إن كانت هناك من صورة ستظل خالدة عن الراحل عبد الرحيم بوعبيد، كقائد سياسي وطني مغربي، فهي صورته في سجن لعلو بالرباط، في آخر سنة 1981، بقميصه المفتوح وصدره العاري، كناية عن أنه مستعد لأي ثمن من أجل قضية حيوية، من حجم قضية وحدة التراب المغربي بالصحراء الغربية للمغرب. والسبب في اعتبار تلك الصورة خالدة، لأنها المرة الوحيدة التي دخل فيها السجن بالمغرب المستقل (مما شكل زلزالا سياسيا ورمزيا بلغت تداعياته حتى داخل القصر وبقلب العائلة الملكية، من خلال ما تسرب من أخبار عن ردود فعل للأميرة للاعائشة وللأمير مولاي عبد الله).
ظلت قضية الصحراء محورية في مسار الرجل سياسيا، هو الذي كان من أوائل القادة السياسيين المغاربة، من المعارضة، الذي لم يكن متحمسا في الستينات لقضية “مغربية موريتانيا”، قدر التزامه الوطني الصارم في ما يرتبط بملف الصحراء الغربية للمغرب. بدليل، أنه كلما اتصل به القصر للمشاركة في وفود مغربية رسمية، أو كمبعوث شخصي للملك إلى عواصم عالمية وازنة، رغم ظروف القمع والمواجهة السياسية مع الدولة، بكل الفاتورة الهائلة لذلك النضال السياسي المعارض، بأفقه التقدمي والوطني والحداثي، فإن الرجل لم يكن يتردد في ركوب الطائرة والسفر باسم الدولة المغربية للدفاع عن قضية الصحراء. بدليل مشاركته، مثلا، ضمن الوفد المغربي المتوجه إلى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك سنة 1974، ولعبه دورا محوريا في هندسة الإستراتيجية المغربية للدفاع عن مغربية الصحراء ضدا على المخطط الإسباني حينها لمنح استقلال لإقليم الصحراء الغربية، بعد إحصاء 1974، يجعلها تابعة نهائيا للمنظومة الإسبانية بذات الشكل الذي تحقق مع تأسيس دول عدة بإفريقيا ظلت تابعة للعواصم الأروبية التي كانت تستعمرها. ثم سفره إلى عواصم وازنة طيلة السبعينات والثمانينات لذات الغاية، دون إغفال مشاركته في ندوات تلفزية بأروبا كانت حججه فيها للدفاع عن مغربية الصحراء مفحمة ودامغة.
إن الرجل، حين دخل السجن للمرة الوحيدة في زمن الإستقلال، فلأن الأمر كان يتعلق بلحظة مفصلية في ملف استكمال المغرب لوحدته الترابية، ضمن أفقه الإفريقي، حين رفض رفضا صارما اقتراح فكرة تنظيم الإستفتاء بالصحراء الغربية بمؤتمر نيروبي سنة 1981، دون أن يكون معززا قبل باستفتاء عام بالمغرب يجيز قبول تلك المبادرة. ولقد أبانت تطورات وتشابكات هذا الملف الحيوي مغربيا، حصافة موقف الرجل وقيادة حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية آنذاك. وحين أطلق جملته الشهيرة، أمامي القاضي بالمحكمة بالرباط، قبل الحكم عليه بالسجن النافذ: “ربي إن السجن لأحب إلي، من أن ألتزم الصمت، وألا أقول رأيي في قضية مصيرية وطنية”، فإن الرجل كان متصالحا عمليا مع تاريخه النضالي الوطني، منذ انخرط باكرا في معركة الإستقلال في نهاية الثلاثينات من القرن 20، ومنذ قيادته للمظاهرة الشهيرة بسلا يوم 29 يناير 1944، التي سقط فيها عدد من القتلى الشهداء وانتهت باعتقاله والحكم عليه بالسجن سنتين، كان من ضمن السجون التي وضع في زنازينها، ذات سجن لعلو، الذي عاد إليه من أجل قضية الصحراء في شتنبر 1981.
لم يكن ذلك الموقف، التاريخي للرجل، معزولا، ولا انفعاليا، ولا منخرطا ضمن خانة المزايدة السياسية، بل إنه عنوان آخر، من عناوين عدة، عن الرؤية الوطنية الراسخة لذلك الزعيم السياسي التقدمي المغربي، من قضية وحدة التراب المغربية. الرؤية المسنودة بوعي استراتيجي عن حق المغرب والمغاربة في الدفاع عن وجودهم الطبيعي كأمة وكبلد وكدولة، ضمن منظومة العلاقات الدولية، في بعدها المغاربي والإفريقي والغرب متوسطي. وإذا كانت مداخل مقاربة شخصية من وزن وقيمة الراحل عبد الرحيم بوعبيد، متعددة، فيها الوطني، والإقتصادي، والحقوقي، والقانوني، والسياسي، فإن الجزء الخاص بقصته مع تطورات ملف الصحراء الغربية للمغرب، يبقى بابا مستقلة، خاصة وقائمة الذات. ممكن هنا، التوقف عند 4 محطات كبرى منها، تليق عناوين كبرى برؤيته الخاصة لهذا الملف الحيوي، التي فيها مزاوجة بين قوة السند الحقوقي والقانوني، وبين فطنة الرؤية السياسية استراتيجيا ومكر التاكتيك الذي تفرضه سياقات آنية ضمن صيرورة نضالية ممتدة للفوز في معركة وحدة التراب تلك. بل إن من المعلومات المؤكدة لعبه دورا محوريا في تغيير قناعات عدد من قادة الأحزاب الإشتراكية بالعالم حول ملف الصحراء الغربية، لعل في مقدمتهم كلا من الزعيم الإسباني فلليبي غونزاليس والزعيم الإشتراكي الفرنسي ميشيل روكار.
1) الموقف من تسجيل قضية الصحراء سنة 1964 بالأمم المتحدة.
كان الراحل عبد الرحيم بوعبيد، يعتبر أن أول الأخطاء المرتكبة في شكل مقاربة الدولة المغربية لملف الصحراء، هو تسجيلها سنة 1964، ضمن اللجنة الرابعة بهيئة الأمم المتحدة، المعروفة بلجنة تصفية الإستعمار. لسبب وجيه، سيعلنه مرة في مناظرة تلفزية مع القناة الفرنسية الثانية، من أن طبيعة الإستعمار الذي توزع الأراضي المغربية منذ 1912، بتعدد عواصم ذلك الإستعمار الفرنسية والإسبانية والدولية بمنطقة طنجة، أنه كان حماية تمت تحت سقف اتفاقية دولية خاصة ب “القضية المغربية” هي اتفاقية الجزيرة الخضراء لسنة 1906، التي تم فيها وضع خارطة الطريق للتحكم في مصير الدولة المغربية وإنشاء “بنك المغرب”. وأنه الإتفاق الذي تم بحضور الدولة المغربية، التي ظل الإعتراف بوجودها وبنظامها السياسي السلطاني قائما.
بالتالي، فإنه حين كان المغرب يستعيد أراضيه من تلك الإستعمارات المتعددة، فإنه كان يستعيدها باتفاقيات ثنائية بين الدولة المغربية، عبر نظامها السياسي الممتلك للشرعية السياسية والقانونية والتاريخية والشعبية، وبين حكومات الدول المعنية بذلك الإستعمار. وأن ذلك ما تم مع فرنسا يوم 2 مارس 1956، ثم مع إسبانيا يوم 7 أبريل من ذات السنة، وأنه ما تم مع منطقة طنجة سنة 1957. وأيضا ما تم مع إسبانيا لاستعادة مناطق طرفاية وسيدي إفني سنتي 1958 و 1969. وأن يتم تسجيل تلك الإتفاقيات بالأمم المتحدة. بالتالي، فإن استعادة إقليم الصحراء الغربية للمغرب، من الإستعمار الإسباني، يجب أن يتم ضمن نفس الصيرورة، وهو الأمر الذي تم عمليا يوم 28 فبراير 1976، بعد تنظيم المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 1975. وإلى اليوم، فإن التدويل الذي أدخلت فيه قضية وحدتنا الترابية بتلك اللجنة الرابعة، قد كان منذ 1964، وهذا خطأ في رؤية الراحل عبد الرحيم بوعبيد، أكد في مناسبات عمومية عدة، أنه لم يكن يسمح دوما بإثارته كموقف نقدي، حتى لا يشوش على الجهود الوطنية في الدولة وفي المجتمع لاستكمال وحدتنا الترابية. أي أن الموقف الذي ظل يحكمه هنا هو الموقف الوطني، الذي هو سقف أعلى عنده وعند رفاقه وجيله، من السقف الحزبي.
