وجهت ” أنفاس بريس ” للأستاذ المصطفى المتوكل الساحلي، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بعض الاسئلة الراهنة، تمحورت حول بلاغ ” انتهى الكلام ” الذي أصدره الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران المكلف بتشكيل الحكومة المغربية بعد نتائج 7 أكتوبر، وتحميله مسؤولية الفشل لعزيز أخنوش ، فكان جواب المتوكل من خلال هذه الورقة التي نقدمها لقراء الموقع مساهمة في النقاش العمومي.
” اعتقد أن رئيس الحكومة المكلف من طرف جلالة الملك لتشكيل الحكومة هو المعني بشكل مباشر كشخص بإنجاح أو إفشال مهمته، فإدارة المفاوضات لها علاقة بحقيقة نية وإرادة المفاوض الرئيسي الذي هو بنكيران في علاقة بالمعلن سواء أثناء الجلسات المغلقة، أو داخل مقر حزبه أو في المواقع الإعلامية والفضاءات الاجتماعية التي لها علاقة بقيادة حزبه، فضبابية الموضوع بالخلط الإعلامي الغريب الذي تتبعناه جميعا يبين أن وراء الأمر محاولة لتصريف نموذج جديد من التحكم يسعى إليه رئيس الحكومة لضمان تصريف مخططه الحكومي والحزبي في آن واحد، بهدف منحه دفعات لتقوية النفوذ المتعدد المرتكزات.
إن بلاغ رئيس الحكومة المكلف، بتوقيع وعنوان حزبه لم يعلن لا فشله ولا تخليه عن المهمة التي كلف بها، بل حسب اعتقادي أنه يريد جولة جديدة من المفاوضات تبتدئ من القاعدة التي وضعها قبل التواصل مع أخنوش، كما أظن أنه سيسعى إلى محاولة الاستفراد ببعض الأحزاب الذين وقعوا على البلاغ الذي كان السبب في موقف بنكيران .
أما فرضية التوجه نحو حزب الاصالة والمعاصرة فأمر فيه نظر وكما قال هو نفسه في السياسة لاوجود لعدو ولا صديق دائمين، والسؤال المطروح هو ما الذي يريده بالضبط رئيس الحكومة من الأحزاب ومن الدولة ؟ وما هو الانطباع الذي يعمل من أجل تكريسه في الفهم العام لما يحصل ؟ إنها صيغ من صيغ محاولات الاستقواء على الاخرين باعتبارهم متواطئين ضده ويعيقون عملية التشكيل التي يريدها هو وكان الأحزاب السياسية بيمينها ويسارها هي أدرع سياسية تابعة له، يجب أن تخضع لمنهجه وتصوره وفهمه للهيكلة الحكومية ولمخططه المرتكز على تصور حزبه والذي نقرأه في طيات أدبياتهم وبعض مضامين خطبهم ومحاضراتهم وتوجهاتهم .
إن كل المتتبعين لمسارات محاولات تشكيل الحكومة، سيلاحظون أنه في مقابل أي خطوة يقدم عليها ويعلنها توضع بموازاة معها خطوات من داخل حزبه تسعى لتوجيه الفهم والرأي العام كمحاولات للضغط على الأحزاب والأشخاص بالتناوب الممنهج لدرجة يتحقق فيها أحيانا التضارب و التناقض بين ما يقوله رئيس الحكومة المكلف، وما يقوله أعضاء من حزبه وفقا لتعبيره هو حيث نعتهم تارة ـ بالمداويخ ـ وأخرى ـ بالصكوعة ـ الذين يتسببون له في مشاكل، الله أعلم بها ويصعبون عليه الأمر، ولهذا وبعد كل الجولات يتبين أن بنكيران لا يريد فقط الأغلبية النسبية التي تخول له تحقيق التشكيل ، كما لم يحسم بشكل واضح التزاماته مع الأحزاب التي توافق معها مبدئيا للدخول للحكومة ، كما لم يكن موقفه مترددا تجاه من سيبقي من حلفائه الجدد ومن سيبعد في المراحل الأخيرة من المفاوضات.
