلاً مستقلاً وشمولياً، كما فعل مع التراث العربي الإسلامي بمختلف مكوناته وقطاعاته المعرفية وأثمر، هذا الفعل، رباعيته في نقد العقل العربي دون أن يخطط لذلك، ودون سابق معرفة بالمآلات. فتلك، على حد تعبيره،  “قراءة بعدية” جاءت بعد الانتهاء من المشروع، وما صار إليه. وهي نفسها القراءة التي وراء تفسيره لخلفيات تأليفه لرباعية تحليل الخطاب القرآني، والمنهج والرؤية التي حكمتها.

بناء على ما تقدم، فقد ظل حضور القرآن الكريم في مسار نقد العقل العربي بأجزائه الأربعة قوياً، يرجع الباحث لاستشارته في قضايا معاصرة، وقد يستشهد به أحياناً في فهم إشكالات معينة وتفسيرها بما يناسب خياره الحداثي وأسئلة عصره، بل وأحياناً أخرى، يجتهد في تأويل كثير من آيات قرآنية مقتطعة تأويلاً مواكباً للحياة المعاصرة، (قضية الإرث، وقضية الحجاب، وقطع يد السارق، وقضية الزنا، وقضية الربا، وقضية الزكاة، وغيرها من القضايا)، وإن من زاوية قناعته بوصل الدين بالدولة[67]، من جهة، ومن جهة أخرى ضرورة تحديث الرؤية في قراءته على أساس ما يعبر عنه بالاجتهاد المواكب للحياة المعاصرة[68] وتطورها في تطبيق الشريعة، ومسألة العلاقة بين العقيدة والشريعة، بناء على قيمة المصلحة العامة التي يتأسس عليها الموروث الثقافي الإسلامي، وتؤسس لمعقولية الأحكام الشرعية”[69]. وهي القيمة المركزية التي غاب الكلام عنها في الخطاب القرآني، واستدركها الجابري في كتابه العقل الأخلاقي العربي تحت مسمى العمل الصالح، وعلى هُداها قرأ الخطاب القرآني وحلله ومن زاوية “رؤية معاصرة بالمعنيين الذين شرحناهما في كتابنا نحن والتراث؛ أقصد رؤية معاصرة للدعوة المحمدية، أعني لزمنيتها وفضائها الثقافي من جهة، ومعاصراً لنا نحن أبناء القرن الحادي والعشرين على صعيد الفهم والمعقولية”[70].

 وعلى أساس هذه الرؤية التي حكمت مشروع الجابري، سواء في نقده للعقل العربي، أو في تحليله للخطاب القرآني، وباستحضار تلك المعطيات أعلاه، يتعذر أن نفهم ما ذهب إليه  الباحث التونسي عبد المجيد الشرفي بالأخص لما قال:”بصراحة أنني كنت منحرجاً جداً حين قرأت ما نشره الجابري، أولا في المدخل وبالخصوص في التفسير، يعني لم أكن أمام الجابري الذي أعرفه، بل أمام شخص آخر، ولم أفهم كيف يسمح غير المتخصص لنفسه أن يتناول اختصاصاً فيه عشرات ومئات المؤلفات، وفيه دراسات لا تحصى ولا تعد، وهذا أمر يبقى بالنسبة إلي حتى اليوم لغزاً”[71].

وبناء على ما سبق، يظهر أن اهتمام الجابري بتحليل القرآن الكريم، واجتهاده في فهم القرآن الحكيم وتفسيره، لم يكن جديداً عنده ولا طارئاً في مشروعه العلمي، وبالتالي فاشتغاله على الخطاب القرآني ليس لغزاً يستدعي العجب والانزعاج، وإلا زاد العجب والحرج، وتضاعف انزعاج المنزعج إذا علم أيضاً عودة الأستاذ عبد الله العروي إلى قراءة الخطاب القرآني وتحليله في كتابه: السنة والإصلاح، وإن من زاوية تاريخانية، جواباً على سؤل سائلة أجنبية مطلقة من رجل شرقي مسلم ولها ولد منه يقارب التاسعة من عمره  وتخاف على مستقبله[72].

