تأتي تطورات الوضع في الكركرات، في سياق يتسم بتقدم ملموس حققه المغرب في إفريقيا، على الصعيد الديبلوماسي، وأيضا على صعيد فتح الآفاق أمام مقاربة جديدة للتعاون الثنائي والقاري، لذلك من الطبيعي أن يلجأ حكام الجزائر إلى البحث عن كل أسباب الاستفزاز، للدفع بالمغرب إلى معركة أخرى، غير المعركة الديبلوماسية التي نجح فيها، لحد الآن.

تأخذ قضية الكركرات عدة أبعاد، فعلى المستوى الجغرافي، هي منطقة قريبة من الحدود الموريتانية، لكن الجزء الفاصل بين الجدار الأمني المغربي، وهذه الحدود ظل بدون طريق معبد، وخاضعا لعصابات التهريب ومختلف المافيات، لصالح الانفصاليين والجزائر والجماعات الإرهابية، لذلك لجأ المغرب إلى تطهيرها في شهر غشت الماضي، والعمل على تعبيد الطريق.

غير أن انفصاليي البوليزاريو بادروا إلى عرقلة هذا المشروع الذي لا يمكنه إلا أن يكون إيجابيا لمحاربة العصابات، ولتسهيل مرور الشاحنات بين المغرب وموريتانيا وغرب إفريقيا، وخاصة السينغال. لذلك أرسلوا بعض المسلحين للمنطقة العازلة، في خرق تام لوقف إطلاق النار، بهدف دفع المغرب إلى مواجهة مسلحة، في الوقت الذي كان يعمل فيه على العودة للاتحاد الإفريقي.

وبعد أن فشلت هذه المساعي، لجأوا إلى التصعيد باستفزاز السائقين المغاربة، الذين يقطعون المنطقة العازلة، مما دفع بالسلطات المغربية إلى إعلام الأمم المتحدة بهذا التصعيد، وكان ردّ أمينها العام، أنطونيو غوتيريس، واضحا حيث طلب من الانفصاليين إخلاء هذه المنطقة.

من المنتظر أن يتعنت الانفصاليون، كما فعلوا قبل ذلك، عندما رفضوا أن تتكلف القوات الأممية بتعبيد الطريق، لأن هدفهم هو الإبقاء على التوتر، وقطع المنافذ على المغرب، في اتجاه غرب إفريقيا، التي أصبحت تربطها ببلادنا مشاريع ضخمة، في إطار توجه، تُوِجٓ بطلب المغرب، الانضمام للمجموعة الاقتصادية الغرب أفريقية.

لذلك فقضية الكركرات، في هذا السياق، أصبحت ذات بعد استراتيجي كبير، سواء ما يتعلق بامتداد المغرب، في حدوده إلى الكويرات، أو في علاقاته البرية مع كل الغرب الإفريقي.

ما تسعى إليه الجزائر اليوم، هو إما أن تجرّ المغرب إلى مواجهة عسكرية مع الانفصاليين، لتخلق الانطباع لدى الأفارقة بأنه بلد معتدٍ، أو تستمر حالة
التطويق من الجنوب، لخنق تحركه نحو امتداده الإفريقي، مما يفرض على بلادنا أن تختار أهون الشّرّيْنِ، للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية، بكل الطرق الديبلوماسية الممكنة، لكن كل الاحتمالات، في مثل هذه النزاعات، تظل مفتوحة.

 

الاثنين27 فبراير 2017.

‫شاهد أيضًا‬

الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء .

النص الكامل للخطاب الملكي السامي : “الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله …