من الطبيعي أن تتعدد القراءات للتطورات السياسية، التي يعرفها المغرب، خاصة بعد التحول الكبير الذي أحدثه انتخاب الحبيب المالكي، رئيسا لمجلس النواب، لأنه جاء في سياق معقد، فشل فيه رئيس الحكومة، المعين، عبد الإله بنكيران، في المفاوضات التي باشرها، لتشكيل أغلبية حكومية، غير أن خلفيات هذه القراءات تختلف، من جهة لأخرى.
هناك قراءات تنطلق من خلفية يسارية، منها من يعتبر أن التحالفات الظرفية والتاكتيكية في السياسة، أمر عادي، بل يشكل معطى أساسيا، فيها، ولا يعني نهائيا التخلي عن المبادئ، لأن جل الأحزاب الثورية واليسارية في العالم، دخلت في اتفاقات وتحالفات، مع أطراف أخرى، لا تقاسمها كل التوجهات، فتحقيق هدف معين، يتطلب التفاعل بمرونة طبقا لموازين القوى، والأمثلة كثيرة بخصوص هذه النماذج.
هناك قراءات تنطلق أيضا من خلفيات يسارية، وتعتبر أن التوافق الحاصل بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والأحزاب الثلاثة الأخرى، التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، انحراف ما بعده انحراف، متناسية أن حكومة التناوب التي ترأسها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، التي تعتبر نموذجا ناجحا، ضمت أحزابا من هذه التوجهات، إلى جانب من يعتبرون أنفسهم على يسار الاتحاد الاشتراكي. كان الأمر يتعلق باتفاقات سياسية، كما هو الشأن اليوم.
غير أن المثير في هذا النقاش، الذي صاحب تعقيدات تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس مجلس النواب، هو الأسلوب التلفيقي الذي لجأت إليه بعض القراءات، من أطراف لا هي باليسارية ولا بالتقدمية، بل تنتمي للرجعية، لكنها حاولت تقمص أدوار لا تٓمُتّ إليها بٍصِلٓةٍ، لتذرف دموع التماسيح على الاتحاد الاشتراكي، بأسلوب النفاق المقيت، لأنه «قٓبِلٓ التفريط في هويته»، عندما تحالف مع الأحزاب الثلاثة، أو أنه اختار «معسكر الشيطان»، عندما فاز برئاسة مجلس النواب.
نفس الأطراف التي تقود هذه الحملات المسعورة، هي التي تتوسل «الشيطان»، أن يقبل التحالف مع العدالة والتنمية، إلى جانب ما تعتبره «أحزابا إدارية»، أما حزب الاستقلال، الذي كان بالنسبة إليها «بطلا»، يوما ما، فإنه أصبح لا يستحق حتى الذكر، في هذه الحملات.
الأسلوب التلفيقي، في القراءات والتحاليل، معروف، ومنهجيته هي الوقوف عند المقدمات الشكلية، وتحريف أبعادها وخلفياتها وسياقاتها، والانطلاق من مسلمات خاطئة وتمريرها كما لو كانت حقائق، ونشر معطيات كاذبة واتهامات بدون حجج، والقفز من الديك إلى الحمار.