رحل عنا الزعيم السياسي الاستقلالي، المرحوم محمد بوستة، أحد رجالات الحركة الوطنية وواحد ممن صنعوا جزءا مضيئا من تاريخ النضال الديمقراطي، خاصة في تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب زعماء الكتلة الديمقراطية الآخرين، تاركا وراءه تراثا سياسيا، من المؤكد أنه سيشكل محطة هامة في تاريخ المغرب، تستحق الدراسة والتحليل.
مثل هذه الشخصيات من الضروري تتبع مسارها السياسي، لفهم فترة مهمة من تاريخ المغرب، لأنهم مخضرمون، عايشوا نضال الحركة الوطنية، في مواجهة الاستعمار، كما واصلوا المعركة الديمقراطية، من مختلف المرجعيات والمشارب، تفرقوا وتوحدوا، حسب الظروف، لكن رغم كل الاختلافات، ظلت هناك حركة وطنية ديمقراطية، قائمة بأفكارها وشخصياتها ومساراتها.
لقد ارتبط تطور الفكر الوطني المغربي، منذ بداية القرن، بالإشكال الديمقراطي، حيث قدمت النخبة الوطنية، للسلطان آنذاك، مشروع وثيقة دستورية، كصيغة تعاقدية، للمبايعة، غير أن الظروف الداخلية والخارجية، لم تسمح باكتمال هذا المشروع، لكن مع ذلك، ظلت المسألة الديمقراطية، حاضرة، بشكل واضح أحيانا، ومستتر، أحيانا أخرى، في مسار النضال الوطني.
بل أكثر من ذلك، لقد كانت التوجهات الرجعية، هي الأكثر مواجهة للحركة الوطنية، وارتبط بعضها بالاستعمار، مما فرض على هذه الحركة تجذير مواقفها باستمرار، على المستوى السياسي، بالإضافة إلى تبنيها لتيارات إيديولوجية، نهضوية، في صيغة السلفية المجددة، أوالاشتراكية أو الليبرالية، وهذا ما يفسر ارتباط الحركة الوطنية، بالمسألة الديمقراطية، عبر تنظيمات حزبية ونقابية وغيرها من أدوات الفعل السياسي والاجتماعي.
ورغم كل التطورات الحاصلة، والتحولات التي عرفها المغرب، منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن إشكالات الحركة الوطنية الديمقراطية، تكتسي راهنية حقيقية، في صيغ جديدة، بل يمكن القول إن هذه الإشكالات أصبحت أكثر راهنية، أكثر من أي وقت مضى، حيث إن السؤال الأكبر المطروح على المجتمع المغربي، هو إلى أي مدى يمكن التقدم في بناء الدولة الحديثة، دون أن يكون جوهرها وطنيا، يتبنى الفكر التحرري، في مواجهة مخططات الهيمنة الاستعمارية والتجزئة والتقسيم، وديمقراطي حداثي، يتبنى الفكر النهضوي، الذي عمل على تجديد المنظور للدين وللتراث، من منطلقات عقلانية، على المستوى الإيديولوجي، وليبرالي على المستوى السياسي والاجتماعي.
صحيح أن زعماء الحركة الوطنية، لم يكونوا ثوريين، ولم يكونوا من دعاة القطيعة، مثل بوستة وَعَبد الرحيم بوعبيد وعلي يعتة، لكنهم كانوا متشبعين بالفكر الديمقراطي، النهضوي، ضد الرجعية، وترجموا قناعاتهم ببراغماتية متميزة، أثبتت التطورات أنهم كانوا على صواب، في العديد من اجتهاداتهم.