لم نسمع شيئا عن أرضية ما للحكومة المزمع تشكيلها. كل ما يعرفه الجميع هو البرامج الانتخابية التي تقدمت بها مختلف الاحزاب السياسية المنخرطة في مفاوضات تشكيلها. وكلنا نعرف انها برامج على درجة كبيرة من التباين من حيث الرؤية العامة الى العمل الحكومي وان لم تكن اختلافاتها على المستوى البرنامجي التطبيقي ذات أهمية نوعية ما دمنا ندرك تماما انها برامج دعائية في مرحلة انتخابية اكثر منها برامج للتطبيق.
الاختلافات المعلنة الى حد الساعة هي ذات طابع خاص تعكس نوعا من المواقف المسبقة لكل طرف من طرف آخر او أطراف أخرى، كما تبين ذلك من الموقف من مشاركة او عدم مشاركة حزب الاستقلال، وكما هو الموقف، وان بدرجة اقل، من مشاركة او عدم مشاركة الاتحاد الاشتراكي.
صحيح ان هذه المواقف لم تكن دون مبررات، غير ان المواقف كما تم الإعلان عنها غطت عليها وحولتها الى ما يشبه مواقف مبدئية. وهي ليست كذلك، بأي حال من الأحوال.
فهل المغرب بحاجة الى حكومة قوية تحظى بدعم واسع من البرلمان كما يذهب الى ذلك الأحرار والاتحاد الاشتراكي؟ ام ان الامر لا يحتاج الا الى اغلبية تمكن من تشكيل الحكومة، في الوقت الراهن، وليتم التعامل مع تطورات الوضع في المستقبل بما تقتضيه ظروفه، كما يبدو ان هذا هو موقف العدالة والتنمية المضمر بطبيعة الحال؟
ليس صعبا على اي كان من الطرفين تقديم ما يعتبره أساسا لتصوره واختياره، في مجال تشكيل الحكومة. غير ان ما لا ينبغي تناسيه هو ان استحالة تشكيل حكومة منسجمة، في الوقت الراهن، ليس يعني امتناع تشكيل حكومة تحظى بأوسع دعم من البرلمان على أقل تقدير.
لكن البلاغات المتبادلة بين رئيس الحكومة المعين والأحزاب الأخرى منفردة، كما هو حال العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، او مجتمعة، كما هو حال الرباعي ( الأحرار الاتحاد الاشتراكي الاتحاد الدستوري الحركة الشعبية) لم تساهم في تبديد الغموض المرافق لطبيعة المواقف الحقيقية لتلك الأطراف خاصة لجهة استعدادها او عدم استعدادها للالتقاء في وسط الطريق كما يقال، وتشكيل الحكومة التي لا يبدو ان الإغراق في الحسابات غير المعلنة سيسهل عملية الولادة العسيرة لها.
وهذا يعني ان ميزة تجمع بين البلاغات المتعددة الصادرة عن الاحزاب والمجموعات الحزبية المشاركة في المشاورات الرامية الى تشكيل حكومة ما بعد انتخابات السابع من أكتوبر الماضي وهي انها ترفض او تستنكر او تندد بسلوك هؤلاء او أولائك دون ان يبدو فيها ما يفيد ان مخاض تشكيل الحكومة قريب ان يثمر اغلبية ما.
صحيح ان الجميع على ما يبدو حريص على تقديم نفسه بأنه من بذل ويبذل الجهد الجهيد في مسعى تشكيل الحكومة وان العرقلة هي من صنع الآخرين غير ان ما لا ينبغي تجاهله هو ان خللا ما يكمن في مقاربة الأطراف الرئيسية لمسألة تشكيل الحكومة، الى حد الآن في أقل تقدير.
اما كل الأحاديث عن موضوع الاستبداد والتحكم خارج دائرة صراعات الاحزاب السياسية المنخرطة فيها مباشرة فهو حديث خرافة كما يقال.