2) اللقاء مع قيادة البوليزاريو بالرباط سنة 1972
من التفاصيل التي بدأت تطل برأسها، مغربيا، عبر وسائل إعلام متعددة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، تلك المتعلقة بقصة تأسيس جبهة البوليزاريو، ومكامن الأخطاء المغربية على مستوى الدولة في معالجتها الأمنية الضيقة الأفق، لتحركات الشباب الصحراويين المغاربة المؤسسين لذلك التنظيم السياسي، المطالبين بتحرير الصحراء الغربية من الإستعمار الإسباني وعودتها إلى وطنها الأم المغرب. بل إنه بالعودة إلى تفاصيل ما سبق ونشره الراحل محمد باهي رحمه الله، حول تلك المرحلة، وكذا بعض ما أكده لي أحد صناع تلك المرحلة سياسيا، من موقعه الطلابي والجامعي (الدكتور فتح الله ولعلو)، وكذا شهادات عدد من الفاعلين الصحراويين (خاصة الشيخ بيد الله وعمر الحضرمي)، سنقف عند لقاءات تمت بين أولئك الطلبة الصحراويين الشباب، الذين كان أغلبهم يدرس بكلية الحقوق بالرباط، بطلب منهم مع قادة الأحزاب الوطنية والتقدمية، خاصة مع الزعيمين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد. وأن من كان يتزعم أولئك الطلبة الصحراويين هو زعيم البوليزاريو ومؤسسها التاريخي، الوالي مصطفى السيد.
عمليا، تم لقاءان بين كل من عبد الرحيم بوعبيد والوالي مصطفى السيد بالرباط، ببيت الزعيم الإتحادي، بحضور وفد محدود من أولئك الطلبة الصحراويين، ضمنهم عمر الحضرمي. وفي اللقائين كان النقاش الوطني والسياسي والتاريخي عميقا ومطولا، ومطالب الشباب الصحراوي المغربي، لأنهم لم يكونوا أبدا حينها ذوي نزوع انفصالية، هو استعادة روح فكرة جيش التحرير المغربي بالجنوب، من خلال طلبهم من الزعيم الإتحادي التنسيق ودعمهم بالسلاح والمال لخلق بؤرة ثورية بالصحراء الغربية، بأفق وطني، بغاية تحريرها من الإستعمار الإسباني وعودتها إلى وطنها المغرب.
كان جواب عبد الرحيم بوعبيد، هو أن من يمتلك السلاح اليوم، هي الدولة المغربية، وأنه يجب التنسيق معها. وكان جوابا لم يقنع الشباب الثوريين الصحراويين، هم الذين كانوا قد حرروا وثيقة تاريخية وسياسية هامة، يؤكدون فيها مغربية الصحراء ويشرحون سياقات احتلالها وآفاق تحريرها. وهي الوثيقة التي وضعت عليها أجهزة الأمن المغربية اليد في خضم حملة اعتقالات سنة 1973، الجديدة ضد الحركة الإتحادية، ولا أحد يعرف مصيرها اليوم، علما أنها وثيقة جد هامة في تأكيد مغربية الصحراء، وأساسا أن الموقف الأصلي لجبهة البوليزاريو وقادتها هم الدفاع عن مغربية الصحراء.
3) عدم التحمس للمسيرة الخضراء.
