استهلال:

“يستطيع المرء،على أي حال، أن يقول، من أجل أن يكون مفارقا بعض الشيء، أن أحد مشكلات الإسلام اليوم تعود بالتحديد إلى واقع أن السياسة ليست مقدسة”[1]

قلما وجد محور أساسي خضع للجدل والمناقشة مثل الإسلام من جهة المعتقد والإيمان والرسالة والدين وكذلك في مستوى الثقافة والتراث والسياسة والتاريخ الاجتماعي للمسلمين. فالهجومات الإيديولوجية التي أثيرت حول العلاقة القائمة والممكنة بين الطرفين غير قليلة ومن مشارب متعددة وموجات الإنكار والذم بينهما لا تحصى ولا تعد فقد تجاوزت مستوى ادعاء التفوق والريادة إلى ممارسة الهيمنة والاستيلاء.

بيد أن الحوار الأكثر صخبا هو ذاك الذي انعقد بين الإسلام والغرب وتشكل مع الحضارة التي ارتكزت على الإغريق والرومان مع الاعتماد على اليهودية والمسيحية في نسخة دنيوية معلمنة وتناسي إسهامات المشرقيين في نحت ملامح الكونية وإجحاف في حق الإسلام وغض الطرف عن دور المسلمين في الحداثة.

ما يمكن ملاحظته هو وجود تداخل كبير وتشابك متواصل بين الإسلام والغرب منذ القدم إلى حد الساعة وذلك لانتشار الدين الإسلامي والعلوم العربية والثقافة الشرقية داخل الفضاء الجغرافي والسياسي لأوروبا واختراق الثقافة الغربية عن طريق تعدد البعثات التبشيرية والنخب الجامعية والحملات العسكرية والغزو الاقتصادي والاستعمار السياسي والاجتياح الحضاري التي أنتج التبعية والموالاة باسم الأمان والانتداب.

لم يتغير هذا المعطى التاريخي كثيرا بعد إحراز أو افتكاك العديد من الدول الشرقية الاستقلال ونهاية الحقبة الكولونيالية وظهور الدولة الوطنية داخل المناطق العربية والإسلامية المحررة وإنما أضحت النقائص والعيوب وحامت الشكوك حول ضياع الاستقلال التام وهشاشة السيادة الوطنية وصلابة الحدود التي وضعها الاستعمار واستحال تحقيق الوحدة بين أبناء الشعب الواحد وتضاربت المصالح والمواقع. لقد تحول الموروث الغربي في الدول الإسلامية والعربية التي استعمرت في السابق إلى عائق كبير يمنعها من التقدم والتنمية ويحول دون تعويلها على ذاتها في بناء مقومات الدولة الحديثة وعصرنة المجتمع المدني.

كما أصيبت الدول الغربية بالخوف الشديد من الإسلام والعرب والشرقيين وذلك بسبب عودة الديني بقوة داخل الشباب الحائر في أوروبا وأمريكا الشمالية وتزايد أعداد المهاجرين بطريقة قانونية وغير شرعية وما رافق ذلك من خلل ديموغرافي وتفاوت في مستوى الهرم السكاني وتعاظم أعباء المطالبة بالحقوق.

فما هو الإسلام؟ وما الداعي إلى دراسته في علاقة بالغرب؟ وما هي الحضارة الغربية التي ندرسها؟ وما هو الإسلام من منظور غربي؟ وكيف يتعامل الشرقيون مع القارة العجوز والعالم الجديد؟ لماذا يحلم الناس في ديار العروبة والإسلام والشرق في العموم برغد العيش والجنة الموعودة في مدن الغرب؟ وهل ساهم الدين الإسلامي في التعبئة ضد الحضارة الغربية؟ وبأي معنى تشكلت علاقة توتر وسوء فهم بين العرب والعجم؟ وهل كان لعلم الاستشراق دورا في تشكيل صورة خاطئة عن حضارة العرب والمسلمون؟ ما سبب تخلف المسلمين وتقدم الغرب؟ إلى أي مدى يتحمل الغرب مسؤولية تأخر الشرقيين وانحطاطهم؟ وهل يقدر غير الغربيين على التفكير العقلاني والإبداع التقني والتحضر الإنسي؟ متى تتخلص أوروبا من عقد التفوق الثقافي والتمركز العرقي والاستثناء التاريخي؟ وألا يجب على العرب أن يغيروا المحاور وينتقلوا من زمن الاستشراق إلى تجربة الاستغراب؟

إذا ما أراد المرء معالجة هذه الإشكاليات وفق مقاربة فلسفية تشريحية فحري به أن يقسم المبحث إلى ثلاثة لحظات منطقية:

– اللحظة المنطقية الأولى: دراسة نظرة الغرب إلى الإسلام وتبعات ذلك على الوعي الحضاري الخاص بهم وتأثير ذلك على وجودهم في العالم على مستوى أنظمتهم المعرفية والسياسية.

– اللحظة المنطقية الثانية: التعرف على بعض المقاربات النقدية للذات من داخل الحضارة الغربية وقدرتها على تشريح الجسد الأوروبي وإبرازها للمزالق والأحكام المسبقة تجاه الثقافة الشرقية.

– اللحظة المنطقية الثالثة: التصميم على التمثيل الذاتي التاريخي للأمة بتفادي الصراع بين المتحضر والهمجي والتوقف عن البحث في الأماكن الخاطئة وخوض مواجهة ما بعد كولونيالية.

