هل يمكن أن يستعيد الاتحاد المغاربي روح تأسيسه، وتدب في أوصاله دينامية جديدة لبلورة الأهداف التي انبثق من أجلها ؟؟ نعم مازال هناك بعض الأمل، الذي عبرعنه جلالة الملك في خطابه التاريخي أول أمس بقمة الاتحاد الافريقي : « وإذا لم نتحرك، أونأخذ العبرة من التجمعات الإفريقية المجاورة، فإن الاتحاد المغاربي سينحل، بسبب عجزه المزمن على الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدة مراكش التأسيسية، منذ 28 سنة خلت».
لقد أكد جلالته أن المغرب ظل يؤمن دائما، بأنه ينبغي، قبل كل شيء، أن يستمد قوته من الاندماج في فضائه المغاربي. «غير أنه من الواضح، أن شعلة اتحاد المغرب العربي قد انطفأت، في ظل غياب الإيمان بمصير مشترك» ، مسجلا جلالته أن «الحلم المغاربي، الذي ناضل من أجله جيل الرواد في الخمسينيات من القرن الماضي، يتعرض اليوم للخيانة».
اليوم، هذا الاتحاد، في مفترق الطرق الأخير، فإما أن تتوفر له شروط استمراره، أو تنطفئ شعلته نهائيا وتخمد جذْوته . ف»موته السريري» طال أمده لأكثرَ من عقدين، ولم تنفع المبادرات التي أعلنت عنها بلادنا في أن تعود الروح إلى أجهزته، وتجد الاتفاقيات المبرمة سبيلا للتنفيذ، وبالتالي يكون الاندماج المغاربي واقعا ملموسا لاعبارات في خطب .
بعد أسبوعين من اليوم، ستحل الذكرى ال 28 لتأسيس الاتحاد المغاربي، موعد أصبحت تتذكره فقط برقيات بروتوكولية، تدبج مضمونها بشعارات عامة لاعلاقة لها بالواقع.
الحقيقة أن الاتحاد، أوقفت قطارَه الجزائر، وبالتالي أجهضت أفقه، وشلت أجهزته، لأنها أغلقت الحدود بينها وبين المغرب منذ صيف سنة،1994 وأقفلت الإمكانية الرئيسية والأساسية للتواصل الإنساني والتجاري بين شعبين واقتصادين يمثلان أكثر من ثلثي هذا الفضاء المغاربي.
أغلقت الجزائر الحدود، ووضعت شروطا تتناقض ومبادئَ وأهدافَ تأسيس الاتحاد المغاربي ، وسعت إلى جعل المغرب مسؤولا عن مشاكلها الداخلية، وتعثر مسارات تنميتها … ونتيجة ذلك، ما أشار إليه جلالة الملك :» مما يبعث على الأسى، أن الاتحاد المغاربي يشكل اليوم، المنطقة الأقل اندماجا في القارة الإفريقية، إن لم يكن في العالم أجمع». وبلغة الأرقام أنه « في الوقت الذي تصل فيه المعاملات التجارية البينية إلى 10 في المِئة، بين بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، و19 في المِئة بين دول مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية، فإن تلك المبادلات تقل عن 3 في المِئة بين البلدان المغاربية».
إن الحلم المغاربي، أنتجته الروابط المشتركة بين بلدان المنطقة . وكان لشعوبها وقياداتها الحزبية وللنضال المشترك ضد الاستعمار القاعدة الصلبة لهذا الحلم، والذي يعد مؤتمر طنجة في أبريل 1958 أحد أهم محطاته . ها هو هذا الحلم يتعرض للخيانة من طرف الذين ربطوا إعادة إحيائه بشروط بها نفس عدائي للمغرب . المغرب الذي ضمن ديباجة دستوره، بأنه يؤكد ويلتزم ب” العمل على بناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي”.
إذن، هي الفرصة الأخيرة. وإذا لم يتم التحرك، فإن على»اتحاد المغرب العربي» الرحمة، ولترقد روحه إلى مثواه الأخير، وهي تحمل معها مرارة نظام سياسي، وظف إمكانياته، كي يضع ما أمكن من العراقيل، لإجهاض حلم، واجتثاث أمل.