       2-2-2- الخطاب القرآني والماهية المزدوجة

إذا كان موضوع التحليل في نقد العقل العربي بأجزائه الأربعة، هو التراث بما هو منتوج العقل العربي، بمختلف الخلفيات السياسية والتاريخية والثقافية التي كانت وراء إنتاج هذا التراث؛ فان موضوع تحليل الخطاب القرآني هو القرآن نفسه باعتباره كلام الله تعالى ووحيه المنزل على خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه المكتوب في المصحف.

ونظراً لاختلاف طبيعة الموضوعين فبالضرورة تختلف نوعية المنهج الذي يجب تشغيله، مع أن المنهج بدوره يؤثر “في تصور الموضوع. فالمنهج يقدم لنا الموضوع في صورة معينة فنكتسب عنه نحن، تبعا لهذه الصورة، فكرة معينة عن طبيعته”[73]. فكيف يمكن التعامل مع خطاب القرآن، وهو من طبيعة متعالية؟

بخصوص خطاب التراث، وبحكم طبيعته البشرية الصرف، فقد تم تحليله من هذه الزاوية وباعتماد منهج ثلاثي المذكور أعلاه، أما ما يخص خطاب القرآن، ونظراً لمصدره الإلهي، وتركيبته الماهوية فيستوجب على الأقل من الناحية النظرية، مقاربة من نوع  استثنائي، تعتمد منهجاً ملائما لطبيعة الموضوع.

يُسلِّم الجابري بأن القرآن “وحي من الله حمله جبريل إلى محمد، بلغة العرب، وهو من جنس الوحي الذي في كتب الرسل الأولين[74]، ولذلك فالشق الأول منه مما يدخل في دائرة التسليم والإيمان، فيما يدخل الشق  الثاني الذي مدخله لغة العرب ومعهودهم، في دائرة البحث والتحليل ، ما دام يشكل خزانهم  الثقافي بما فيه عاداتهم وأعرافهم ومخاييلهم وتطلعاتهم. فبفضل هذا المعهود بأبعاده المختلفة، تأَتَّى لهم فهم الخطاب القرآني واستيعابه، من خلال معارضته ومساءلته ومجادلته. بهذا المعنى، فالقرآن الكريم، كما يقول الجابري، “ذو ماهية مزدوجة، عربية اللسان، إلهية المضمون. ومن الصعب إثبات مثل هذه الهوية المزدوجة للكتب السماوية الأخرى على الرغم من أن كلاً منها نزل بلسان القوم الذين جاء مخاطباً لهم”[75].

وللتغلب على هذه الازدواجية وتطويعها توسل الجابري بمفهوم الظاهرة القرآنية[76] على غرار الظاهرة الاجتماعية والظاهرة الثقافية التي تتضمن بُعداً لازمنياً وروحياً يتمثل في معاناة النبي مع تجربة تلقي الوحي الإلهي، ثم بُعداً اجتماعياً دعوياً يتمثل في تبليغ النبي لهذا الوحي من خلال معهود العرب ومحيطهم. وعلى هذا البُعد الأخير ينصب تحليل الجابري للخطاب القرآني، وباعتماد نفس العدة المنهجية التي شغلها الباحث في نقده للعقل العربي، مع مراعاة الفارق طبعاً لأن لكل مقام مقال.

يقول الجابري في هذا الاتجاه:” إن خطابنا هنا لن يكون خطاب دعوة ولا خطاباً مضاداً لأية دعوة. إنه  خطاب ينشد التعبير عن الحقيقة، كما تبدت لنا من خلال موقف حيادي موضوعي من الوقائع وتعامل نقدي مع المصادر”، بتفعيل المنهج المعتمد في رباعية نقد العقل العربي. وإذا كان لا بد من تقديم مثال على ما نطمح إليه هنا من الحياد الموضوعي والتعامل النقدي، فلنقل إننا سنسلك المسلك نفسه الذي سلكناه في الأجزاء الأربعة من كتابنا نقد العقل العربي، مع هذا الفارق، وهو أن لكل مقام مقال”[77].

