مؤسف جدا أن نناقش قضية كبيرة في حجم انضمام المغرب للإتحاد الإفريقي في زحمة القضايا السياسية المرتبطة بتشكيل الحكومة المرتقبة . كان المنطق كل المنطق يفرض ، بل يوجب ، أن تتم معالجة هذه القضية المركزية في أجواء أخرى ينعم فيها المغرب   بأجواء استقرار المؤسسات الدستورية من حكومة و برلمان ، و أن يتفرغ المغاربة  بالكامل لإعطاء هذه القضية ما تستحقه من اهتمام و عناية بالغين . هذا لم يتوفر ،بل بالعكس من ذلك فإن التعامل معها يتم في أجواء ضغط ، كان أبرزها اضطرار جلالة الملك محمد السادس إلى التدخل من خلال إعطاء تعليماته لتسريع انتخاب هياكل مجلس النواب لتتمكن هذه المؤسسة التشريعية من دراسة اتفاقية الإنضمام للاتحاد الإفريقي و المصادقة عليها لاستكمال مسطرة المصادقة .

‎طبعا ، لا يمكن إلا التفاعل الإيجابي مع رغبة بلادنا في الانضمام للإتحاد الإفريقي لأسباب مشروعة و كثيرة :

أولا ، لأن خصوم المغرب و أعداءه  استفردوا بمنظمة الإتحاد الإفريقي  لزمن طويل جدا ، و خلت لهم الساحة هناك ، فأبدعوا وتفننوا في الإساءة إلى بلادنا و إلحاق مختلف أشكال الإضرار بها . وحان الوقت المناسب لتصحيح الوضع و إعادة الأمور إلى نصابها . قد نسلم بأن سياسة المقعد الفارغ كانت صالحة لفترة معينة و أن الأسباب التي كانت تبرر هذه السياسة زالت اليوم ، و أضحى من اللازم العودة إلى شغل المقعد مما سيمكن بلادنا من مواجهة خصومها و أعدائها من داخل منظمة الإتحاد الإفريقي . و واضح من خلال ردود الفعل الغاضبة التي أبداها خصوم المغرب من طلب انضمام أنهم قلقون ومتوجسون و يدركون ما الذي ينتظرهم من عودة المغرب إلى حظيرته الإفريقية .

ثانيا ، لقد قطع المغرب أشواطا بعيدة و رائدة في مجال إقامة نموذج جديد في علاقة جنوب – جنوب بمعادلة رابح – رابح ، من خلال بناء علاقات ثنائية و جماعية مع العديد من الأقطار الإفريقية . ويكفي الإستدلال في هذا السياق بأن المغرب يعتبر أول بلد مستثمر في عشرات الأقطار الإفريقية . و قاد جلالة الملك محمد السادس منذ اليوم الأول من توليه سدة العرش هذه المقاربة الجديدة التي مثلت ثورة حقيقية في مفهوم العلاقات بين الدول خصوصا بالنسبة للدول المنتمية إلى عوالم البحث عن التنمية و التقدم و التطور .

‎والمغرب بقدر ما أفاد في سياسته الجديدة ،فإنه استفاد أيضا بأن فتح لاقتصاده النامي مجالات التطور في دول كانت  ولا تزال في حاجة ملحة إلى التطور  ،و تمثل اليوم أسواقا استهلاكية واعدة.  والإقرار بهذه الحقائق الثابتة يحتم على المغرب اليوم استعادة موقعه الطبيعي في الإتحاد الإفريقي ليكون مرتبطا أشد الإرتباط بشركائه الجدد في القارة الإفريقية التي يشهد التاريخ التضحيات الجسام التي قدمها المغرب من أجل استقلال أقطارها و تحرر شعوبها .

‎لذلك كله و غيره كثير نحث  جميع النواب و المستشارين على التصويت لفائدة مشروع القانون الذي سيعرض عليهم  يومي الخميس والجمعة المقبلين ، لكن هذا الحث لا يعفينا من إثارة الإنتباه إلى كثير من التفاصيل التي يسكنها الشيطان . لأن التصويت يعني الموافقة ، ويعني أيضا أن الأحزاب السياسية يجب أن تتحمل مسؤوليتها في الظروف المناسبة ، وحزب الاستقلال يتحمل هذه المسؤولية الآن واليوم ،و يثير الإنتباه إلى بعض مناطق الظل في هذه الاتفاقية وينبه إلى ما قد يطرأ خلال ،ما بعد دخول هذه الاتفاقية إلى حيز التنفيذ . و في هذا الشأن يثير مسألة الحدود الجغرافية لبلادنا ، و إلى تجنب و تحاشي ، بل و رفض أي شكل من الأشكال التي قد توحي بالإعتراف بجمهورية الوهم .

‎إننا نثق بأن ملف القضية في أيادي أمينة جدا ، ومعبأون وراء جلالة الملك محمد السادس صاحب هذه الأيادي الأمينة لمواجهة جميع التحديات المرتبطة بالوحدة الوطنية والترابية .

الخميس 19 يناير 2017.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…