من الأمور التي ليست سرا، أن الراحل عبد الرحيم بوعبيد، لم يكن متحمسا كثيرا لفكرة المسيرة الخضراء، في مقابل تحمس الشهيد عمر بنجلون لها (دائما يذكر الدكتور ولعلو بافتتاحية شهيرة لبنجلون بيومية “المحرر” التي عنوانها “ولتكن هذه المسيرة”، وأنه هو رحمه الله من اقترح أن يكون الراحل محمد منصور بصفته من قادة المقاومة ممثلا للقيادة الإتحادية بالمسيرة). لأن فكرة بوعبيد، كانت هي تحرير الصحراء عبر دعم حركة تحرير شعبية هناك، بذات الخلفية التي كانت لجيش التحرير المغربي بالجنوب. هنا نجده يتقاطع مع ذات الفكرة التي قالها للشباب الصحراوي سنة 1972، أنه مع تحرير الصحراء بالتوازي بين المقاومة المسلحة والتفاوض السياسي المباشر مع الدولة المستعمرة، لكن من يشرف على أمور السلاح هي الدولة المغربية. وأيضا لسحب البساط من أطراف إقليمية تحاول اللعب على ذات الورقة ضدا على المصالح الحيوية للمغرب وحقوقه التاريخية والقانونية في صحرائه الغربية.
أكثر من ذلك، سنجد أن عبد الرحيم بوعبيد، كان من المدافعين عن فكرة تقسيم الصحراء، ضمن نفس الحساب الجيو ستراتيجي مع موريتانيا، لسحب البساط عن الحسابات الإسبانية والجزائرية، وأيضا لترسيخ المحور الإستراتيجي بين المغرب وعمقه الإفريقي عبر موريتانيا. هنا تبرز براغماتية الرجل كزعيم سياسي.
4) طرح فكرة الحكم الذاتي منذ 1976
من الوثائق التاريخية الهامة حزبيا، التي كان مهندسها الراحل عبد الرحيم بوعبيد، ذلك البيان التاريخي الشهير للجنة المركزية لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية يوم 4 أبريل 1976، المنعقدة ببني ملال، التي فيها طرح جريئ لفكرة منح حكم ذاتي لإقليم الصحراء الغربية للمغرب، بكل ما جره على الرجل والحزب من ردود فعل قوية وعنيفة، بلغت حد التخوين (افتتاحية لجريدة “العلم”). وهو الموقف الذي كان يستند على أن للصحراء خصوصيات ثقافية وقبلية تفرض شكل تعامل سياسي مختلف من قبل الدولة المغربية، مما يمكن اعتباره انتباها مبكرا لفكرة الجهوية بالمغرب من قبل ذلك الزعيم الإتحادي المغربي.
لنتأمل نص مداخلة الرجل أمام أعضاء اللجنة المركزية للحزب تلك:
” استعرضنا أمس بعض المعطيات التي تؤسس خصوصية موقفنا في قضية الصحراء المسترجعة ومسلسل تطورها انطلاقا من الربط الجدلي بين الموقف المبدئي والتطور الحتمي، وإجابة علي بعض التساؤلات التي تطرح في أوساط بعض الشبان والمثقفين حرصا منا على توضيح موقفنا بالنسبة للجميع وتعميق رؤية مناضلينا لمهام المرحلة الراهنة والمقبلة.
هناك تساؤلات أخرى تطرح في هذا المجال نفسه، مجال العناصر التي تميز موقفنا عن موقف القوى الوطنية الأخرى، بخصوص قضية الديمقراطية, وللإجابة عن هذه التساؤلات نبدأ بعرض مختلف المواقف المطروحة في الساحة الوطنية بخصوص قضية الديمقراطية منذ ان طرحت جنبا الى جنب مع قضية الصحراء.
1 – كان هناك من يقول بتأجيل الدخول في التجربة الديمقراطية الى أن تتحرر الصحراء. وموقفنا من هذا الرأي كان – ومايزال – هو هو، واضحا متميزا. لقد ربط مؤتمرنا الاستثنائي ربطا جدليا محكما بين التحرير والديمقراطية والاشتراكية، وانطلاقا من هذا الربط المبدئي ربطنا – مرحليا – بين – الديمقراطية وتحرير الصحراء. وقلنا غير ما مرة ان مسلسل تحرير الصحراء مسلسل طويل متطور لا يمكن أن ينتهي بين عشية وضحاها، ولذلك كان لابد من أجل ملاحقة هذا المسلسل وتوجيهه الوجهة التي تخدم قضية الشعب المغربي في استكمال وحدة ترابه من الاعتماد على مساهمة الجماهير وفعاليتها وديناميتها, لأن ذلك هو وحده الطريق الصحيح الوحيد الذي يضمن السير بمسلسل التحرير إلى نهايته مهما كانت التطورات والمفاجآت.