على أساس هذه القاعدة البلاغية التي نبه إليها الجاحظ من خلال صحيفة بشر بن المعتمر، وفطن لها الجابري، وعلى هديها سيضطر للتمييز بين مقاربة موضوع نقد العقل العربي، وموضوع مقاربة الخطاب القرآني. فلكل منهما مقامه أي طبيعته المخصوصة، لكن لم تمنع الجابري من توظيف المنهج نفسه الذي وظفه في نقده للعقل العربي، في النقد البنيوي لسور القرآن الكريم وتحليلها في ذاتها، ورصد مختلف العلائق القائمة بين مكوناتها المختلفة، والطرح التاريخي القائم على رصد مسار تكون وتكوين الدعوة المحمدية ومحيطها، وتتبع أسباب نزول القرآن الكريم وتاريخيتها في ترتيب السور ترتيباً جديداً، إضافة إلى الطرح الإيديولوجي الذي ساعد الباحث على تخليص الخطاب القرآني من عوائق البطانة الأيديولوجية، وفائض التأويلات المغرضة التي تخترق مجاله التداولي، وتُبعِده عن “فضاء اللغة العربية، على مستوى الإرسال وعلى مستوى التلقي”[78].

  • مقاصد الخطاب القرآني عند الجابري

في نهاية القسم الثالث والأخير من كتاب فهم القران الحكيم، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول، وفي آخر صفحاته، خلص الراحل محمد عابد الجابري، وبعد رحلة طويلة في فهم القرآن وتفسيره، إلى القول:”كانت البداية “اقرأ (بلغ) باسم ربك الذي خلق… ولما تمت “القراءة” وصار الناس “يدخلون في دين الله أفواجا”…لم يبق للرسول إلا أن يودع مسبحاً بحمد ربه، مستغفراً لجميع من آمن به.

أما ما عدا ذلك، فليس من مهمة الرسول. فالرسول مُبلغ من الله للناس، وليس رئيساً على الناس. أما ما حدث بعده، فهو مثل ما حدث قبله من صُنع الناس”[79].

قد تكون هذه الخلاصة القوية التي انتهى إليها الجابري، واستغرق في الوصول إليها أربع وسبعمائة وألف صفحة ( 1704 ) من الحجم الكبير، كافية لحصر مقاصده في محصلة رباعية تحليله للخطاب القرآني، وكافية أيضاً لإدراك حجم المغامر التي خاضها الراحل، ليس تخاصماً مع السلف ولا تصالحاً معه، كما ادعى ذلك الأستاذ بلقزيز، من أجل “تثوير” النظر إلى القرآن الكريم، وتخليصه من هيمنة الفقهاء والمتكلمين والمتصوفين، على غرار مغامرة ابن رشد في زمانه ومكانه[80]، وما ترتب عنها مما يَذْكره التاريخ وأهل الأدب والفكر[81].

فالقرآن الكريم كتاب مؤسس في الثقافة العربية الإسلامية، وعليه يتأسس وجودها ومآل أهلها. ولذلك، أدرك الجابري، بسبب رؤيته السياسية، وتجربته العلمية والثقافية، الحاجة، وهو يطلب الحداثة ويسعى إليها، إلى “إرجاع” القرآن الكريم إلى مجاله التداولي، وتخليصه من وصاية الفقهاء- ومن في معناهم- و”اجتهاداتهم” وتفسيراتهم وتأويلاتهم[82] التي لم تَعُد تستجيب لروح عصرنا. وهو ما يتعذر تحقيقه دون تجديد الرؤية إلى الخطاب القرآني “لتستحث الفكر المتقاعس على العمل لاكتساب رؤية جديدة أكثر استجابة لروح العصر”، تسير في أفق أكثر رحابة وانفتاحاً وفعالية.

فالجابري يُسلّم بأن القرآن يخاطب أهل كل زمان ومكان، وهما متحركان ومتغيران إلى أجل غير مسمى، مما يستوجب تجديد النظر إليه بتجدد أحوال كل عصر. وهنا مكمن الجرأة التي تحدث عنها الراحل، والتي تفرضها كما يقول، “الفلسفة على من ينتسب إلى حقلها، بوصفه البحث عن الحقيقة”[83]؛ حقيقة تعريف القرآن وفهمه، باستعادة الاجتهادات السابقة وتحليلها وفهمها فنقدها من أجل طرح أسئلة جديدة واقتراح أجوبة لها في ضوء معطيات عصرنا وتحدياته، بل ومن منطلق معادلة جديدة وموخزة،  تقوم على تقديم الدنيا على الآخرة، أو ما عبر عنه بالآخرة من أجل الدنيا؛ إذ لولا الدنيا لما كانت هناك آخرة. وعليه، “فالتخويف بالجنة والنار معمولة من أجل ممارسة العدل في الدنيا و التسامح والسلام والمرحمة والدفع بالتي هي أحسن”[84]. وتلك هي المغامرة الكبرى، على حد تعبير الجابري، والجرأة المطلوبة في حالة طلب تغيير المجتمع وتحديثه للمواكبة والتقدم.

