من الواضح أن انتخاب الحبيب المالكي، رئيسا لمجلس النواب، من طرف أغلبية الفرق النيابية، يخلق اليوم واقعا سياسيا جديدا، لا يمكن تجاهله، كما لو كان الأمر يتعلق، فقط، بمحطة معزولة عن المحطات الأخرى، وهذا أمر بدأ يتجلى منذ أن باشر رئيس الحكومة، المعين، عبد الإله بنكيران، اتصالاته مع الأحزاب، حيث وجد نفسه أمام كتل سياسية لم يكن يتوقعها. لذلك فإن السؤال الذي يطرحه العديد من المتتبعين، هو كيف سيتعامل بنكيران مع هذا الواقع السياسي؟
هناك من يدفع في اتجاه تهويل الأمر، كما لو كان كارثة أو زلزالا، ويعتبر أن الوضع بالنسبة له أصبح لا يطاق، لأنه ينظر إلى المشهد السياسي من نافذته الخاصة، بناءً على مشاكله الداخلية وإخفاقاته في إدراك التحولات وفهم طبيعة المرحلة، غير أن هذه المقاربة لا تؤدي عمليا إلى أي نتيجة ملموسة.
ودون السقوط في التهويل، فنحن أمام مشهد سياسي، عاشته بلدان أخرى، أعرق في الديمقراطية من المغرب، وتم التعامل معه بحكمة ونضج، كأمر عادي، يحصل في السياسة، حيث لم يتمكن الحزب الأول من تشكيل أغلبية حكومية، فكانت هناك عدة بدائل مطروحة.
الآن هناك أمر واقع أفرزته عملية التصويت على رئيس مجلس النواب، اختلطت الأوراق فيه أكثر من السابق، وكان من الممكن لبنكيران تجاوز هذا الوضع لو اتفق مع مقترح البلاغ الذي وقعته الأحزاب الأربعة، غير أنه فضّلَ التشبث بموقفه، بعِناد غير واقعي، ليجد نفسه اليوم أمام معطيات سياسية جديدة، تجعل وضعه صعبا أكثر فأكثر.
الآن هو أمام المسؤولية التي تولاها، انسجاما مع الدستور، حيث كلفه الملك بتشكيل الحكومة، وهو تكليف لا يمكن أن يكون أبديا، بل هو محصور واقعيا، ومرهون بنجاحه في المهمة، التي ينبغي أن تتجاوز حسابات ومصالح أي حزب، كيفما كان موقعه، لأن البلاد في حاجة إلى حكومة، ولا يمكنها الانتظار أكثر، خاصة بعد التطورات السياسية الأخيرة.
وفي اعتقادنا أن السؤال، الذي ينبغي أن يجيب عنه بنكيران، هو هل لديه خطة سياسية للخروج من المأزق الحالي، وهل وضع لنفسه أجلا معينا، للإعلان عن السيناريوهات الممكنة حتى لا تظل البلاد في حالة انتظار، لأن الدستور يمنح لرئيس الدولة تكليف شخصية من الحزب الذي فاز بالمرتبة الأولى، تشكيل حكومة، وليس تجميدها.