تؤكد كل التطورات أن زمن العبث السياسي في المغرب، ينبغي أن ينتهي، حيث إن بلادنا لا تحتمل كثيرا الاستمرار في تسويق الكلام الفارغ، في الوقت الذي تنتظرها ملفات ساخنة، على كل الواجهات، الداخلية والخارجية، مما يفرض النظر للوضع السياسي، نظرة مختلفة، لما تٓمّ لحد الآن.
إذا كانت الانتخابات ترسم خريطة آنية، في ظرفية معينة، فإنها مثل تلك الصورة الجوية، المأخوذة من الطائرة، لحظية ومؤقتة، قد تتغير بعد ذلك، خاصة عندما تكون أنماط الاقتراع لا تمنح أغلبية مطلقة لأي حزب، مما يقتضي حنكة ونضجا، وأيضا تواضعا كبيرا، من طرف الفائز، لتشكيل أغلبية حكومية. لذلك تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، بعد نهاية الاقتراع، وظهور نتائجه.
عدم فهم هذا المعطى، ربما، هو الذي أدى إلى فشل تشكيل الحكومة، إلى حد اليوم، حيث اِنطلق الحزب الذي فاز بالمرتبة الأولى من مُسٓلّمة غير صحيحة، و هي أن تكوين الأغلبية الحكومية سيكون في متناول اليد، متجاهلا أن الأحزاب الأخرى، لها الحق في أن تقبل أو ترفض العرض المقدم.
لكن الخطأ الإضافي، في اعتقادنا، هو إطلاق يد الوسائط الإعلامية التابعة والقريبة من الحزب الذي حاز المرتبة الأولى، وكتائبه الإلكترونية، في حملة لتشويه الأطراف الأخرى، وترويج الإشاعات، يوميا، من قبيل «تٓمّ إبرام صفقة…»، أو «غاضبون من حزب…» بالإضافة إلى نشر إشاعات مضللة حول الاتحاد الاشتراكي، والتهجم على قيادته، والتشهيربرئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، وبعده بالحبيب المالكي، مرشح الاتحاد لرئاسة مجلس النواب، وغيرها من الأساليب المَقيتة في التعامل مع الأحزاب، بل لقد صورت هذه الوسائط والكتائب، الخلافات السياسية العادية، ك»انقلاب» و»مؤامرة»، في إطار منهجية المظلومية، التي يتم اللجوء إليها باستمرار.
والحقيقة أنه ليس هناك لا مؤامرة ولا انقلاب ولا صفقة، ولا هم يحزنون، كل ما هنالك هو أن أحزابا لها رؤية مختلفة للأغلبية الحكومية ولبرنامجها وهيكلتها وهندستها، ولكل ما يهم مستقبل المغرب، على المستوى الإيديولوجي والسياسي، وهي قضايا كبرى، من الضروري التوافق حولها، لأن لها أهمية بالغة، في أي تصور للمشروع المجتمعي الذي ينبغي أن تسير فيه البلاد.
اِنتهى وقت الكلام الفارغ، وينبغي أن يبدأ عهد الكلام الجدّي، الذي من المفترض أن يكون هو البوصلة التي تقود عمل الأحزاب التي تسعى إلى بناء وطن ديمقراطي حداثي، تسوده الكرامة والعدل والمساواة.