لقد اختار صاحب نقد العقل العربي أن يغامر في تحليل الخطاب القرآني والاجتهاد في فهمه وتفسيره، والتعريف به. وهي مغامرة كبرى لطبيعة موضوع الاشتغال وحساسيته الاستثنائية  وكذلك لنوعية الخلاصات التي انتهى إليها في عملية الفهم والتعريف معاً مما يستفز السائد المترسخ في عقل المُعْتَقِدِ المؤمن ووجدانه، علماً بأن الإنسان يؤمن بمعزل عن كل استدلال وعن اتخاذ القرار. وقد يتساهل المرء في مسائل المعرفة ولكنه لا يقبل أن يُمس في اعتقاده. قد يضحي بحياته من أجل معتقده ولكنه لا يستشهد قط من أجل إقامة الدليل على صحة قضية معرفية”[85]. هنا موطن المغامرة الكبرى التي يخوضها الجابري، وهو يخوض في تحليل الخطاب القرآني،  ويراهن بها على مكانته العلمية والأكاديمية وعقود خدمته للعلم والمعرفة في الوطن العربي الإسلامي.

إن طموح الراحل محمد عابد الجابري ورهانه في تحليل الخطاب القرآني بأجزائه الأربعة، إنما يتمثل أساساً في النظر إلى فهم القرآن وتفسيره والتعريف به ليس “مجرد نظر في نص مُلئت هوامشه وحواشيه بما لا يحصى من التفسيرات والتأويلات، بل هو أيضاً فصْلُ هذا النص عن تلك الهوامش والحواشي، ليس من أجل الإلقاء بها في سلة المهملات، بل من أجل ربطها بزمانها ومكانها، كي يتأتى لنا الوصل بيننا، نحن في عصرنا، وبين “النص” نفسه كما هو في أصالته الدائمة”[86].

فكثيرة هي أنواع فهم القرآن الكريم التي لم تَعُد مسايرة لأسئلة العصر، وكثيرة هي الاجتهادات والأجوبة والتأويلات التي ينبغي إعادة النظر فيها بتصحيحها والقبول بالقطع معها، وكثيرة أيضا هي تلك الأفكار المتلقاة التي تعوق المعرفة، وتلتصق بالمقدس وتصبح مقدسة. ونموذج أمية الرسول الكريم والحفاظ على طبيعته البشرية، ودونية المرأة، وغيرها كثير من الأفكار المتلقاة[87]، كافية لتكون شاهداً على جرأة الجابري والمغامرة الكبرى التي اختارها للنظر، بأعين جاحظة، إلى الخطاب القرآني، والسير به في اتجاه تجديده وتحديثه، ودائما على قاعدة استراتيجية التجديد من الداخل[88] التي أسس عليها تحليله للخطاب التراثي، ونقده للعقل العربي، وعلى أساس عقلي وعقلاني[89] لإضفاء المعقولية على فهم القرآن، والانسجام مع دعواته القائمة على الإشادة بالعقل وضرورة إعماله.

قد يسهل على الكثير الدعوة إلى إحداث القطيعة مع القرآن الكريم والدعوة إلى “العلمانية”[90]، بفصل الدين عن الدولة، وحصر القرآن/ الدين في أماكن التعبد فحسب. وهو مطلب اختزالي، بل وغير تاريخي في مجتمعات تشبعت بالثقافة “الدينية” أو الصادرة عن القرآن الكريم، لمدى قرون طويلة من التنشئة الاجتماعية. فالمغامرة الكبرى، بلغة الجابري، تتمثل في “إمكانية الحوار داخل النسق لكونه قائما على التفريق بين المقاصد الثابتة والإجراءات المتحولة. فهو يحقق الهدف الديمقراطي المدني مدعوما باجتهادات فقهية أصولية، واجتهادات عقلانية داخل الفكر الإسلامي نفسه. كما تدعمه سيرورة التاريخ “[91] والاجتهاد من داخله، وبالتالي فالمطلب هو كيفية تحويل القرآن / الدين، وما تولد عنه من ثقافة، إلى عامل مساعد على تحقيق الحداثة والتحديث، وعبور الزمان والمكان. بتعبير آخر، كيف لا يتحول القرآن الكريم وما يصدر عنه ومنه من ثقافة، إلى عائق في مطلب الحداثة، وهي قدرنا التاريخي[92]، كما يقول الأستاذ عبد الله العروي، وتحوله إلى طاقة للتجديد والفعالية[93].