ما نضعه على محك النظر وميزان العمل هو تخليص النحن من الفوات الحضاري والتبعية الثقافية للغرب والتعويل على الرأسمال الرمزي للأمة في بناء تجربة ارتقاء ذاتية تكون قادرة على صناعة الكونية.

1- الإسلام من منظور غربي:

“لا تستطيع الثورة من حيث هي تنمية إلا أن تكون تواريخ محاكية للثورة في الغرب”[2]

ينظر الغرب إلى العرب على أنهم في وضع يتسم بالاضطراب والفوضى وتغيب عنه السلطة المركزية والنظام والاستقرار ويصورهم بأنهم في حالة تشذرم وانقسام وصراع داخلي وفتن محلية لا تنتهي ولا يمكنهم بالتالي أن يتوحدوا وأن يتفقوا وأن يعول عليهم في فرض السلام العالمي والتبادل الاقتصادي.

لقد تعامل الغرب مع ثقافته ومجتمعاته على أنه إمبراطورية العمل والثروة والقوة واحترام القانون ويصنع من نفسه ما يريد ويحقق المعجزات ويقهر المستحيل ويحول المعرفة إلى سلطة ويمنح الحرية والربح والسعادة إلى الجميع وبهذا المعنى تصور نفسه انه بلا نظير في الكون ويقود قاطرة الإنسانية نحو التقدم.

ينبني تاريخ التفوق الذي ظل يسكن العقل الغربي تجاه الآخرين على التمثل الذي عبر عنه جمال الدين الأفغاني بأن “أفضل وسيلة بأن نقنع الغربيين بالإسلام هي أن نقنعهم أولا بأننا لسنا مسلمين كما ينبغي”.

لقد صنع الغرب لنفسه أولوية وتفوق وسيادة بالمقارنة مع الحضارات الأخرى وتمركز على ذاته واعتبر الشعوب والثقافات المودة خارج الفضاء الجغرافي الخاص بمثابة الآخرين والأغيار والغرباء و’البرابرة’. لقد احتكر الغرب العلم والعقلانية لنفسه واعتبر الحكمة التي يحوز عليها هي النموذج الذي يجب الاحتذاء به وأضاف إلى ذلك التجريب والتقنية والرقميات والذكاء الاصطناعي ومجتمع المعرفة وحضارة الآلة.

أما العرب فقد تم التعامل معهم بوصفهم حضارة شعر وخيال وتصوف واعتقاد وتقاليد ووقع النظر إليهم على أساس الانفعال والعاطفة والرغبة وبقي العالم يذكرهم بالحقبة التي سبقت الحداثة والتي ترمز للقرون الوسطى والتأخر والتخلف والتبعية والعطالة وذلك لانشدادهم للماضي وتأبيد الحروب الدينية في ديارهم.

لقد تم الربط في دائرة الناطقين بلغة الضاد والمنتمين لحضارة اقرأ بين الملة والدين وبين الهوية والعنف ووقع اعتبار الإرهاب والإسلام صنوين ونُظِر إلى المسلم على أنه في خلاف مع العالم ويتبنى دائما نظرة صدامية مع الأديان الأخرى وعُومِل الإسلام على أنه الدين الداعي إلى العنف والقتل والكره بين الشعوب.

كما عُدَّ الإسلام أحد المعتقدات غير الناضجة التي تشجع على التعصب والانغلاق والعزلة والانسلاخ واستدل على ذلك بالتسبب بالخلاف والشقاق بين المجموعات والأفراد وغرابة الأفكار وتباعد الرؤى وتكاثر عدد المسلمين الذين يحوزون على أنظمة هوية متنافسة ويبدون خلافات جذرية مع منطق العالم.

لقد تعرض الإسلام إلى التصنيف الحضاري والتحريف الحربي وأضيفت إليه رؤية قتالية مصطنعة ووصف المعتنق له بالاندفاع الأخرق والخطر الداهم وتشكلت صورة خاطئة وموجهة عن عوالمه. ما يمكن المراهنة عليه من خلال هذا المبحث ليس فقط تبديد بعض المخاوف والشكوك من الإسلام والمسلمين لدى الدوائر الغربية ورفع حالة الحصار والانعزال والتقوقع المضروبة على الإسلام وإنما تصحيح التصورات الخاطئة عنه وإزالة الفهم المشوه لتعاليمه والإيمان بضرورة الحوار بين الغرب والشرق وبين الإسلام من جهة وبقية الأديان من جهة أخرى وفعالية مشاركة المسلمين في الكونية.

ربما الأسباب التي تنبني عليها هذه النظرة المتحاملة هي عديدة ويمكن أن ذكر بعض النقاط منها: فالعرب لم يبرحوا وضع البداوة ولم يصلوا إلى حالة الحضارة وظلوا مجرد أعراب يفضلون البادية على حياة المدينة والتحضر وتفشت عندهم عقلية التآمر والدسيسة والانقلاب والتوريث والتسلط والاستبداد والتغلب.

لقد استباح العرب الإمبراطوريات المجاورة لهم بالقوة واستولوا عليها بالسلاح وكونوا مجد إمبراطوريتهم بالاعتماد على البطش والاستيلاء والغلبة وثبتوا العداوة بين الدين الإسلامي والعالم وبين الشرق والغرب.

