افتتح، أمس، المعرض الدولي للكتاب، في الدارالبيضاء، ويمكن القول إنه أهم تظاهرة تنظم في المغرب، حول الكتاب، ومناسبة هامة للكتاب والناشرين والمثقفين، وعشرات الآلاف من المواطنين، الذين يزورون هذا المعرض، الذي يشكل حدثا ثقافيا كبيرا، بمختلف الفعاليات والأنشطة التي تنظم، بموازاة عرض الكتب وبيعها.
ما هو مثير في هذه التظاهرة الثقافية، هو المفارقة بين الإقبال الذي يحظى به، المعرض، ليس فقط، من طرف المواطنين، وخاصة الشباب، ومعدلات القراءة التي مازالت ضعيفة، مقارنة مع المعدلات العالمية، حيث كانت دراسة قامت بها المندوبية السامية للتخطيط، سنة 2014، أكدت أن المواطن المغربي، لا يخصص، يوميا، سوى دقيقتين، للقراءة مقابل ساعتين و14 دقيقة، يمضيها أمام التلفاز. ورغم أن هناك دراسات أخرى، تمت في سنة 2016، حول القراءة في العالم العربي، من طرف مؤسسات إماراتية، سارت إلى أن معدل القراءة بالنسبة للمغاربة، وصل إلى 9 دقائق، غير أنه مع ذلك يظل ضعيفا، لأن المعدل السنوي في الدول الغربية يصل إلى 27 دقيقة يوميا.
بالإضافة إلى هذا الضعف على المستوى الكمي، فإن هذه الدراسات كشفت أن أغلب الكتب التي تتم قراءتها، مرتبطة بالمسار الدراسي، أي أن القراءة من أجل التثقيف الذاتي، تظل محدودة جدا، يٓدُلّ على ذلك عدد المكتبات الخاصة، التي أغلقت أبوابها، في مختلف المدن المغربية، لتتحول إلى محلات تجارية للملابس أو المواد الغذائية، بينما كانت مزدهرة من قبل، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ولا يمكن الإدعاء بأن ظاهرة إغلاق المكتبات مرتبطة بانتشار الأنترنيت، لأنها بدأت في منتصف الثمانيات والتسعينات.
في الوقت الذي زاد فيه عدد السكان، في المغرب، وخاصة في الحواضر، تقلصت فضاءات عرض الكتب، إذ يمكن أن تجد أحياء، بحجم مدن، لا وجود لمكتبة واحدة فيها، سواء خاصة أو عمومية. كما أن آخر ما يفكر فيه أغلب المغاربة في توزيع الفضاءات في منازلهم، هو تخصيص مكان لمكتبة، ولو كان صغيرا.
هناك أزمة، لا يمكن إلا أن تكون مدعاة للقلق، ليس في المغرب، فقط، بل في البلدان العربية، التي تتبوأ مكانة متأخرة في العالم، في طبع ونشر الكتب، وفي الإنتاج المعرفي، وفي تقلص مساحات عرض الكتب، مما يفسر حالة التخلف التي توجد عليها.
ليست هناك سياسة عمومية ناجعة وشاملة، لتطوير المستوى الثقافي والمعرفي، لهذه الشعوب العربية، مما يفسر حالة الفقر المعرفي، وسيادة الدجل والخرافة، بين أوساط واسعة، وغياب الفكر النقدي، وأزمة العقلانية، خاصة وأن البديل الذي يقدم على الأنترنيت، لا يسعف كثيرا في تجاوز هذا الوضع، لأنه مليء بمواد التخلف والظلامية.