إن سؤال فهم القرآن،وسؤال الحداثة سؤالان متلازمان لولوج الخطاب الفلسفي لمحمد عابد الجابري في كليته، وتمثّل أبعاده ومقاصده الكبرى، بدءاً بكتابه: العصبية والدولة (1971) وانتهاء بالقسم الثالث والأخير من كتابه فهم القرآن (2009)، أي رحلة تقارب أربعين سنة من البحث والتقصي نحت فيها من ذاته حتى استقرت فيه أنواع من الأمراض المزمنة[94]. وكلها أسئلة مُغامرة بالنظر إلى الجرأة العلمية التي تتطلبها، والجهد الفكري والذهني الذي تقتضيه، وكذا القوة النفسية المطلوبة لتفهم المخالفين واستيعاب المختلفين، سواء وهو ينقد العقل العربي بأجزائه الأربعة، أو يحلل الخطاب القرآني الخالد، كما ينعته، وبأجزائه الأربعة أيضاً، وهو في محصلة المشروع إنما يواصل جهوده من أجل استنبات قيم الحداثة[95] والتحديث في ضوء مستجدات محلية ودولية، وفي جدلية الخطاب التراثي والخطاب القرآني. حداثة عربية، بمرجعية إسلامية منفتحة ومتجددة يتساوق فيها الزمن الثقافي بالزمن الطبيعي، ويسيران في نفس الأفق المستقبلي./.

*********

[1] – يشتمل نقد العقل العربي للجابري على أربعة أجزاء،: تكوين العقل العربي ( 1982): بنية العقل العربي ( 1986): العقل السياسي العربي( 1990): العقل الأخلاقي العربي ( 2001)

[2] – الجابري: مدخل إلى تعريف القرآن الكريم، ص 7-8.

[3] – من المؤشرات الدالة على ذلك، ما أثاره هذا المشروع من ردود فعل واسعة كانت وراء عدد فائق من المؤلفات الرائدة، يكفي أن نشير إلى ما ألفه جورج طرابيشي في إطار ما سماه: نقد نقد العقل العربي، في خمسة أجزاء ضخمة. إضافة إلى الإقبال الواسع على ترجمة أهم كتبه إلى عدد من اللغات الغربية، حيث تُرجم كتاب: نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي 1980 إلى الإسبانية، وكتاب: تكوين العقلالعربي. 1984، إلى التركية والفرنسية. وكتاب: بنية العقل العربي: 1986 إلى التركية وإلى الفرنسية، وكتاب: العقل السياسي العربي: 1990 إلى التركية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية والبرتغالية، والإسبانية وإلى اليابانية والإندونيسية…

[4] – الجابري: العقل الأخلاقي العربي، ص7.

[5] – الجابري: التراث والحداثة، ص11.

[6] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص8.

[7] – الجابري: الخطاب العربي المعاصر، ص8.

[8] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص8.

[9] – الجابري: مدخل إلى تعريف بالقرآن الكريم، ص 9.

[10] – إحالة على ثلاثية الفهم: فهم القرآن الحكيم، القسم الأول والثاني والثالث.

[11] – وجيه قانصو: “في تفسير القرآن الكريم، المنطلقات والأدوات”، ص:356.

[12]– عبد الإله بلقزيز (انظر تقديم الندوة، ص:15، ومناقشات في ص:363.)

[13] – ادريس جبري: سؤال الحداثة في الخطاب الفلسفي لمحمد عابد الجابري، رؤية مختلفة، ص58 وما بعدها.