لقد ترتب عن هذه النظرة الاستشراقية استعمار الدول الغربية للعالم العربي والإسلامي وجرى تقسيم دوله الكبرى ومناطقه الإستراتيجية إلى كيانات ضعيفة ودويلات عاجزة ونهب خيراته ونقل ثرواته بالمجان. لقد أدى ذلك إلى ضياع المجد والسؤدد والازدهار وتعاقب المصائب والنكبات على المجتمعات العربية وتكاثرت الحروب المروعة والجرائم الجماعية وتزايدت أعداد اللاجئين والفارين من النزعات الدموية وتمت معاملتهم بوصفهم رهائن الامبريالية وطبقة العبيد الجديدة للدوائر الاستعمارية ووقع تحميلهم كل العنف والشر والإرهاب والتعصب والدموية التي تعصف بالبشرية وتهدد مصير الحضارة على الكوكب.

لقد شاع بين المفكرين الترابط الوثيق بين الدين والسياسة بالنسبة إلى الشرقيين وبهذا سقطوا في تفسير القرآن بكونه يخلط بين أمور الدنيا وشؤون الآخرة وبين مجالات الدولة ومجالات المقدس واعتمدوا على المبدأ التفسيري الذي يرى بأنه أي كان يمكن أن يقول إي شيء عن القرآن فهو حمال أوجه وقابل للتأويل.

لقد ترتب عن ذلك القول بأن الإسلام لا يتماشى مع العلمانية والديمقراطية وأن القرآن مسؤول عن العنف الذي يبدو عليه الإسلام والمسلمين والاضطهاد المسلط على المرأة والمكانة الدونية في المجتمع والدولة. كما تم الخلط بين العروبة والإسلام وصار كل مسلم عربيا بالانتماء الديني وكل عربي مسلما بالانتماء اللغوي ووقع استبعاد أهل الملل والطوائف الأخرى من المشاركة في المواطنة وأدرجوا ضمن أهل الذمة.

لقد أصاب الخلل السياسية العربية واستوطن الفساد في الأنظمة التابعة لها وتشكلت بنية قمعية في المجتمعات وصارت الشعوب تعيش على الاستهلاك والاستيراد والاقتراض وتحولت الصحراء إلى مكان للتهريب والسمسرة وأضحت الاقتصاديات في تبعية للشركات الأجنبية وباتت الثقافة العربية مخترقة وفقيرة وانقلب ربيع الشعوب التائقة إلى الحرية والكرامة إلى خريف الدول الفارضة للأمن بقوة العسكر.

لقد تم التعامل بتهميش وازدراء مع الإسلام الذي تشكل في الغرب من خلال الجالية المسلمة التي قدمت من إفريقيا وآسيا باحثة عن الحياة الكريمة والحرية الإنسانية وتم كذلك الاعتداء على الرأسمال الرمزي للأمة من خلال الجالية الغربية التي استوطنت في البلدان العربية والإسلامية باحثة عن المصلحة والنفوذ.

لقد أثر التغريب على الوعي الحضاري للمسلم وظلت الثقافة العربية مجرد أنساق محطمة وجافة وتابعة وتكونت نخب موالية للدول الغربية وتحالفت مع نخبها في عملية جلد الذات والتبشير بالنهايات والعدمية.

لقد تبين بالواضح أن أشرس أعداء الإسلام ليس الغرب ونخبه المسيطرة على العلوم والثقافة والعقول فقط بل المسلمين الذين يقدسون الجهل ويتعصبون لدينهم ويحنون إلى الماضي التليد ويريدون استنساخهم ويشوهون الإسلام ويهلكون بلدانهم ويدمرون الحضارة أينما ذهبوا ويقدمون صورة منفرة عن هويتهم الثقافية ويجعلون بقية شعوب العالم تظن أنها هويتهم الحقيقية ويكررون نفس الأخطاء ويلفون في الفراغ.

في حين يتسم المسلم الحقيقي بالتسامح ولا يحصر نطاق انتمائه إلى دين معين والإسلام هو دين سلام ويتوقف عن استخدام مصطلحات سياسية في تصنيف المجتمعات ويدعو إلى التعارف والتعاون والتآزر.

بهذا المعنى يتضمن الإسلام رؤية تحررية تجمع بين المادية والمثالية وبين الدنيوية والأخروية مفتوحة على التطلعات البشرية وتعترف بالطفرات والتطور وأشكال التجديد التي يحملها التاريخ البشري تكون عامرة بالقيم الإنسانية النبيلة وتتخطى حدود القومية نحو تصور عالمي للحرية وكتبت بلغة كونية للمحبة. “وسط هذا الانتشار الواسع للإسلام الأصولي بفعل تركيز المستشرقين والقوى السياسية الغربية والذي يسمى أحيانا الإسلام السلفي أو الإسلام النصي… يبرز الإسلام المستنير كإسلام مغاير، يدعو إلى الحوار الوطني وبناء الجسور بين التيارات المتنازعة وبدأ الحوار بين الدولة وخصومها بدلا من الاستقطاب…”[3] لكن كيف وقعت الثقافة لدينا في قبضة نظرية حيلة العقل ومكر التاريخ الهيجلية وصار التفكير ضد العقل الغربي هو تفكير معه ومن أجله؟ وما هي الأسرار الخفية التي حولت الحضارة الغربية إلى أسطورة تروي العبقرية والتفوق وترفق ألوية التحدي والانتصار في معركتها من أجل الأنسنة والأرضنة والعلمنة؟

2- أسطورة الغرب والخصائص المتناقضة:

“لقد اتضح معالم الهمجية واحتد طابعها في ارتباط مع الحضارة… لا توجد علامة من علامات الحضارة أو فعلا من أفعالها لا يعتبر في الوقت نفسه فعلا همجيا”[4]

لقد ساهم العرب والمسلمون في أسطرة الغرب[5] وتقديمه في صورة مهيبة وجليلة وذلك بأن اعتبروا أوروبا ظاهرة استثنائية على صعيد قوة الثقافة والعلوم والتقنيات والتطور الصناعي والتقدم الاقتصادي وحرصوا على الاحتذاء بنموذجها الحضاري وحاولوا اللحاق بركبها وبخلاف ذلك وضعوا أنفسهم في مقابلة معها ونسبوا إلى أنفسهم مرتبة دنيا من التخلف وحددوا مقصدهم باللحاق بمركب الغرب المتقدم.

