قال الفيلسوف “كارل بوبر” (معرفتنا لا يمكن إلا أن تكون محدودة، أما جهلنا فغير محدود بطبيعته.)
إن آليات السطو و الاستيلاء على الوعي الجماهيري تسعى لبسط التحكم على مراكز القرار ومفاصل السلطة ومجالات عالم الاقتصاد والمال والحقل الديني وفضاءاته ومن ثم التشكيك في المعارف وتنفير الناس منها ليتحقق الانقياد والاتباع والخضوع والطاعة لمنتحلي صفة “اولياء الامور” ..فيحلون محل الوالدين والازواج والاسرة والدولة فيكونوا هم وحدهم من “يمثل” الله في الارض و”يتحدث” باسم أهل الارض في السماء ..فيرون شرعيتهم وأحقيتهم في أن يحبهم الناس كحب الانبياء والصالحين الذي يعتبر أمرا واجبا ظانين أنهم معنيون بما جاء في حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ . قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ ) .رواه البخاري ومسلم
وبما أنهم يمتهنون حرفة السطو في تجلياته السطحية المتسترة وراء الدين فعملهم وسياساتهم لاتطمئن إلا اذا تحقق التمكين المطلق وتنزيل “شرعهم” الذي إن خولف فقد باء صاحبه بالخسران هنا وهناك مما يستوجب التخلص منه عند بعض الغلاة باستباحة الدماء والاموال وهذا ما فعله أمثالهم في مختلف العصور عبر التاريخ بغض النظر عن الدين والمعتقد والقارات ..
إن سرقة الوعي واستغفال الناس والهائهم عن المسارات العملية التي تحقق مصالحم وتضمن حقوقهم وتبني مستقبلهم هي أخطر عمليات نصب تحصل في تاريخ البشرية ..فالدس وتحريف فهم الكتب السماوية وحشو سير وسنن الانبياء والمرسلين بما يعللون به توجهاتهم وأخطاءهم ويشرعنون “سطوهم “على كل شيئ .. مع سعيهم الحثيث للتشكيك في العلوم والمعارف الميسرة للفهم والدالة على الوعي المطلوب والمحصنة من الاستلاب والتبعية والتقليد الاعمى ..
إنّ كلّ من يزين ويدافع عن “أفكار ” وسياسات وقرارات تطال قدرات الناس وتضعف مستوى عيشهم وتحد من فرص العمل والانتاج ويزج بهم في فضاءات الكراهية وتكفير وتبديع الاخرين ويعتبر كل ذلك هو الاصلح والافضل للجميع ..إنما يقود الناس إلى متاهات يعطل فيها العقل حتى يرى الظلم والباطل وكأنهما منتهى العدل ..ويرى الفقر المدقع هو قمة التصوف والزهد والورع.. ويرى “التحكم بصيغه المتخلفة ” ابتلاء وجب تحمله والصبر عليه شرعا ..
إن السطو على الوعي يكون بقلب الحقائق واقبار التاريخ الفعلي المجيد مع سبق إصرار وترصد لاستبلاد الناس واستعبادهم وفرض الوصاية على مستقبلهم وإرادتهم والزامهم باختيارات لايرضونها ولاتستجيب لطموحاتهم ..
إن الباب نحو الغد الافضل ورد الاعتبار للعمل السياسي والحركة الثقافية المتنورة لايكون بتعطيل الافعال والمبادرات السليمة والايجابية.. ولا باختيار التفرج والحياد المفترى عليه الذي لايخدم إلا الظلام و يفتح الباب على مصراعية للسبات في مختلف الفصول لتعم الكوابيس والثقوب السوداء التي تبتلع كل الانوار التي نحن في حاجة إليها حتى نرى جميعا الحق حقا لنتمكن من فعله ونرى الشر شرا فنتجنبه ونبتعد عن سوء عواقبه ..
ونختم بقولتين للفيلسوف “كارل بوبر” .. “لقد حان الوقت لكي نتوقَّف عن تقمص دور الأنبياء بأن نعمل على تغيير أنفسنا. ” .
..و(لا يمكن أن يكون لحجة منطقية تأثيرٌ منطقيٌّ على من لا يريد أن يتبنى أسلوبا منطقيا.)
*تارودانت الاربعاء 08 فبراير 2017.