قَالَ علي (عليه السلام): “رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ وَعِلْمُهُ مَعَهُ لَا يَنْفَعُهُ.”
قال تعالى ( قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الاخرة .إن الله على كل شيئ قدير) العنكبوت
مكونات الارض و الكون تؤرخان وتوثقان لنشاة العالم وكل مراحل الوجود …والمخلوقات حتى بعد موتها تصبح وثائق متحدثة ومخبرة عن زمانها سواء كانت متحجرة كليا أو جزئيا أو متحولة ..
أما الانسان الذي يفترض فيه أنه أذكى المخلوقات , ولولا وجود ثلة وفية للعلم والحقيقة والموضوعية وهبت حياتها كلها لذلك لضاع كل شيئ ولاصبحنا من المستحاثات التي لاتقرأ ولا تكتب ولا تعقل …
…فبعض المحسوبين على الحقل السياسي والثقافي و الديني ينازعون غيرهم ويسعون بكل الطرق اللامشروعة واللا أخلاقية واللاعلمية لان يشككوا في تاريخ وعلوم ومعتقدات الذين بنوا التاريخ بكل مجالاته باجتهادهم وكدهم ونضالهم وصمودهم وتضحياتهم .. كما يعمدون الى إيهام أنفسهم و”العامة ” أنهم وحدهم الاحق بالاتباع وأنهم الممتلكون لناصية العلوم الوضعية والشرعية والاجتماعية و…
ولهذا فلاغرابة إن وجدنا التحريف والتزييف طال ماوراء الوجود المادي والوجود الموضوعي نفسه وتعسف على العديد من الديانات فنسب للانبياء عشرات الالاف من “الاحاديث” لم يسلم من تزويرها وتحريفها لا من في السماء ولا من في الارض …والاغرب في الموضوع أن هناك من يتخذ من الخداع والمكر عقيدة له ويعتبر التحريفيين زعماء يرفعون أحيانا إلى درجة “الاولياء” إفتراء وظلما وتعديا على الحقائق التاريخية ..لهذا فلا عجب ان يتحول الجلاد الى مناضل حقوقي ويتحول المتآمر إلى وطني وأشباه المتعلمين إلى خبراء في العلوم وأحيانا متحدثين باسم السماء ؟؟؟
إن منهم من يدعي تطاولا أنهم ورثة الانبياء فيسمحون لانفسهم بالتحريف والزيادة والحذف في علم الله وتاريخ الرسالات .. والحقيقة الواضحة أن الانبياء والمرسلين تعرضوا للابتزاز والترهيب والتخويف والقتل من المزايدين عليهم في أزمنتهم أحيانا باسم الدين وأخرى باسم الوفاء لهم أو تحديا أو عداء مطلقا …فنجد “الاسرائيليات “تغزو وتكتسح العديد من المراجع التي تعتمد لنشر المعرفة الدينية مما يشوش على صفاء العقيدة والعلم ويربك العامة …ونجد أن العديد من المحسوبين على العلوم الدينية والشرعية قد انجروا نحو متاهات “الافتاء” التي الحقت ضررا كبيرا بعالمية الاسلام وسماحته وعدالته وانفتاحه ودفاعه عن العلم والعقل والحرية ..فكان خطر التطرف والتكفير والاستئصال يطال كل شيئ يحفظ الكرامة والانسانية ويهدد بالخراب وانهيار الامة وانكسارها ..
إن بعض المحسوبين على الحقل والعمل السياسي كانوا فاعلين حقيقيين أو منتحلين للصفة يسعون عمدا بكل قواهم للاساءة والتشويش وجعل الواصفين للاوهام وليس المؤرخين الموضوعيين مراجع ” تحتذى” يأوي إليهم أمثالهم من المهيئين لتصريف الجهالة وتعليمها للناس لتدمير كل العوالم الخيرة …
أما البعض من المتطفلين على الشأن الثقافي والابداع بكل أشكاله وألوانه فقد عاثوا هم كذلك افسادا للذوق السليم وتطاولوا على المبدعين والمبدعات فتاتى لهم بسبب ذلك انزواء وتقصير اهل الميدان الفعليين الذين تجنبوا الاختلاط مع من يعكر المياه الصافية أو يوسخ العقول البريئة في انتظار أن تنجلي الامور ..التي لن تسفر للراي العام الا على الحقيقة التي عبر عنها احد الشعراء لما قال :…
(سوف ترى إذا انجلى الغبار … أفرسٌ تحتك أم حمار)
إننا نرى تراجعا كبيرا وخطيرا في الوعي والفهم تجاه كل مايمور ويحدث وتدنيا في مستوى التعليم والتاطير ..وانتشارا للافكار والمفاهيم المشوهة والمكذوبة …مع ما واكب ذلك لعقود من تحريف وتزوير للتاريخ الوطني وتطاول على صناعه وتجاهل لهم ولعطاءاتهم في مختلف المجالات وكذلك الميل إلى سياسات الاساءة والتجريح والتشكيك العدمي في تاريخ مناطق المغرب المعطاءة بدون شروط أو قيود أو أطماع ..
وفي علاقة بكل هذا الهجوم العلني والمتخفي وراء بعض” المنابر ” يعمد البعض الى توجيه الناس للارتباط بتاريخ وأشخاص ” معينين” و شعوب أخرى بعيدة كل البعد عن خصوصياتنا المغربية التي لايمكن تجاهلها أو محوها للذوبان في غيرها أو جعلها تابعة له ..
لقد فشل كل أعداء وخصوم المغرب في محو الحضارة المغربية وتغيير مضامينها عبر مئات القرون ..لكن مخاطر التحريف والتزوير والتطاول اصبحت حملاتهم من داخل الوطن تتنافس لتوفير شروط “انجاح ” التخريب الممنهج نيابة عن كل الاعداء كيفما كانت ملتهم أو توجههم خارج الوطن ..غايتهم أن يتحكموا بمعية غيرهم من مؤطريهم وملهميهم في شعبنا وجعله مستلبا ومهرولا نحو الارتزاق والولاءات المميتة للهوية الوطنية والملغية لتاريخنا العريق والمجيد والمشرق ..
ان الذي يجهل تاريخ وطنه ولا يتعرف على الرجال والنساء الذين قادوا وأبدعوا وعلموا واخترعوا وأطروا وأثروا في الفكر العالمي ..فوت على نفسه الشيئ الكثير الذي يساعده في الاستفادة من تجارب الشعب المغربي وكفاحه الرائع ..أما الذي يتجاهل التاريخ ويسعى لحجبه عن الناس فذلك في ضلال ..أما من يتعمد تزوير الحقائق التاريخية فقد تمادى في غيه وأضل وارتكب جريمة في حق الوطن والشعب ..
إن فترة من الاساءة والتزوير قد تخرب سنوات من العمل المنجز وتعطل لاعوام من أجل التصحيح واستئناف التطور الايجابي …إنه لا وقت عندنا لنضيعه ونحن نتفرج على هذا النزيف الممنهج الذي لاتفرح له إلا الخفافيش التي تعشق الظلام و الدماء …
لكل هؤلاء نقول من لم يتعظ بالتاريخ ومن دروسه فلا واعظ له ..
تارودانت : الاربعاء 02 مارس 2017.