من الطبيعي أن تلجأ وسائل الإعلام إلى المحللين والمفكرين والخبراء والمتخصصين، للتعليق على الأخبار وتحليل الأحداث، انطلاقا من الخبرة التي قد يتوفرون عليها، غير أن ما حصل في المغرب، في الأسابيع الأخيرة على الخصوص، يطرح مشاكل حقيقية، إذ سارت الأمور في اتجاه خاطئ، حيث أصبحت بعض الوسائط، وخاصة الرقمية، تطلق وصف «المحلل» و «المفكر» و«الخبير»، على عواهنه، فقط من إجل ملْءِ الفراغ، أو تمرير موقف معين، تحت مظلة التحليل والخبرة.
بل إن هناك من الأعضاء المعروفين في تنظيمات ما يسمى بالإسلام السياسي، من يقدم نفسه ك»خبير»، في محاولة للتحايل على الجمهور، ليتظاهر بمظهر الحياد، شكلا، رغم أنه في المضمون، يدافع باستماتة عن موقف التنظيم الذي ينتمي إليه. وكانت قناة الجزيرة القطرية، سباقة إلى هذه الحيلة.
في الأسابيع الأخيرة، أصبحت بعض المواقع والجرائد الرقمية، المنتمية لتيارات الإسلام السياسي، تمرر مواقف تنظيماتها الأصلية، بواسطة أعضاء، تطلق عليهم نعت «المحلل» و «الخبير»، بل أكثر من ذلك، أطلقت أوصاف «المفكر» على أشخاص لا يرتقون إلى هذه المكانة، فقط، لأنهم يدعمون موقفها وتوجهاتها.
وإذا كانت هذه الوسائط لا تعبأ بمصداقيتها ومستوى المنتوج الذي تعرضه، فإن الذين اُطْلِقٓ عليهم هذا الوصف زورا وبهتانا، كان عليهم رفضه، لأن الأمانة العلمية تقتضي أن تطابق النعوت، حقيقة الأمر، وليس قبول التزوير والتحايل على الجمهور.
بالإضافة إلى كل هذا، فإن المشكلة الثانية، تكمن أيضا في التسطيح الذي تتجه نحوه «تحاليل» هؤلاء المفترى عليهم، وذلك لعدة أسباب، أهمها؛ أن سرعة تفاعلهم مع الأحداث في الفضاء الأزرق، لا تسمح لهم بالتفكير الجدي والتأمل الكافي والبحث والتقصي، لفهم ما يجري وإدراك أبعاده وخلفياته، ثم إن غواية هذا الفضاء، تدفعهم إلى مسايرة ما يبدو لهم، كتوجه سائد، وآراء منفعلة، رغم أن كل ذلك مصطنع ومؤدى عنه، لذلك تجد تحليلاتهم تأخذ نفس المنحى، لا تتغير، رغم تغير المعطيات، لأنهم واقعون تحت تأثير الانتشار في هذا الفضاء وشعبيته الافتراضية.
خطورة الأمر لا تكمن في مايرددونه، لأنه في أغلبه تفاهات، يستهلكها الجمهور، بنفس السطحية والتسرع، ويرميها جانبا بعد ذلك، لكن ما هو أخطر هو الإساءة إلى مكانة «المفكر» و «الخبير» و«المحلل» لأن هذه مكانة تتطلب الرسوخ في العلم والعمل المضني في البحث والتقصي والتحفظ في إطلاق الأحكام، وهي لا تتلاءم مع أسلوب الإسهال التعبيري والثرثرة الذي يملأ، في غالب الإحيان، الفضاء الأزرق.