[14] – الجابري: نحن والتراث، ص 20- 21. والقطيعة الايبستيمولوجية، عند الجابري،”تتناول “الفعل العقلي”. والفعل العقلي نشاط يتم بطريقة ما وبواسطة أدوات هي المفاهيم، وداخل حقل معرفي معين. قد يظل موضوع المعرفة هو هو، ولكن طريقة معالجته والأدوات الذهنية التي تعتمدها هذه المعالجة والإشكالية التي توجهها والحقل المعرفي الذي تتم داخله، كل ذلك قد يختلف ويتغير. وعندما يكون الاختلاف عميقا وجذرياً، أي عندما يبلغ نقطة اللارجوع، أي النقطة التي لا يمكن الرجوع منها إلى الطريقة السائدة، نقول هناك قطيعة إيبيستيمولوجية”، ص 20.

[15] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الثالث، ص 182.

[16] – الجابري: فهم القران الحكيم، القسم الأول، ص7.

[17] – العقل المستقيل أي الأدبيات الهرمسيةوالفيتاغورية الجديدة، والتصوف الغنوصي والأفلاطونية المحدثة، تكوين العقل العربي، ص 232. فهم القرآن الكريم، القسم الثالث، ص182.

[18] – الجابري: في التعريف بالقرآن الكريم، ص10. انظر ص 147 من تكوين العقل العربي. أخبار الغيب والجنة والنار المستقاة من التوراة والتلمود. انظر فهم القرآن الحكيم، القسم الأول، 243، عن حكايات الجن التي غصت بها كتب كثير من المفسرين القدامى من جنس الإسرائيليات. (فهم القرآن الحكيم، القسم الثالث، 182.)

[19]– قد يكون هذا المقصد أحد المقاصد التي دعت الأستاذ العروي إلى ترجمة كتاب لجان جاك روسو: دين الفطرة. أي “عقيدة فطرية بسيطة سمحة خالية من كل لغز منافية لكل تعصب… وتحرير الذهن من الأفكار المسبقة والأحكام المتوارثة”، ص 9-10-17.

[20] – وجيه قانصو، نفسه، ص 322.

[21] – الجابري: بنية العقل العربي، ص16.

[22] – الجابري: نحن والتراث، ص 13.

[23] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 15.

[24] – يقول الجابري في كتابه تكوين العقل العربي:” مشروعنا هادف إذن، فنحن لا نمارس النقد من أجل النقد، بل من أجل التحرر مما هو ميت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي، والهدف : فسح المجال للحياة كي تستأنف فينا دورتها وتعيد فينا زرعها…”، ص 7-8.

[25] – الجابري: في تعريف القرآن الكريم، ص10.

[26] – الجابري: مدخل لتعريف القرآن الكريم، ص7. ولعله نفس الهم الذي حمل الأستاذ عبد الله العروي على تأليف كتابه: السنة والإصلاح، لتحليل الخطاب القرآني ونقده، انطلاقاً من تاريخانيته المعروفة، ومن خلال طريقته المتخيلة بين السائلة الأجنبية ومشكلة ابنها العربي المسلم، والمسؤول أي المجيب المفترض وهو الأستاذ عبد الله العروي. ص5.(يمكن العودة بهذا الصدد إلى دراستنا بعنوان:” الحوار المغشوش، أو هكذا تكلم عبد الله العروي على المسألة الأمازيغية بالمغرب”.)

[27] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص17.

[28] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 19.

[29] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص19.

[30] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الثاني، 409.

[31] – الجابري: العقل الأخلاقي العربي، ص26-27.

[32] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الثالث، ص410.

[33] – إحالة على قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم واحد) سورة فضلت، الآية 6. وقوله تعالى ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر) سورة الغاشية، الآية 22.

[34] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 20.

[35] – يقول الأستاذ العروي:”تُمنّي السنة الناس بتحقيق كل ما يحلمون به. تراكم الوعود: سأريكم كيف بدأ الكون وكيف انبرى الزمن. سأطلعكم على أسرار الحياة والموت، ألغاز الحركة والسكون، الصحة والسقم”. (السنة والإصلاح، ص 199) والسنة هنا بمعنى الإسلام كما تجسد وتطور في التاريخ.