ان تمكين الشعب من التقرير والمراقبة والسهر على التنفيذ سيجعل المواطنين يشعرون بوعي بثقل المهام المطروحة، وبضرورة تحمل التضحيات اللازمة، فضلا عن أن ذلك في حد ذاته يشكل جوابا على الانتقادات التي توجه بحق أو بغير حق الى المغرب. ان التحرير في اطار من الديمقراطية الفعلية الحقيقية، وبواسطتها سيعطي للمغرب وجها آخر سواء على صعيد المنطقة أو على الصعيد العالمي كله. الوجه الذي مازال يفتقده منذ الاستقلال.
من أجل ذلك نادينا وننادي بأن النضال من أجل تحرير الصحراء وباقي الأجزاء الاخرى من التراب الوطني لا يتناقض قط مع البناء الديمقراطي الحقيقي، بل بالعكس، إن هذا البناء الديمقراطي الحقيقي هو الشرط الضروري الذي يعطي لعملية التحرير مضمونها الحقيقي. وهذا شيء واضح لا يعاند فيه إلا من يصدر في آرائه عن حسابات أخرى.
2 – ومن جملة هذه ««الحسابات الأخرى«» حساب يحاول أن يخفي مراميه الحقيقية تحت شعار »«الحكومة الشعبية أولا»» و »«التغييرات الجذرية ثانيا» »و ««التهيؤ للانتخابات ثالثا»» ثم أخيرا – وربما ليس آخرا – الانتخابات نفسها. ان هذا الموقف ينطوي على عدة خلفيات وحسابات نرفضها، من جملتها:
* انه موقف يصدر من نظرة وسلوك يفرضان الوصاية على الجماهير. إن لسان حال هذا الموقف يقول: يجب أن أختار أنا للجماهير قبل أن أمنحها حقها في الاختيار.
*انه موقف يجعل الجماهير موضوعا للتغيير لا ذاتا تمارس التغيير بشكل جدلي على نفسها وعلى الأوضاع التي تعاني منها. انه موقف لا يختلف في شيء عن المواقف التي تدعي«الاصلاح«و ««الاشتراكية«» من فوق كما حصل في الجزائر ومصر. ان ما تقرره جماعة من فوق، وفي غيبة عن الجماهير يمكن ان يقرر عكسه اشخاص آخرون، ومن فوق، وفي غيبة عن الجماهير ونضالاتها ردود فعلها.. والأمثلة واضحة.
* انه أيضا موقف ذاتي- انتهازي – الموقف الصادر عن الشعور بالضعف، والذي يجعل الحصول على مقاعد برلمانية هدفا له من الديمقراطية والانتخابات..
انه موقف نرفضه جملة وتفصيلا.. وقيام الاتحاد الاشتراكي، والمؤتمر الاستثنائي من العناصر الجوهرية التي تميزنا عن هذا الموقف.
3- وهناك موقف آخر، يستنسخ بعض التجارب الخارجية، ويتمسك بالشعارات، شعارات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تمسكا جامدا استاتيكيا. انه الموقف الذي يرى في المرحلة الراهنة التي تجتازها بلادنا ما يطلق عليه اسم «مرحلة الثورة الديمقراطية والوطنية», ناقلا شعارا صالحا لظروف معينة وفي فترة زمنية معينة وفي بلاد معينة دون النظر الى حقيقة الوضعية السائدة في بلادنا ولا اعطاء المعطيات الخاصة بالوضعية المغربية ما تستلزمه من اعتبار خاص.
اننا نرفض هذا الموقف لأنه يهمل الخصوصية ويقتل الديالكتيك ويحول دينامية الاحداث الى قوالب جامدة. ان شعار «مرحلة الثورة الوطنية والديمقراطية» لا ينطبق على بلادنا كما هي الآن.
