(( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)) الاحزاب .
ان الامانة هي الالتزام بالمسؤولية وفق المطلوب الذي تقتضيه وتتحقق به غايات الناس العادلة والمشروعة والشريفة .. وهي المؤطرة ببنود واهداف التعاقد مع الحرص الشديد على رعايتها و حفظها باحترام تام للقواعد والمبادئ الانسانية والعقلية والشرعية …
وخيانتها تكون بعدم الوفاء او التقصير المتعمدين وحتى عن غير قصد مع تحمل مسؤوليات وتبعات و نتائج ذلك التي تطال سلبا اوضاعا اجتماعية وانسانية ومصادر العيش ومرتكزات الاستقرار…
فادارة امور الناس وتدبيرها في حاضرها ومستقبلها مسألة جد هامة ينجم عنها تحديد لمصيرهم في علاقة بمستوى عيشهم وعملهم ومعارفهم بغض النظر عن الدين او الجنس او اللغة او العرق …وليس كل من تحمل او كلف بتحمل مسؤولية ما في مستوى متطلبات الامانة ادراكا واداء ..وصل الى الحكم والسلطة والمسؤولية عن طريق السيطرة بالفوضى او صناديق الاقتراع ..وسواء كان مستقويا وراء اسم الشعب او اسم الرب ..
ومن المسؤولية عدم اطلاق الكلام على عواهنه ..ومنها عدم الاستخفاف بالناس ومستويات وعيهم …ومنها عدم الافراط في الانانية والغرور ..ومنها عدم اللجوء الى المساومة واثارة الفتن والتهديد بها …ومنها عدم استعمال الكلام ونقيضه ليصبح الكلام كالكذب والنفاق تجاه الفقراء بادعاء الدفاع عنهم وفي نفس الوقت اثقال كاهلهم بقرارات ذاث تاثير اقتصادي واجتماعي ونفسي والمساس بحرياتهم …
والامانة في علاقة بالمسؤولية …تقوم على ضرورة اداء الواجب على الوجه الامثل الذي يكون به العمل محققا للمصالح العقلية والشرعية مع الذاث والنفس ومع الجماعات والناس كافة ..وتقوم على مدى سلامة وصفاء النية …وعلى يقظة الوعي والضمير ايجابا برعاية الباطن وشحد العزيمة وبالحرص على ان لاينحرف العمل عن المقصود و ان يحقق المراد …
ومن الامانات الكبرى ان يكون الناس معنيون ومسؤولون على محيطهم الصغير والكبير المجتمع والدولة ببشرها وبيئتها وخيراتها ومحلوقاتها واكوانها ..باعتبار الجميع يتحمل مسؤولية عدم دفع المفسدة والمضرة والمناكر ..وفي هذا قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ”. (رواه مسلم)
فالساكت على الظلم والمستئانس والقابل به كفاعله والمتسبب فيه ..للظلم مظاهر واشكال مختلفة يعرفها الانسان في مجملها بفطرته ويعرف بعضها الاخر بخبرته وعلمه وقدرته على تحليل الافعال وتمييزها ان ظالمة ولو البست لباس التقوى والخير والحق الذي يخفي الباطل بكل تلاويينه …
ولقد جعل النبي (ص) لعدم احترام الامانة والمسؤولية ايات فقال” ايات المنافق ثلاث ..اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان “
فمن السهل على المسؤول التحايل على الناس وعلى النظام المجتمعي والسياسي والفكري باعمال التقية في الخطب والقرارات والممارسات والاختباء وراء الشعبويات بنسبة الخطا والافساد والجهل والتاخر والفشل لغيره .. ولكن من الصعب التحلل من ثقل المسؤولية التي هي الاطار المرجعي للمحاسبة ..
فالمسؤول وان كان شكلا مقدما على الناس ويجب احترامه وتقديره ومعاونته على نجاح مهمته فهذا لا يسمح له شرعا وعقلا ان يستغل مكانته ليتطاول على الناس ويسعى للتحكم فيهم واهدار وقتهم في القيل والقال والبحث عن العلل واثارة معارك فارغة في كل يوم وشهر مع هذا وضد ذاك ومع ذالك ضد هذا في الهاء مغرق في العبثية والهزل والشماتة …
ونختم بحقيقة المسؤولية بمختلف مراتبها… انها كما يقال ليست تشريفا بل هي تكليف عظيم وحامله ما هو الا اجير مستخدم عند الناس كانوا جماعة او شعبا او دولة لايجوز له ان يقدم لهم نفسه كانه ضرورة لامحيد عنها للفوز بخير الدارين وخاصة الاخرى وان من لم يتبعه فهو اما خائن ومنافق اوظالم لنفسه يستحق القمع و الزجر والترهيب لاخضاعه او اسكاته وتحييده ..ان المسؤولية والامانة تعاقد تضبطه الاعراف والقوانين والشريعة والاخلاق الرفيعة
فاذا انعدمت او تعرضت مقوماتها للتلاعب لايتحقق معها اي نظام .. كما ان المستأمن على حقوق الناس واغراضهم لايمكن ان يؤدي عمله كاملا الا كان منظما ورصينا ومتعقلا ومراعيا للخصوصيات والخلافات ولا يجوز فيه ان يكون صخابا ولعانا ومشعلا للفتن ولا متحيزا للعشيرة والاتباع ولا تتعدد ولاءاته فيضيع الولاء للوطن ..
فلينظر كل واحد الى المستامنين على حكومات بلدانهم هل ما التزمزا به وقدموه كبرامح ووعود للناس ليحظوا بجزء من اصواتهم عملوا من اجل تحقيقه وتطويره ورعاية مصالح الشعب وتحسين اوضاعهم …الخ ام ان الالتزامات مجرد لغو …
قال الرسول (ص) : “أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخره الصلاة” رواه الطبراني.