قد يعتقد البعض ، أو يدعي ، أن أمر تأجيل تشكيل الحكومة تحكمه خصوصية ما مغلفة بموضوعية تسم راهنية المشهد السياسي المغربي ، وحتى بالاعتبار و التصريح بأحقية و أوولوية من توبأ مقاعد مجلس النواب عددا . و هناك من يسوق أن الأمر كله رهينة ” البلوكاج ” ، و البلوكاج لا يرقى إلى المفهوم السياسي و لا إلى المصطلح ولا إلى الموضوعية ، وهنا نتيه بين تبني الموقف الموضوعي و شبهة البروباغاندا ..
فعفوا أيها الإخوة في العدالة و التنمية ،و لا أقصد الطعن في المسار و لا في الموقف و لا في الجهد و لا في الشرعية ، و بعد ،
فأما بصدد الأغلبية و الإجماع الشعبي- كما يتم الادعاء و الزعم- فهو بعيد بعيد ، كما وعددا و نخبة ، وحتى نسب التصويت لا يمكن اختصارها في الأرقام و الأعداد التي صوتت لحزب العدالة و التنمية يوم 7 أكتوبر 2016 ، فالمليونين – تقريبا – لا يمكن اعتبارها إجماعا و لا أغلبية مطلقة في المغرب . و نسب التصويت لم تتجاوز حدود43 في المائة من الكتلة الناخبة … و أنتم تعلمون . فهل نرهن الوطن بهذا العدد ، وبهذه النسبة ؟
ثم ،- وبصدد ما يزعم أنه البلوكاج – ألم ترهن أغلبية الحكومة المنتهية ولايتها بزعامة العدالة و التنمية استمرارها في ولايتها الثانية سنة 2013 بحزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان منقذا لها بعد تمرد زعيم حزب الاستقلال آنذاك و خروجه إلى المعارضة من نسخة 2011 ؟
ثم ، ألم يتشبث حزب العدالة و التنمية بعزيز أخنوش منذ النسخة الأولى للحكومة ، حتى أن استوزراه تم ” كتيقنوقراطي” بعد أن تم استلاله من حزب التجمع الوطني للأحرار ؟
ثم ، ألم يتشبث حزب العدالة و التنمية بعد انتخابات 7 أكتوبر بحزب التجمع ؟
ثم ، ألا يمكن لحزب الأحرار و غيره من الأحزاب رفض التحالف مع حزب العدالة و التنمية ؟ و المؤشر هو التحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي من أجل انتخاب رئيس مجلس النواب ؟ و هو الأمر الذي صار واقعا شرعيا .
ثم ، ألا يعتبر حزب العدالة و التنمية أن مطلب حزب التجمع الوطني للأحرار، بضم حزب آخر إلى الأغلبية السابقة بمقاعده العشرين ، و برئاسته لمجلس النواب سيسهل بالضرورة من مهمة تدبير شأن الحكومة و مهماتها التنفيذية،و التي سيقودها حزب العدالة و التنمية في ظرفية دولية و إقليمية صعبة و متقلبة ؟
ثم ، ألا يعلم حزب العدالة و التنمية أن مطلبهم الأخير بتشكيل الحكومة بنفس الأحزاب المشكلة للأغلبية السابقة – العدالة و التنمية و التقدم و الاشتراكية و الحركة الشعبية و التجمع الوطني للأحرار – لا يشكل سوى أغلبية ضعيفة و هشة ب 203 من المقاعد، و لا تفصلها سوى 4 مقاعد على المعارضة ، مما يشكل تهديدا حقيقيا لمسارها و مشاريعها التنفيذية ؟
ثم ، ألا يعلم حزب العدالة و التنمية أن الرهان على حزب الاستقلال في المساندة حتى ، بمقاعده و قيادته لم يعد ممكنا بعد مغامرات زعيمه شباط ، وبعد أن تخلى عنه في النسخة الأولى من الحكومة السابقة ، كما تخلى عنه حزب العدالة و التنمية بعد تصريحاته الأخيرة حول موريتانيا ؟
ثم ، ألا يعلم حزب العدالة و التنمية أن إعادة الانتخابات لن تسمح له بتشكيل الأغلبية ، بحكم قانون و طريقة و قاعدة الانتخابات و التصويت المؤدية إلى البلقنة بالضرورة ، مع العلم أن إمكانية العزوف السياسي قد ترتفع و تتزايد بعد التردد الذي يعيشه المشهد السياسي في البلد ؟ …
لهذا كله ، فلن يجد حزب العدالة و التنمية ، من أجل تجاوز ” البلوكاج ” و المطب الذي سقط فيه ، غير ما يلي :
إما أن يقبل بشروط الأحزاب الممكن لها تشكيل أغلبية مريحة .
أو تشكيل حكومة أقلية – وهو شبه انتحار سياسي – .
أو استقالة رئيس الحكومة المكلف من التكليف بتشكيل الحكومة .
أو فليتحالف مع حزب الأصالة و المعاصرة ،- فعددا يمكن ضمان الأغلبية – لكي يصير الوضع السياسي في المغرب سورياليا ..
أو قد يتدخل الملك ، من موقعه الدستوري ، كي يجد مخرجا لحكومة لم يستطع حزب العدالة و التنمية إيجاد المفصل لتشكيلها .