لهذا فمن مبررات التشبث بالأحرار هو ضمان أغلبية مريحة وبمشاركة حزب له مكانة عملية بالدولة وبالآلية الاقتصادية ، وفي نفس الوقت لضمان دخول الأحرار حسم في عدم إشراك حزب الاستقلال في الحكومة والقبول بإضافة الحركة التي كان موقفه منها هلامي ، ليضع نفسه أمام اغلبية نسبية جديدة لا تحقق له القوة والاستقرار الذي يتحدث عنه ويسعى إليه الجميع، ليعلن كأمين عام لحزبه في بلاغ للأمانة العامة أنه سيكتفي بالأحزاب الأربعة أي دون الاتحاد الاشتراكي الذي ألمح سابقا أنه أكمل به نصاب التشكيل بقرار إعلان الاتحاد للمشاركة، ثم روج أن إعلان الاتحاد غامض وملتبس ليترك مسافة لتدبير الطوارئ في إدارته للموضوع، وأضاف الاتحاد الدستوري على اعتبار أن رئيس الاحرار ومنذ بداية الحوار معه كان يتحدث عن حزبه وحزب الاتحاد الدستوري. وفي هذا والله أعلم معاملة بالمثل تجاه استبعاد الاستقلال.
إن الأحزاب التي يفاوض رئيس الحكومة المكلف، من حقها أن تصدر بيانات باسم أحزابها أو مجتمعة اذا توافقت على منهجية تدبير المفاوضات ببرامج وآليات عمل تحقق توازنا وعملا حكوميا منسجما وقويا ومنظما وعلى أرضية وبرنامج عمل، خاصة إذا استحضر الجميع الاختلاط المعتمد في الحكومة السابقة بين العمل الحزبي والدعوي والاحساني والعمل الحكومي .
إن الرئيس المكلف يفترض فيه أن يحافظ على مسافة ديموقراطية ودستورية بين موقعه كأمين عام لحزبه وبين تكليفه ليشكل حكومة مغربية وليس حكومة حزب، فعندما قال الاتحاد الاشتراكي بأنه يريد المشاركة ببرنامج متوافق حوله، وأن تكون الحكومة قوية وذات كفاءة، قادرة على أن تكون في مستوى تطلعات الشعب والدولة للاستجابة للانتظارات الداخلية، وقادرة على التغلب على التحديات الخارجية المختلفة.
إن الخلط في تصريف المواقف والمخططات تسبب ويتسبب في التعطيل والتأخير، وقد يسبب في إفشال العملية برمتها مما سيستدعي وفقا للدستور إما تعيين رئيس جديد من نفس الحزب أو فتح حوار لتشكيل حكومة توافق يكون من مهامها إلى جانب الدولة فتح حوار قانوني وسياسي و التفكير في إيجاد مشاريع حلول لإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية والقانونية التي ستجيب على كل الإشكالات المطروحة ومنها الحالة الراهنة ، سواء بإتمام مدة الولاية الحالية أو يكون من مهامها الاعداد لانتخابات سابقة لأوانها بكل ترتيباتها التشريعية الإصلاحية والتنظيمية والآليات الانتخابية في غضون نصف الولاية.
إن ما حصل خلال الأشهر الماضية إلى اليوم يدل على جو تحوم حوله وتتلبس به التخوفات وعدم الثقة ، كما أنه يعقد الحياة السياسية ويكرس النفور من العمل السياسي ويفتح المجال أمام أفكار عدمية أو متشنجة أو متطرفة لا خير من وراء انتشارها أو توفير أجواء انتشارها، لأنها لا تولد إلا التمزق والعصبية المقيتة والأنانيات البعيدة عن الحس الوطني والاجتماعي الضامن لقوة الدولة والمجتمع بتنوعه واختلافه وغنائه الثقافي والفكري. “