ثمة من يحاول الزٓجّ بالحياة السياسية، في متاهات الأساليب الرخيصة، لتصريف خلافاته مع الأحزاب الأخرى، بدل الحرص على الاحترام المتبادل، مهما كانت درجة الخصومة، لأن العمل في الشأن العام، يتطلب حدا أدنى من الأخلاقيات، وإلا ستسقط الممارسة السياسية والجدل الذي يرافقها عادة، في الانحطاط والسفالة.
مدعاة هذا القول، هو الأسلوب القديم، الذي يعرفه الجميع، والذي استعمله كل الفاشيين وسماسرة السياسة، بكراء مرتزقة، يلعبون أدوارا قذرة، لأنهم وُجِدوا من أجل ذلك، ولا تهمهم لا سمعتهم ولا شرف ضميرهم، بل ما يهمهم هو ماذا سيكسبون!
هذا ما يحصل اليوم، حيث لجأت أطراف سياسية إلى كراء خدمات مثل هؤلاء الأشخاص، للقيام بدور السب والقذف، بالوكالة، ضد أطراف سياسية أخرى، بسبب الخلاف حول الأغلبية الحكومية. وإذا كان الاختلاف في الرأي هو أصل السياسة، فإن الأحزاب الأربعة، التي رفضت مقترح رئيس الحكومة، المكلف، عبد الإله بنكيران، بخصوص الأغلبية الحكومية، لأن لها موقفا مختلفا، أصبحت توصف ب»القذارة» من طرف صحافة تكلفت برمي الآخرين بالأوساخ.
وإذا كنّا في صحافتنا نربأ بأنفسنا عن أن نـرُدّ مباشرة، على صحافة نعرف أنها مجرد وكالة، تـمّ اللجوء لخدماتها، فإننا نـوٓدّ أن نوجه الكلام إلى الذي يدفع لها، مقابل أن تٓسُبّ، بدلا عنه، الأحزاب السياسية التي تختلف معها، لأنها عاجزة عن مقارعة الحجة بالحجة.
فمن المعروف أن السب والقذف حجة الضعيف، إذ لا حجة له أصلا في اتهام أحزاب بأنها عرقلت تشكيل الحكومة، لأنها لم تولد لِتكون أداة طيّعة في يد أيّ كان، بل هي حرة في اختياراتها، كما هو الشأن بالنسبة لباقي الأحزاب.
غير أن ما يثير في منطق هؤلاء، هو أن رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيزأخنوش، الذي يُتّهٓمُ من طرف خصومه، بأنه يلعب دورا «قذرا»، إلى جانب الأحزاب الأخرى، هو نفسه مطلوب، بأن يلعب دور المُنقِذ، من أجل تشكيل الأغلبية الحكومية.
حقيقةً، إن عدم التحلي بحد أدنى من الأخلاقيات في السياسة والصحافة، يهدد كل المكتسبات التي حققتها القوى الوطنية الديمقراطية، بكفاحاتها وتضحياتها، من أجل التعددية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، لأن هناك من جاء في آخر ساعة، ليستفيد من هذه المكتسبات التي لم يناضل قَطّ من أجلها، ويفسد المشهد الصحافي والسياسي، بمحاولة إشاعة الرداءة والتضليل والكذب.