لقد جعلت أوروبا من تاريخها هو تاريخ العالم بأسره واعتمد الغرب على مبدأ القوة وعلى الانتشارات العسكرية في تنظيم العلاقات الدولية ونادى بنقاوة الأصول الإغريقية والرومانية وبالعودة إلى الجذور واختار بعناية فائقة لحظاته التأسيسية الكبرى وبحث عن الأعجوبة الغربية في اعتناق المسيحية وفي الارتداد عنها وأشاد بالعبقرية الإثنية في الجنس الآري وارتقي بالحملات الصليبية والحروب الأهلية والدينية والقومية إلى مصاف الأسطورة ومنحها مترتبة العالمية وقام بترسيخها في الذاكرة الجماعية واحتاج إلى إنتاج عدو مرهب من أجل دوام حياة أسطورة التفوق وبلور جملة من الأفكار الطوباوية مثل التقدم والفردانية تشجع على الاستكشاف والاستعمار وتمجد البرجوازية الرأسمالية وحرية اقتصاد السوق وراهن على أن تكون الحداثة وما بعدها مستقبل العالم وعلى أن تمثل الدولة الليبرالية الديمقراطية وجهة البشرية وادعى أن الثقافة الغربية حاضنة مولدة للتاريخ الكوني ومنتجة المعرفة المطلقة والفكرة الشاملة.

في هذا السياق يمكن التأكيد بأنه “إذا كان الله قد خاطب الشرق بلغة أنبيائه الكبار، فإنه خاطب بالتأكيد الغرب أيضا، من خلال الجمال الذي بثه في كل من باخ ورامو وهيدن وبيتهوفن وشوبرت وشموامان وشوبات، الذين عملوا جميعهم على إسماعنا لغات الفردوس، وليست أصوات الغبطة الروحية الجسدية، ولكن، قبل كل شيء، الجمال الذي بعثه في موزارت منذ نعومة أظافره”.[6]

بيد أن المتأمل في المسألة بعيون تفكيكية ينتبه إلى الطابع الأيديولوجي لهذه الأسطورة الغربية ويكشف عن العديد من المزاعم والتحريفات للتاريخ والأفكار وذلك لوجود اعتراضات أوروبية على البيان الآري نفسه وبروز تناقضات في مستوى اختيار الأحداث التأسيسية وفي رؤى العالم من وجهة نظر غربية والتباسات في مفهوم الحضارة الغربية وفي علاقة المعرفة بالسلطة والانتباه إلى الأدوار المنسية التي لعبتها الثقافات والشعوب المجاورة في تركيز سيرورة التحضر والتمدين في مجال المتوسط والأطلسي.

لقد عاشت أوروبا العديد من الهزات وشهد جسدها الكثير من التمزقات وبان بالكاشف أن وحدة الغرب مجرد أسطورة وأن النجاح الاقتصادي والتقني كان نتيجة الهجرات وإخصابها بتلاقحها مع أغيارها. لقد تزايد القرف من الحضارة الغربية وظهور بوادر شيخوختها الروحية بعد صعود النظرية المادية ورواج الأنثربولوجيا العنصرية وانتصار أنصار المحافظة على البقاء والريادة على أنصار مواصلة التحديث والسير إلى الأمام وتنامي النظم الشمولية مثل النازية والفاشية والستالينية وتعثر وضعها في السياق التاريخي وتصدير الاضطرابات والأزمات إلى الخارج وترتب عن ذلك تفجر عالمي وإلحاد منهجي. لكن “حينما لم تعد ثمة آلهة ويبقى الناس لوحدهم، تذوب الإنسانية وتصاب بدوار الترددات المعممة”[7]

لقد حدثت أزمة في إيديولوجيا التنوير ووقعت الحداثة في هذيان معاداة الأجانب والحنين إلى رد القديم واتضح أن التخلف الحضاري هو إنتاج محلي وأن الصدام بين الحضارات هو توتر في رؤى العالم وأن التفاوت بين دول المركز ودول الأطراف يفضي إلى انعدام السلم الأهلي واستحالة إقامة السلام الدائم بين الشعوب وبان أن عقيدة التقدم تلفظ أنفاسها الخيرة بانتصار التيار المحافظ وتمزق النخب وشرعنة العنف.

“إذا كانت النزعة الإنسانية تفرض احترام جميع الكائنات الإنسانية مهما كان جنسها وعرقها وثقافتها وأمتها وتبدو مقبولة بالمقارنة مع جميع الناس، فإن الغرب الأوروبي كان قد جعلها تقتصر على المنتسبين إليه، معتبرا أن الشعوب الأخرى كانت متخلفة تعيش وفق مواصفات العهود السحيقة، أي بدائية”.[8]

غير أن انتصار الثقافة الغربية هو أمر في طور التراجع وأن تقدم أوروبا هو أسطورة أكثر منه واقع وإن التكوين العسكري للغرب هو الذي يجعل عالم القرن الواحد والعشرون من صنع تاريخ أوروبا المتخيل وأن المشكلة تعود إلى منابت الغرب ذاته والى حقيقة التشرذم في داخله والتنمية غير المتوازنة بين دوله.

