لم تتراجع حوادث السير بالمغرب حسب إحصائيات السنة الماضية . ولم يتقلص عدد ضحاياها الذين أزهقت أرواحهم أو الذين أصيبوا بأعطاب جسدية ونفسية… مازالت الطرق ببلادنا مرتعا للموت ولإنتاج مآس إنسانية فظيعة. وهاهو اليوم الوطني للسلامة الطرقية يعود إلينا في نهاية الأسبوع وعلى جبينه أن سنة 2016 شهدت مقتل 3593 شخصا ودعناهم من خلال مايقرب من 82 ألف حادثة سير بحواضر وقرى المغرب.ولاتحصد الظاهرة الأرواح فحسب، وهي تكلفة إنسانية مرتفعة جدا ولن تعوض، لكن تترتب عنها أيضا تبعات اقتصادية وخيمة ، إذ فاتورتها تتجاوز 12 مليار درهم سنويا، وهو ما يمثل أكثر من 2.5 من الناتج الإجمالي المحلي.
هي حرب ضروس بكل ما في الكلمة من معنى، حرب يتساقط ضحاياها بين قتيل وجريح، تتزايد أعدادهم بشكل تصاعدي بالرغم من حملات الوقاية من حوادث السير، ومن بلاغات وبيانات المسؤولين التي تدعي أن إجراءات اتخذت وجهودا بذلت ومخططات وضعت …حرب تحصد الأرواح بالجملة وبالمفرق، وشهدنا في الآونة الأخيرة فظاعات رهيبة لحافلات النقل الجماعي كانت صورها مرعبة لاتطاق.
ومع أن حالة الطرق وشبكتها شهدت تطورا ملحوظا، وأن مدونة سير تم إثقالها بكل بأنواع الردع والزجر، وأن حالة استنفار وتأهب واستعداد لدى عناصرالأمن والدرك بالطرقات ،إلا أن حوادث السير ببلادنا جشعة في التهامها للأرواح وفي كلفتها الاجتماعية والاقتصادية . وهنا نؤكد من جديد كما سبق وأن أشرنا إليه أكثر من مرة أن ما يحدث لدليل قاطع على سياسة فاشلة ، وإجراءات محدودة، وتشريعات غير واعدة، وآليات ومؤسسات قاصرة .كما نجدد الإشارة إلى أن هناك لجنة وطنية للوقاية من حوادث السير قد أُحدثت،وهي تستفيد من مئات الملايين من الدراهم، لكن أنشطتها التحسيسية والتكوينية لا أثر تربويا لها ،اللهم إلا ما كان من أعمالها المختزلة في توزيع صامت للمطويات ، وتبذير زمنها في ملتقيات طرق المدن، ونصْب لوحات إشهار وملصقات مناسباتية ، وعقد ندوات استعراضية دون أن تستفيد من التجارب المميزة بالعالم . إنها-بكلمة واحدة- لجنة لاترسّخ تربية طرقية، ولا أبدا ثقافة سير لدى السائقين والمارّة على حد سواء. وهاهي قوافلها المنتشرة بمناسبة اليوم الوطني تشهد على أن هناك غيابا لكل استراتيجية وأن طابع البهرجة مازال سائدا تماما كما هو حال حوادث السير التي لم يتوقف نزيفها ولامآسيها…وحتى لا نحمل اللجنة ما لاطاقة لها به، نؤكد على أن عدة أطراف مسؤولة، كي تضع حرب الطرق أوزارها، وتودع الطرق روائح الدم والأشلاء.
إن المغرب مطالبٌ اليومَ بسَنّ استراتيجية شاملة وتعبئة وطنية حمايةً للأرواح ودرءا للتبعات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عن إزهاقها. فلم يعد من المقبول أن يحدث هذا الكم من حوادث السير، ويزهق هذا العدد من الأرواح.