تعلمنا من مسيرتنا السياسية أن كل لحظة وطنية عالية هي بجوهرها لحظة انفراج سياسي، في الحقل الوطني.
وتعلمنا أن القضية، أية قضية، عندما تحمل الصفة الوطنية تتجاوز كل الحساسيات وكل الحسابات..
التاريخ القريب، قبل البعيد ماثل أمامنا..
في 1975 ، عندما قرر المرحوم الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء،كان النظام السياسي المغربي في حالة ترهيب قصوى..
وحالة جمود تلت العواصف التي سبقتها:
– انفجار الأزمة في أعلى هرم السلطة بين العسكر والملك في 71 مع انقلاب الصخيرات و1972 مع انقلاب الطائرة،
وكانت لحظة رعب كبيرة لم تمس النظام وحده، بل أيضا القوى السياسية المعارضة..
– أحداث الثورة المتنقلة بين مولاي بوعزة وحملة الحلم الطوباوي، في عموم خارطة التراب الوطني..
– الحالة الاستثنائية المفروضة على المغرب والتي دامت بعدها عشر سنوات، أي منذ أحداث الدار البيضاء 1965، وإلى تلك الآحايين.. التي بدأ فيها الانفراج!
– عشرات الإعدامات، والأفواج العديدة من المنفيين والمشردين والمغتربين، وعشرات المئات من المعتقلين ، ومنهم قادة كبار أمثال الشهيد عمر بنجلون..
-جمود المؤسسات، باستثناء المخابرات في »الكاب وان والجيش والدرك….
غير أن هذه اللوحة القاتمة، لم تمنع كل القوى الوطنية آنذاك، من الاستقلال إلى الاتحاد الوطني ( الاتحاد الاشتراكي حاليا) مرورا بحزب التحرير والاشتراكية، (التقدم والاشتراكية حاليا ).. من تفضيل حالة انفراج سياسي ووطني، حول قضية الصحراء الوطنية.. والتعبئة من أجلها!
بالرغم من كل هذه الترسانة العنفية، لم يتردد أي مناضل، في القمة أو في القاعدة، في الدفاع عن البلاد في ظروف مناهضة تماما للديموقراطية.
فالديموقراطية وقوة المؤسسات تطورا دوما في ظلال الوطنية، واللحظات الوحيدة التي كان يراد للوطنية تعطيل الدفاع عنها عبر الديموقراطية، كانت لحظات خاطئة (لحظة منع بوعبيد رحمه الله من الدفاع عن رأيه في الاستفتاء …بعد أن كان المرحوم الحسن الثاني قد قبل به في قمة نيروبي 2)..
ولا أحد يمكن أن يقارن بين تلك اللحظة، لحظة السبعينيات من القرن الماضي ونحن على أبواب استكمال الوحدة، وتدويل القضية أمام محكمة لاهاي، في إطار صراع حاد بين الحركة الوطنية وملكية المرحوم الحسن الثاني باللحظة التي نعيشها اليوم إلا في ما يتعلق بالمقارنة بين مصير الوحدة الترابية آنذاك وبين الوضع الديموقراطي الجامد، وبين وضعية القضية الوطنية، الجامدة في الاتحاد الإفريقي منذ ثمانينيات القرن الماضي وبين الديموقراطية المشتغلة، بما في الاشتغال من نسبية..
الدرس الدائم لهذه الحيوية الوطنية هو ما قلناه باستمرار:
لا أحد يملك أن يكون الوطن ورقة في يده!
لأن الوطن وُجد لكي يكون فوق الحسابات بالرغم من ألمها، كما كان الراحل عبد الرحيم بوعبيد يؤمن بذلك.
لا نتفاوض مع الوطن …أيضا،
ولا نقيم المكاسب بما يجب أن نقايض به مصير المعركة!
الوطن اليوم في حاجة إلى نكران الذات التامة والشاملة..
ولا يمكن أن نقول للملك محمد السادس، ما كان البعض يطالب به عبد الرحيم بوعبيد إزاء الحسن الثاني رحم الله الجميع ، »اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون…. في حساباتنا..عندما يكون لذلك علاقة بالوضع الداخلي..!
لقد كانت ولا شك للراحل الحسن الثاني حساباته،
العسكرية والسياسية والوطنية من وراء الانخراط في الواجب الوطني،
كما كان معارضو الانفراج يقولون بذلك، لكن هذه الحسابات لم تمنع علال الفاسي وبوعبيد واليوسفي ورفاقه وعمر ورفاقه، من أن ينصتوا إلى نداء الوطن ولو كان صادرا على لسان الرجل الذي يعارضونه بقوة..وكان سبب إعدام إخوان لهم!
لقد كانت الوطنية دوما المفهوم الأوسع لدخول الديموقراطية، من باب تدشين مسلسل ديموقراطي ، ورفع الحظر العملي والقانوني عن الأحزاب ، وبداية مراجعات قضائية ذات أبعاد سياسية ، تهم العديد من المعتقلين والمودعين في المقرات السرية والعلنية..
على الجميع أن يترفع إلى سمو اللحظة الوطنية..
والجميع يقبل بالتنازل لفائدة الوطن..
وقضيته الأولى
التي تتجاوز رهانات التوازن السياسي ،
مهما كانت المصاعب..
من المحقق أن المرحلة المرتبطة بعودة المغرب إلى مقعده في الاتحاد الإفريقي، هي مرحلة ستطول مدتها..
كما تتعقد إشكالاتها بعيدا عن التركيبة السياسية والإخراج السياسي، المرحلي ، والمحدود في الزمن والمكان..
ولا أحد يشعر بأنه منهزم عندما يكون المطلوب هو مصلحة الوطن!