تتمثل الخصائص المتناقضة للإنسان الغربي في قدرته على التفكير العقلاني والإنتاج الصناعي من ناحية وفي ارتكابه أبشع الانتهاكات وقدرته على الهذيان والحمق واللعب ومن جهة ثانية، وتكمن همجيته في الإفراط في الاستهلاك والإنفاق والتبذير والمغالاة في الحقد والكراهية والازدراء واللامبالاة تجاه الإنسان.

كما أن تاريخ المجتمعات الكبرى هو تاريخ الحروب وبالتالي فإن همجية الحروب لا تنفصل عن تكوين الإمبراطوريات الأوروبية بل إن الأفعال الهمجية (التمييز والغزو) ساهمت في تشكل الحضارة الغربية. علاوة على ذلك برزت همجية دينية بسبب تعدد المعتقدات والحروب بين الآلهة في مستوى تصورات الشعوب للمقدس وتوظيف الإيمان في الصراع السياسي بين الطوائف والملل واشتعال الحروب الدينية وانجرافها نحو ممارسة التطهير الديني ونصب محاكم التفتيش والتطهير العرقي وتنقية الجنس الآري.

في الواقع “ما نشهده اليوم هو طموح إمبراطوري لا يقوم على فكرة أو مثال أو حتى مخيلة ما، تتناغم مع هذا الطموح أو توجهه، والنتيجة هي إمبراطورية زائفة تقوم على قوة غاشمة محضة”.[9]

لقد تعاظمت همجية الغزو الحربي في ظل تشكل مفهوم الأمة وممارسة الدول سياسة التطهير الإثني وتوجهها نحو التمركز والاستيلاء على العالم وتحولت إلى همجية استعمارية متصفة بقسوة مفرطة وقامت بالتصفية التدريجية للمجتمعات الصغيرة وانتهجت سياسة تدمير للبشرية التقليدية وإبادة جماعية للقوميات. بعد ذلك ظهرت أشكال جديدة من الهمجية الأوروبية متمثلة في الأنظمة الشمولية وفي العولمة الاقتصادية والثقافة الآمرة وامتلكت قدرات تدميرية هائلة للنسيج الاجتماعي والبيئي وأفضت إلى ارتكاب انتهاكات. كما يمكن تخليص أشكال الهمجية التي أصيب بها الغرب في آفات الاستعباد والاستعمار والتطهير الديني والعنصرية العرقية والنزعة الشمولية وقد أدى هذا الأمر إلى ارتباط فكرة أوروبا بالتسلط والهمجية.

والحق أن الغرب يستمد قوته المستقبلية من مورثاته المعقدة وأساطيره التأسيسية ومواصلته في سردياته التحديثية هو الذي قد يقوده إلى هلاكه وانتشار أشكال جديد من الإرهاب والحروب الكوكبية ولا يمكن تفادي الكارثة إلا بتحرير تاريخ الغرب من شوائبه والاستفادة من المراجعة التحذيرية للذات التي لم تنقطع عن الظهور ووقف إنتاج بيئة مولدة للعقيدة الصهيونية ومعالجة أسباب تدهور الفضاء الذهني.

إن التحليل المتبصر للعلاقة بين الشرق والغرب وبين العالم وأوروبا يسمح بإزالة الحواجز أمام الفكر من أجل العثور على علامات ترشد على الأسئلة التالية التالي: إلى أين تمضي الحضارة الغربية بالبشرية؟ إذا كانت بإمكاننا ومن الواجب علينا مقاومة الهمجية، بل ومحاولة كبتها، كيف سيمكن ذلك وهي مكون للحضارة من المستحيل التخلص منه؟ ليست الهمجية مجرد عنصر يرافق الحضارة، وانما هي جزء لا يتجرأ منها، فالحضارة تولد من الهمجية وبالخصوص انطلاقا من الغزو والسيطرة”.[10]

على هذا النحو تتمثل الشروط الممكنة التي يجب أن تتوفر في سبيل تجاوز المخاطر المتأتية من الهمجيات الحديثة التي تعصف بالبشرية في تطوير وعي عالمي قادر على إنتاج ترياق واق من الهمجية والانحطاط والعمل على تجديد الديمقراطية الإنسانية وبعث الحياة فيها بشكل دائم وإكسابها مناعة ذاتية. بهذا المعنى “إن التفكير في الهمجية يعني المساهمة في إحياء الإنسية، وان إحياء الإنسية يعني مقاومة الهمجية”،[11] فكيف مثلت الثقافة التنويرية والنزعات الإنسانية ترياقات مانعة ومضادات واقية من الوقوع في الهمجية؟

3- الذهاب إلى ما وراء ثنائية الشرق والغرب:

“لم تعد هذه الثنائية (شرق– غرب) مجرد توصيف جغرافي بعد الآن، إنها موضوعاتية، معرفية ونظرية”[12]

تتنزل معظم الدراسات الحضارية حول علاقة الشرق بالغرب ضمن دراسات التابع التي ينتجها مثقفي المنفى ومن حاكاهم من الشرقيين أو علماء الاستشراق ومن تأثر بمقارباتهم من الأساتذة والمثقفين. بيد أن مثل هذه الدراسات هي معرفة بلا جدوى ومعلومات بلا تأثير وذلك لوقوع التابع في الجدب الحضاري وظهور أزمة إبداعية لدى المستلب ناتجة عن ترابط المعرفة والرغبة والقوة في زمن الإرهاب المعولم.

