خلق انسحاب المغرب من منطقة الكركرات، وضعا جديدا، تناسلت حوله التعليقات، السياسية والإعلامية، كما تناسلت به ومعه الأسئلة المتعلقة بالاقتراب من خلفياته.
يستدعي الحديث التركيز على المسلمات التالية:
-1 –قبل الانسحاب، كان المغرب قد توجه منذ أيام إلى الأمين العام للأمم المتحدة، السيد انطونيو غوتيريس، لوضعه في صورة الوضع المقلق الذي خلقته جبهة البوليزاريو وعمدت إلى جعله واقعا قائما، وطلب من الأمين العام أن تعمل قوات الأمم المتحدة على إعادة الأمور إلى سابق عهدها..
أ- يبدو طبيعيا أن يتجاوب المغرب مع طلب الأمين العام، الذي جاء طلبه متجاوبا مع المبادرة التي كانت بلادنا أصل طرحها على الهيئة الأممية.
ب- لا يمكن أن ينسى المغرب مروره بتجربة مرة مع الأمين العام السابق، وتفاصيل ما حدث مازالت حية في الأذهان، وكان بان كي مون غفر الله له، يريد أن يكرس صورة مغرب لا يتعاون مع الأمم المتحدة، وبالتالي فهو في وضع منازعة مع مؤسسة الأمين العام، سواء السابق أو اللاحق!
ج- لا يمكن للمغرب ألا يسارع إلى طي صفحة بان كي مون بدون أن يفتح صفحة جديدة، بل جيدة مع الأمين العام الجديد، الذي يعرف الكثير من التفاصيل والخبايا في ملف عتيق كملف الصحراء المغربية..ويفتح هذه الصفحة مع الأمين العام بالذات..من أجل أن يبطل مناورات الخصم الذي أراد تأبيد النزاع بين المغرب ومؤسسة الأمانة العامة..
-2 –ورد في الرسالة الملكية، أن الانفصاليين والراعي الرسمي لهم بدأوا مناوراتهم، منذ شهور، في سياق خلق وضع مناوئ للمغرب في ما يتعلق برجوعه إلى الاتحاد الإفريقي. وهو ربط لا اعتباط فيه، من لدن رئيس الدولة وممثلها الأسمى وقائد قواتها الأعلى.…
وبناء عليه، فإن في نجاح المسعى الذي سعت الجبهة الانفصالية إلى إفشاله مبرر معقول لتجاوزه، بمعنى آخر، إذا كان المغرب حقق هدفه الدبلوماسي، الذي سعت الجبهة إلى إفشاله بتوتير المنطقة عبر الدفع بالتوتر العسكري، وعاد إلى الاتحاد الإفريقي، فقد انتهى مبرر بقائه في منطقة دخلها من أجل التوازن ومواجهة إرادة تغيير الوضع الناجم عن وقف إطلاق النار من قبل البوليزاريو..
-3 –الخطوة المنتظرة الآن هي خطوة الانفصاليين، وهم لحد الساعة لم يدركوا على أي قدم سيرقصون:
– الانطباع الأول الذي عمموه هو أنها هزيمة عسكرية بدون حرب، تأتي بعد هزيمة مفترضة أخرى في قبول الانضمام «بدون » شروط إلى الاتحاد الإفريقي..
– بعد أقل من 24 ساعة، تحدث الرئيس الشبح لدولة الوهم عن »”محاولة للمراوغة والمغالطة»، طريقة في التعبير عن رفض الانسحاب من الكركرات، خارج الجدار الأمني.
– يعرف البوليزاريو أن انسحاب المغرب من المنطقة العازلة، سيفرض خروجه، وبالتالي سقوط أطروحة الأرض المحررة، في تيفاريتي وفي بير لحلو وفي غيرها من المناطق التي يقدمونها للعالم على أنها محررة، وعليها جنين الحمل الكاذب بالدولة..
-4- ما كان ظرفيا من المغرب، لا يعني تراجع انتمائه الثابت إلى الحل السلمي، ولم يرفع المغرب أبدا شعار عودة التوتر أو العودة إلى السلاح، وكل «عقيدته» هي البحث عن حل سياسي سلمي:سواء وهو يقبل باستفتاء لم يحظ بالإجماع الوطني أو وهو يتقدم بمقترح الحكم الذاتي.
وعليه فإن الانسحاب يجد جذوره في معالجة المغرب الأصلية، أي مقاربة السلم لحل معضلة متشابكة، وفيها المفتعل أكثر من الحقيقي..
وما يزكي ادعاءنا هذا هو أن الرسالة إلى الأمين العام تحدثت عن »أمل المغرب بأن يؤدي تدخل الأمين العام إلى عودة المنطقة إلى “الوضعية السابقة (…) والحفاظ على وضعها، وضمان مرونة حركة النقل،” إضافة إلى “الحفاظ على وقف إطلاق النار وتعزيز الاستقرار الإقليمي”.
-5-هو ليس انسحابا من المعركة، بل من أجل مواصلتها
وهو ليس انسحابا من حرب قائمة، أو يفترض الخصم وقوعها، بل من أجل سلام واقع ، حتى ولو كان سلاما مسلحا ..وهذا بالمناسبة، يعني »درعا» ضد الحرب، كما يعرفها منظرو هذه الاستراتيجية..