البرلمان مؤسسة دستورية مستقلة وأعضاؤها هم الذين ينتخبون هيئاتها كافة بدءا من الرئيس مرورا بنوابه وصولا الى تكوين لجانه المختلفة.
فما علاقة كل هذا بالانتخابات ونتائجها التي يرى البعض ان ما جرى من انتخاب السيد الحبيب المالكي رئيس اللجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي رئيساً للبرلمان انقلاب على المنهجية الديمقراطية، وامر غير مقبول وينافي ما قررته الانتخابات؟
الحقيقة ان وظيفة الانتخابات انتهت بمجرد اعلان نتائجها من خلال تحديد خريطة القوى داخل الهيئة التشريعية وان مرحلة جديدة تماما قد تم تدشينها من حيث مسار تشكيل الحكومة كما من حيث مسار توزيع المهام داخل مجلس النواب.
فعلى صعيد الحكومة تم اتباع المسطرة الدستورية دون زيادة او نقصان حيث تم تكليف زعيم الحزب الاول وفق نتائج الانتخابات بتشكيلها، وهو ما دشن السيد بنكيران المشاورات حوله مع مختلف قيادات الاحزاب السياسية التي عبرت من حيث المبدأ عن استعدادها للمشاركة في الحكومة الجديدة. غير ان مساعي السيد بنكيران اصطدمت بطبيعة انتظارات متباينة لعدد من الاحزاب جعلت من تشكيل الحكومة معضلة لم يتم حلها الى حدود هذه الساعة. غير انه ماض في مشاوراته لاقناع بعض الاحزاب بالمشاركة واقناع اخرى بعدم المشاركة لأسباب ليس الغرض من هذه التدوينة اثارتها.
اما على صعيد البرلمان فباعتباره مؤسسة قائمة الذات ومعروفة المكونات افرادا وتوجهات سياسية وحزبية، فإنه هو الذي ينتخب من بين أعضائه مختلف الهيئات المسيرة وعلى رأسها الرئاسة. وهذا ما تم القيام به يوم الاثنين الماضي.
وقد اثارت عملية انتخاب المالكي موجة من ردود الفعل اقل ما يقال فيها كونها متشنجة ومغلوطة وذات مقاصد لا علاقة لها من قريب او بعيد بالمنهجية الديمقراطية التي تحولت الى نوع من قميص عثمان الجديد لدى عدد من التيارات والقوى التي لم تذرف قط دموعا على مصير الديمقراطية المغربية عندما كانت ضحية الاعتداءات المنهجية وانما كانت تزكي كل الممارسات المنافية لها لانها تعتبرها من زمرة الأفكار الهدامة التي لا ينبغي التساهل في محاربتها تحت اي داع من الدواعي خاصة اذا كان من قاموس مفاهيم المواطنة والحريّة وحقوق الانسان.
لقد تم التعامل مع انتخاب رئيس مجلس النواب ببهلوانية تحاكي اعمال البهلوانيين في كل مكان وزمان، حيث يتم الانتقال من مستوى الى آخر دون اي مبرر او سند فعلي غير ما يقوم على المبدأ السخيف القائم على ان الغاية تبرر الوسيلة:
يتم التركيز تارة، على عدد مقاعد الاتحاد الاشتراكي العشرين في البرلمان للتغطية على اجتماع عدد من الظروف جعلت الحزب قادراعلى جمع خمسة احزاب سياسية حول مرشحه الذي حظي بدعم 198 برلمانيا. وهو العدد الذي لا يشار اليه كما لو ان الرئيس قد تولى منصبه على قاعدة العشرين مقعدا. وهذه مغالطة ما بعدها مغالطة، كما انه تعبير عن عدم جدية موصوفة لأنه لو كان الامر جديا لتم نقاش طبيعة هذا التحالف الذي دعم المالكي لأن هذا النقاش يجعلنا لا نبرح مجال النقد السياسي الى هذا النوع من الترهات التي لا تقوم على اي اساس الا الهروب من توصيف الواقع الى ما ليس له أي علاقة به.
ويتم التركيز تارة اخرى على مغالطة تقوم على ان نتائج انتخابات السابع من أكتوبر تعني عمليا منح العدالة والتنمية التفويض الشعبي لتشكيل الحكومة ورئاسة البرلمان في آن واحد. وهذا لا يقوم على اي سند قانوني او سياسي او دستوري لأنه لا احد يمكن ان يصادر على قرار هيئة دستورية مثل البرلمان التي يعود اليها الحق في اتخاذ القرار الذي تراه ملائما في كل ما يتعلق بتنظيم العمل البرلماني وانتخاب هيئاته.
ولو كان الامر مرتبطا بقضية المنهجية الديمقراطية كما يزعم المتشنجون لانكب نقاشهم على معضلة التفويض وحدوده في الديمقراطيات التمثيلية كما طرح ذلك قبل الثورة الفرنسية جان جاك روسو الذي رأى ان مسألة النيابة تتعارض مع فكرة السيادة للشعب لأن التفويض الذي يناله النائب في فترة الانتخابات يتحول الى نوع من مصادرة لتلك السيادة لان النواب لا يعودون الى الهيئة الناخبة عند اتخاذ القرارات إبان الولاية التشريعية. ورغم المآخذ الجوهرية على هذا التصور الذي وجد تطبيقا كاريكاتورية له في القذافي الأخضر وشعار من تحزب خان، فإنه على الأقل لا يخرج النقاش من إطاره السياسي الفكري الأيديولوجي، ومعضلة التمييز بين الديمقراطية المباشرة والتمثيلية التي تؤشر الى اختلاف جوهري في العصور والسياق ويزج به في متاهات مماحكات لفظية تستدعي كل التصورات المتخيلة في مجال التآمر وتصفية الحسابات الضيقة دون ان تلتفت ولو للحظة الى طبيعة الممارسة الديمقراطية التي ينبغي اتباع منطقها من الفه الى يائه وليس وضع اشارات منع المرور أمامه عندما يرى البعض ان الديمقراطية لا تخدم مصالحه.