بناء على ذلك تقتضي عملية التحرر التام من التبعية بالنسبة للعرب والمسلمين الكف عن محاور الغرب باعتباره القوة الوحيدة المهيمنة على العالم ويلزم اللحاق بركبها بالعمل على محاكاة نماذجها التحديثية.

“لا وجود للغرب بعد الآن، لقد انتهى بسقوط جدار برلين ومع نهاية الغرب انتهى خصومه المزدوجون ولا سيما الشرق وتبدد الجميع في صيغة عالم بلا ملامح. لم يعد مصطلح الغرب في مواجهة البقية مجديا لوصف فاعلية عالمية على مستوى القاعدة أو الثقافات، دائمة الإنتاج بما يعزز شرعية حضورها”.[13]

من جهة ثانية يفترض إنهاء التعامل مع الخطاب الاستشراقي لما سببه من اغتراب هوياتي واعتماد على المتخيل والرغبة وتلاعبه بالتاريخ وإهماله للواقع وتوظيفه من طرف الآلة الاستحواذية الغربية، ويمكن التوجه إلى إنتاج خطاب مضاد يدور ضمن علم الاستغراب يحول أوروبا ومشتقاتها من ذات عارفة إلى موضوع للمعرفة ويعمل على غرس عضوانية جديدة تكون قادرة على التمثيل الذاتي التاريخي للإسلام.

“تكشف إذ ذاك عن التابع الصامت، ليس كحقيقة فريدة منقطعة النظير، بل كاختناق مفتعل في جوهر ما بعد الحداثة التي لا زالت تحمل في طياتها المساحات العاتمة الكولونيالية ذاتها المتكاملة مع الحداثة”.[14]

من الضرورات الأخلاقية لعصرنا أن يكف العرب والمسلمين عن تغيير جلدتهم لكي يصيروا متحضرين وأن يسقطوا من أذهانهم أنظمة المعرفة الأوروبية بوصفها منطق التفكير وأن يبتعدوا عن اعتبار تاريخ الغرب بوصفه تاريخ العالم وأن يعيدوا كتابة سرديتهم الحضارية بعيدا عن السردية التي يقدمها الغرب.

الواجب الأخلاقي الجديد لا يتوجه نحو إبادة العنصرية والعزف على أنشودة التدخل الإنساني وإنما ينادي بالكف عن شيطنة المسلمين وممارسة سياسة الحداد تجاه الغطرسة والعنف وتوسيع دوائر التضامن الجديد وترك العرب ينظرون في تدبير وجودهم الذاتي بأنفسهم دون أي وصاية وبلا مؤامرات وفتن ودسائس.

لقد تغير الشرق الى الأبد بفضل نقلة إيمانية ويقظة روحية وظهر جيل جديد من المقاومين خارج اليسار واليمين وحدث تحول معرفي وثورة فلسفية على الأنماط والكليشيهات رفض ظاهرة سلعنة الديمقراطية.

“ولكن هذه الشمولية لم تعد موجودة أبدا. والناس من كل المناخات والقارات يتحركون – بحرية- تجاه ادعاء عالميتهم الدنيوية الخاصة، ومعها القدرة الفطرية على التفكير خارج زنانزين النزعة الأوروبية”.[15]

لقد انتهى كابوس التبعية وذهبت مرحلة مواجهة الاستعمار وبان بالكاشف أن الوسط القديم لا يمكن أن يستمر وأن أشكال من التمرد قامت لكي ترسم جغرافيا جديدة ضاربة عرض الحائط الزوج المفهومي الشرق- الغرب أو أوروبا– الإسلام وتستعيد الفضاء العام وتقودها حماسة ثورية ضد سياسة اليأس.

لقد تم انتزاع الإسلام من الغرب ليتم إعادته إلى المسلمين وتم حماية الثقافة الغربية من تعصب اللائكيين ووقع الكشف عن الآخر المجهول ورفع الحذاء في وجه القوة الغاشمة تنديدا بمذابح الأبرياء وبدأت متابعة للمتسببين في إزهاق أرواح الأبرياء المقدسين وصار التنبيه على مصادر الخطر مشغل التفكير المبدئي.

كما أن “الإسلام بشكل خاص، كديانة، لا يلغي الاختيار المسؤول للمسلمين في كثير من مجالات الحياة”[16]

لكن هل بمقدور التابع أن يتكلم الآن دون المرور إلى الأفعال الهمجية؟ وكيف يتخلص من الإعاقة القسرية وحالة الاغتراب التي فرضها عليه الخنق الكولونيالي؟ والى أي مدى يمكن للعرب أن يعبروا عن أنفسهم دون أن يطلبوا رخصة في الحديث ودون أن يتكرم الغرب عليهم ويمنحهم فرصة تاريخية للحاق الركب؟

خاتمة:

“تحتاج الإنسانية إلى مجموعة جديدة، من الحالمين لتشكيل أسمى طموحاتهم. الحقائق الأساسية على الأرض – التي تمثل المنارة لهؤلاء الحالمين– هي المعذبون في الأرض، هي الملايين من البشر الذين يجوبون العالم بحثا عن الضروريات الأساسية، للحياة والحرية، أو خائفين، من الاضطهاد”.[17]

من المستعجل أن تتم عملية التجدد الحضاري قبل فوات الوقت وذلك من خلال تثوير ميادين السياسة والدين والتربية واللغة والثقافة وحسن استثمار المعرفة والثروة والسلطة في بناء الإنسان وحفظ كرامته وذلك بالذهاب إلى تجربة إيمانية ما بعد الدين وما بعد العلمانية.