[36] – حاول الرسول (ص) تفسير هذه التجربة الروحية تفسيراً عقليا، وذلك بتقريبها إلى ظواهر نفسية واجتماعية معروفة في عصره، هي نفسها تلك التي اتهمها به خصوم الدعوة المحمدية منذ ابتداء أمرها” من جنون وكهانة وغيرهما، ( ص 397 ، مدخل إلى القرآن الكريم).

[37] – العروي: السنة والإصلاح، ص70.

[38] – قنصو، ص 321.

[39] – العروي: السنة والإصلاح، هامش رقم2، ص9.

[40] – محمد العمري: منطق المخزن وأوهام الأصولية، ص 125 وما بعدها.

[41] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 110.

[42] – سعيد بنكراد: سيرورات التأويل، من الهرموسية إلى السميائيات، ص41.

[43] – ابن رشد: فصل المقال، ص115، وما بعدها، في التأويل، متى، وكيف، ولمن…؟

[44] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 397.

[45] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 397.

[46] – الجابري: وجهة نظر، ص 208-209.

[47] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 398.

[48] –  يقول الجابري: “الهاجس التربوي الحاضر في مختلف كتاباتنا. إن هذا الكتاب يتجه بالخطاب مثله مثل كتبنا الأخرى إلى قطاع واسع من القراء معظمهم من الطلاب أو من في حكم الطلاب”. الجابري: العقل السياسي العربي ص 52.

[49] – ادريس جبري: سؤال الحداثة في الخطاب الفلسفي لمحمد عابد الجابري، ص65 وما بعدها.

[50] – الجابري: فهم القرآن، القسم الثالث، ص87.

[51] – يمكن الاستفادة في هذا الصدد من قراءة الأستاذ سعيد بنكراد لقصتي آدم  وحواء وقصة وإبراهيم، على سبيل المثال لا الحصر، الأولى وردت في كتابه: مسالك المعنى، تحت عنوان: قصة الخلق، ص21 وما بعدها، والثانية نشرت بمجلة علامات العدد 39، تحت عنوان:”السرد الديني والتجربة الوجودية، قصة إبراهيم نموذجاً”، من زاوية سميائية ، ولكن تصب جميعها في خلخلة الأفكار القبلية، وطلب الحداثة والتحديث، وضمن هذه الرؤية يندرج كتاب: وهج المعاني، ص15، وما بعدها، وهو يعالج حقائق الدين، وضمنها مسألة الحجاب وتجلياته الثقافية..

[52] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص302.

[53] – وهي الآلية نفسها التي اعتمدها الأستاذ عبد الله العروي في كتابه: السنة والإصلاح، ومن موقع مشروعه الفكري، لما اقترح على سائلته الكريمة من أمريكا، تجربة تأمل ما دعاه بالكتاب العزيز وقراءته في أجواء “صافية”، بعيداً “عن كل الوسائط من شرّاح ومفسرين ومؤولين”، ص 8- 103.

[54] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الثالث، ص246. وقد كتب الراحل الجابري في وقت سابق مقالاً تحت عنوان: “المرأة…المفترى عنها”…

[55] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الثالث، ص36.

[56] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الثالث، ص253-254 .

[57] – يمكن اعتبار انتقادات الأستاذ محمد عمارة في كتابه: في الرد على افتراءات محمد عابد الجابري، من أكثر الانتقادات اعتدالا مقارنة بتلك التي بلغت حد التكفير والإلحاق بالمستشرقين، وما يترتب عن هذا الإلحاق مما هو معلوم.(انظر كتاب عبد السلام البكاري والصديق بوعلام: الشبه الاستشراقية في كتاب مدخل إلى القرآن الكريم لمحمد عابد الجابري، رؤية نقدية، ص 11،  50-51. وما بعدها.

[58] – الجابري: العقل الأخلاقي العربي، ص23.

[59] – الجابري: العقل الأخلاقي العربي، ص 23.

[60] – الجابري: التراث والحداثة، ص21.

[61] – الجابري: في التعريف بالقرآن، ص8.

[62] – الجابري: حفريات في الذاكرة، من بعيد، ص75-76-77.

[63] – انظر في الموضوع كتابه: وجهة نظر،  واجتهاداته في معالجة قضايا راهنة كالحجاب في كتاب خاص بالموضوع، ناهيك عن كثير من المقالات في الموضوع سبق وأن نشرها في منابر مختلفة، وتوجد بموقعه الإلكتروني حتى بعد رحيله.