كما من المفروض أن تنطلق عملية إعادة التفكر في الآخر الحضاري بصورة جذرية من أجل تدبير الذات وتغيير المحاور الغربي التقليدي والاستفادة من منابت رمزية متعددة وتوفير أرضية كافيا للاستئناف والتغيير بالانطلاق من عناصر الفرد والمجتمع والبشرية.

بناء على ذلك يجدر بالعقل العربي الإسلامي أن يقوم بالانتشار في المعمورة وتنويع المصادر الثقافية التي يعتمد عليها ويغير المدارات المعرفية والمراجع الحضارية التي يعتمدها وأن يعطي حقوق الكلام للثقافات البعيدة وينير درب الخصوصيات المضطهدة.

يتم تأويل آيات القرآن الكريم وتدبير الأحاديث الشريفة واعتماد الاستحسان والاستصحاب والاقتداء بآثار من كانوا قبلنا وممارسة القياس والاجتهاد واعتماد المصالح المرسلة واستفتاء الإجماع في اتجاه العودة إلى الوعي وتحليل الخبرة الشعورية من أجل رصد حاجيات الناس وتحديد مصالح الأمة والكشف عن أشكال التفاعل بين المجتهد والمجتمع وتشييد تجربة مشتركة تراعي أفق الانتظار وتدمج الملأ في البناء.

أن يستظل المسلم المعاصر بالآي من القرآن ويستنير بتفاسيرها ويهتدي بترجمانها هو أن يعود إلى العالم على نحو غير معهود ويولد من جديد ويجعل الدين من أجل الحياة والنص من أجل حسن استخدام الفكر ويعتمد على الفقه في تحديد أولويات التدابير ويبني عروته الوثقى من وحدة النظرية والتطبيق والقول.

أن يعيد المرء اليوم تعريفه للإسلام ويبعث معناه خارج إطار أبواب التقاليد ومغالاة الفقهاء هو أن يتعهد بتفقد الذات وترتيب البيت ويراجع المقدمات النظرية وينقد المنطلقات الفكرية ويثور الأسس الفلسفية السابقة ويحافظ على التنوع والتعددية ويقوى موجات الإدماج والتراحم ويحرر المواطن من القمع ويقاوم الأنظمة التسلطية من الداخل وأن ينخرط في معركة الإنسانية ضد الاستعمار الغاشم والعولمة المتوحشة.

ينطوي الإسلام على دائرة تأويلية تضم العقل والنص والتاريخ وتتأسس على دائرة أنطولوجية تتكون من الإنسان والطبيعة والله ولكن البشر يحتاجون إلى التدبر والتفكير من اجل تحويل علم العقائد إلى علوم دنيا واستخلاص الحكمة الأرضية من العلوم العرفانية ولذلك يتدبرون الذكر من الوحي والتنزيل من المرسل في سبيل العدل في الحكم والاستقامة في السلوك والشهادة على المتعين والاهتمام بالمعاش وتوحيد العزائم.

إن “التقدم مطلب رئيسي لدى الشعوب النامية، شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، شعوب العالم الثالث، وقد قرن القرآن الكريم بن التقدم والتأخر وليس بين التقدم والتخلف…التقدم للخير والتأخر للشر”.[18]

بهذا المعنى يجمع الإسلام بين فكرة التقدم والاعتناء بالمنفعة ويحث على طلب العلم وتشييد معالم التمدن ويدافع على منظومة الحريات وحقوق المجتمع ضد طغيان النزعة الفردية والرغبات الأنانية ويقاوم أمراض الجشع والاحتكار والاستغلال والربا ويدعو إلى المشاورة في الأمر والتسيير الجماعي للسلطة.

الهدف الكبير من دخول المرء الإسلام ليس أن يضمن لنفسه طريق يؤدي به إلى النجاة من العقاب فحسب ويترك البقية في تيه وضلال وإنما هو أن يضع نفسه في حالة تساؤل مستمر وأن يترك طريق العذاب من الذنب ويكف عن التألم خشية الوقوع في الشر وأن يبدأ في العمل الصالح ويتشبث بالأمل وينتظر الرجاء.

يحتاج العرب والمسلمين اليوم إلى القطع مع الحداثة الانقلابية التي تبغي الهيمنة على الفضاء العمومي وتعسكر الحياة السياسية ويستوجب الإسلام في زمن الكارثة القصووية إلى رجة داخلية ويقظة روحية تعيد الاعتبار إلى منابت التسامح والسلم والعفو والبر التي تكتنز بها نصوصه وخلد ذكراها مآثر أعلامه.

إذا ما أراد المرء اليوم أن يكون الأيتوس Ethos الخاص بالعرب والشرقيين عامة مقاما مدنيا وفإنه من الواجب أن يكون الإسلام دينا إنسانيا وأن يرسي منزعا تقدميا وأن يقيم عقلانية منفتحة ويرسي تجربة تأويلية متعددة وإذا ما سعى المسلمون إلى أن يكونوا رحماء بالبشرية وأشداء على أعدائها وكرماء بمنتسبيها فحري بهم ألا يبذلوا قصارى جهدهم في التصدي لدعاة الهمجية والتخلف ومقاومة الجهل والتعصب. غاية المراد أن الإسلام يتضمن الإمكانتين معا فهو يحمل خطاب الترهيب والقوة والحرب تجاه الأغيار من ناحية ولكنه ينشد خطاب الترغيب والرحمة والسلام تجاه العالمين ويعد بالصفح للكل.