[64] – الجابري: الحجاب.. قول فيه مختلف.

[65] – رضوان السيد: “إشكالية التراث والحداثة في فكر الجابري”، ص21.

[66] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 396.

[67] – الجابري: وجهة نظر، ص62- 85.

[68] – الجابري: وجهة نظر، ص54-55-58.

[69] – الجابري: وجهة نظر، ص60-61.

[70] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 62.

[71] – عبد المجيد الشرفي، “مناقشات”، ضمن كتاب: العقلانية والنهضة في مشروع محمد عابد الجابري،.ص 366.

[72] –  العروي: السنة والإصلاح، ص 5.

[73] – الجابري: تكوين العقل العربي، ص 144.

[74] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 17.

[75] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 177.

[76] – وإن اعترض عليها الأستاذان البكاري وبوعلام في كتابيهما: الشًبه الاستشراقية، ص36.

[77] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص 18-19.

[78] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص20.

[79] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الثالث، ص 410.

[80] – من تقديم الجابري لكتاب فصل المقال لابن رشد، ص8- 76.

[81] – انظر ما كتبه الجابري عن نكبة ابن رشد في كتابه: المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية، ص 122 وما بعدها، وكذا ما كتبه عبد الفتاح كيليطو في كتابيه: لسان آدم، ص 63 وما بعدها.

[82] – من تقديم الجابري لكتاب فصل المقال لابن رشد، ص76.

[83] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الأول، ص 6.

[84] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الثاني، ص 408-409.

[85] – الجابري: العقل السياسي العربي، ص 49.

[86] – الجابري: فهم القرآن الحكيم، القسم الأول، ص 7.

[87] –  يعتبر الجابري الأفكار المتلقاة، أو ما يدعوه العروي بالأفكار المسبقة، بمثابة عوائق معرفية. وهي من نوع الأفكار التي يسلم بها الناس دون فحص ولا نقد ولا مراجعة. “فالأفكار المتلقاة تصوغ عالم المتلقي لها، وذلك إلى درجة أن هذا الأخير يقوم بصورة آلية برد فعل سلبي رافض أمام  كل نقد يمسها وكأنه يخاف أن ينهار عالمه ذلك، مدخل إلى القرآن الكريم، ص85.

[88] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم: ص 396.

[89] – يقول الجابري في كتابه: نحن والتراث:”إن الخطاب القرآني هو خطاب عقل وليس خطاب غنوص أو “عرفان” أو إشراق.”، ص 50. التشديد من النص.

[90] – ادريس جبري: “الحوار المعطل والنقد المعطوب في مقاربة الخطاب الفلسفي لمحمد عابد الجابري”، ص 147.

[91] – محمد العمري: “السؤال الديني والممارسة السياسية في المغرب الحديث”

[92] – يقول الأستاذ العروي:”الحداثة موجة، العوم ضدها مخاطرة. ماذا يبقى؟ إما الغوص حتى تمر الموجة فوق رؤوسنا فنظل حثالة، وإما نعوم معها بكل ما لدينا من قوة فنكون مع الناجين في أية مرتبة كانت” (عوائق التحديث، 23).

[93] – محمد العمري :”السؤال الديني والممارسة السياسية في المغرب الحديث”.

[94] – الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص5.

[95] –  يقول الجابري في شأن تاريخانية الحداثة، ومطالبته بحداثة عربية، “ليست هناك حداثة مطلقة، كلية وعالمية، وإنما الحداثة حداثات تختلف من وقت لأخر ومن مكان لأخر. وبعبارة أخرى الحداثة ظاهرة تاريخية وهي ككل الظواهر التاريخية مشروطة بظروفها محدودة بحدود زمنية ترسمها الصيرورة على خط التصور فهي تختلف إذن من مكان لأخر من تجربة تاريخية لأخرى. الحداثة في أوروبا غيرها في الصين غيرها في اليابان…”( من كتاب: التراث والحداثة، 12)

 
 
 

‫شاهد أيضًا‬

عمر بن جلون: القضية الفلسطينية ومواقف أُطُرنا * ترجمة : سعيد بوخليط

فقط مع الحالة الفلسطينية،شَغَلَ الالتباس الإيديولوجي أهمية أولية،وترتَّبت عن ذلك نتائج في …