في الظاهر يبدو الإسلام دينا نظريا يضم العقائد والشرائع ويصدر الأحكام في صور مجموعة من الأوامر والنواهي ويفرض التكاليف ويلزم الناس بعدة حدود ولكن المتمعن فيه من جهة علاقته بالواقع التاريخي يتضح له دعوته الصريح إلى العمل وتركيزه على الممارسة والفعل المفيد من أجل تحقيق المنفعة العامة وحرصه على القيام بالأصلح بعد بذل مجهودات في سبيل الإصلاح والبحث عن الصلح والصلاح للأمة.

من الضروري أن تتم محاربة الطائفية والمذهبية وادعاء الفرقة الناجية من داخل الإسلام ذاته وأن يتم تنسيب المعرفة وأن توضع الأحكام من جهة الثابت والقطعي والمطلق ضمن دائرة المتحول والنسبي، أليس الصواب متعدد من جهة الحكم والعمل؟ وأليس الرأي الواحد قليل المنفعة وجالب للمضار الكثيرة؟

***

الاحالات والهوامش

[1]

La religion est –elle encore l’opium du peuple ?, sous la direction d’Alain Houziaux, Marcel Gauchet, Olivier Roy, Paul Thibaud, les éditions de l’atelier, Paris, 2008.p64

[2]

Bessis (Sophie), l’occident et les autres, histoire d’une suprématie, édition la découverte, Paris, 2002,p 83

[3] حنفي (حسن)، الوحي والواقع، تحليل المضمون، مركز الناقد الثقافي، دمشق، سوريا، طبعة أولى، 2010، ص 29.

[4] موران (أدغار)، ثقافة أوروبا وبربريتها، ترجمة محمد هلالي، دار توبقال، الدار البيضاء، المغرب، طبعة أولى 2004، صص 07- 08.

[5] قرم (جورج)، تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب، ترجمة رلي ذبيان، دار الفارابي، بيروت، طبعة أولى، 2011.

[6] قرم (جورج)، تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب، مرجع مذكور، ص 204.

[7]

La religion est –elle encore l’opium du peuple ?, sous la direction d’Alain Houziaux, Marcel Gauchet, Olivier Roy, Paul Thibaud, les éditions de l’atelier, Paris, 2008.p49.

[8] موران (أدغار)، ثقافة أوروبا وبربريتها، مرجع مذكور، ص 25.

[9] دباشي (حميد)، ما بعد الاستشراق، المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب، ترجمة باسل عبد الله وطفه، دار المتوسط، ميلانو، ايطاليا، طبعة أولى، 2015، ص 149

[10] موران (أدغار)، ثقافة أوروبا وبربريتها، مرجع مذكور، ص 08.

[11] موران (أدغار)، ثقافة أوروبا وبربريتها، مرجع مذكور، ص 58.

[12] دباشي (حميد)، ما بعد الاستشراق، المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب، مرجع مذكور ص 174

[13] دباشي (حميد)، ما بعد الاستشراق، المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب، مرجع مذكور، ص 148.

[14] دباشي (حميد)، ما بعد الاستشراق، المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب، مرجع مذكور، ص 171.

[15] دباشي (حميد)، هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟، ترجمة عماد الأحمد، دار المتوسط، ميلانو، إيطاليا، طبعة أولى، 2016. ص 51.

[16] صن (أمارتيا)، الهوية والعنف، وهم المصير الحتمي، ترجمة سحر توفيق، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 352، يونيو، 2008، ص 29.

[17] دباشي (حميد)، هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟، مرجع مذكور، ص 344.

[18] حنفي (حسن)، الوحي والواقع، تحليل المضمون، مرجع مذكور، ص 323

*********

المصادر والمراجع:

Bessis (Sophie), l’occident et les autres, histoire d’une suprématie, édition la découverte, Paris, 2002,

La religion est –elle encore l’opium du peuple ?, sous la direction d’Alain Houziaux, Marcel Gauchet, Olivier Roy, Paul Thibaud, les éditions de l’atelier, Paris, 2008.

صن (أمارتيا)، الهوية والعنف، وهم المصير الحتمي، ترجمة سحر توفيق، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 352، يونيو، 2008،

موران (أدغار)، ثقافة أوروبا وبربريتها، ترجمة محمد هلالي، دار توبقال، الدار البيضاء، المغرب، طبعة أولى 2004،

قرم (جورج)، تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب، ترجمة رلي ذبيان، دار الفارابي، بيروت، طبعة أولى، 2011.

حنفي (حسن)، الوحي والواقع، تحليل المضمون، مركز الناقد الثقافي، دمشق، سوريا، طبعة أولى، 2010،

دباشي (حميد)، ما بعد الاستشراق، المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب، ترجمة باسل عبد الله وطفه، دار المتوسط، ميلانو، ايطاليا، طبعة أولى، 2015.

دباشي (حميد)، هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟، ترجمة عماد الأحمد، دار المتوسط، ميلانو، أيطاليا، طبعة أولى، 2016.

 

 

‫شاهد أيضًا‬

الخلاف والاختلافأو الفصل بين الواحد والمتعدد * الدكتور سعيد بنكراد

عن موقع سعيد بنكراد  يميز المشتغلون بأصول الفقه عادة بين أربعة مستويات في تناول النص ومحاو…