ليست المعركة الوحيدة الدائرة في بلادنا اليوم هي معركة بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية المالكة لوسائل الإنتاج. ان الصراع في بلادنا ليس صراعا ثنائيا على هذا الشكل. انه صراع متعدد الواجهات, صراع مع الاستعمار ومخلفاته، صراع مع النفوذ الامبريالي العالمي، صراع مع بقايا الاقطاع وفلول الرجعية، صراع بين برجوازية طفيلية لا تنطبق عليها مقولة »البورجوازية الوطنية« وحيث لا توجد بورجوازية وطنية حقيقية تملك وسائل الانتاج وتستحوذ على ازمة السلطة السياسية والادارية، تنقد مقولة »«الثورة الديمقراطية والوطنية» »كامل معناها. على أن شعار «الثورة الديمقراطية والوطنية»، ليس، ولم يكن، صالحا في كل وقت حتى عند أولئك الذين نادوا به وطبقوه في مرحلة ما من مراحل كفاحهم. إنه خاضع في وجوده وعدمه، في صلاحيته وعدم صلاحيته، لدينامية الاحداث، خاضع أكثر لخصوصية المجتمع وميزان القوى.
إن الذين يتمسكون بهذا الشعار بحسن نية أو بدافع حسابات معينة نقول: هل تعتقدون أن وسائل الإنتاج في المغرب الراهن هي في يد بورجوازية وطنية حقيقية؟ هل تعتقدون أن الصراع الاجتماعي السياسي الايديولوجي الآن في بلادنا يتحكم فيه فقط التناقض بين البروليتاريا والطبقة الرأسمالية «المغربية» ـ إن كانت موجودة ـ تقوم فعلا بدورها التاريخي في تصنيع البلاد، وتطوير وسائل الإنتاج، ومن ثمة فرز طبقة بروليتالية أكبر عدداً وأعمق وعيا؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة بالنفي أو الإيجاب هو الذي يقرر مصير شعار« «الثورة الديمقراطية والوطنية» »في بلادنا خلال المرحلة الراهنة من تطورها.
4 ـ وهناك موقف آخر يرفض الدخول في أية تجربة ديمقراطية في ظل الأوضاع القائمة. ويرى أن تغيير الأوضاع مقدمة ضرورية لإقامة تجربة ديمقراطية حقيقية. وإلى هؤلاء نورد هذه الحكاية التالية:
يحكى أن جماعة من الفئران اجتمعت في أحد الغيران وأخذت تتداول في الكيفية التي تمكنها من الإفلات من مخالب القط الذي ينتظرها كلما خرجت من الغار. وبعد المداولة استعصى عليها إيجاد الحل. فقام فأر صغير ولعله «متياسر» وقال: لدي حل. يجب أن نعلق جرساً في عنق القط بكيفية تجعله يقرع كلما تحرك القط. فبهذه الطريقة تعلم بوجود القط بمجرد تحركه، فنتجنب طريقه ونبقى سالمين.
فرحت الفئران بهذه «الفكرة الجهنمية» واعتقدت أنها تغلبت على المشكلة. ولكن فأراً كبيراً «ولعله مناضل خاض تجارب عديدة» قام وقال: إن المشكلة الأساسية هي: من سيعلق الجرس في عنق القط. نعم من سيعلق الجرس؟
إنه السؤال المطروح. السؤال المعروف بـ: «ما العمل؟». السؤال الذي يجيب عنه اختيارنا الديمقراطي الاشتراكي. الديمقراطية هدف ووسيلة. مسلسل النضال من أجل الديمقراطية من الممكن جداً أن يؤدي إلى البناء الديمقراطي للاشتراكية، خصوصاً إذا كان ذلك في إطار العمل مع الجماهير وفي صفوفها: جماهير العمال والفلاحين والصناع المهنيين والتجار الصغار وكافة فئات الطبقة الكادحة المحرومة.. أما “العمل” في حلقات ..فلن يؤدي إلا إلى حلقات مفرغة.”.
في بيان اللجنة المركزية تلك، نقف عند وضوح سياسي أكبر، يكاد تأمل تفاصيله، يجعلنا نقتنع أنه لا يزال ممتلكا لكل راهنيته اليوم، وأن رؤية عبد الرحيم بوعبيد السياسية، لا تزال قوية، كونها مسنودة بوعي تاريخي ويقين وطني، وفطنة قانونية ووضوح رؤيوي. فبعد أن ذكر البيان بسياقات اغتيال الشهيد عمر بنجلون، نجده يؤكد على ما يلي:
“إن التحاق رفيقنا عمر بركب الشهداء الذين وهبوا أرواحهم في سبيل الوطن وفي سبيل كرامة الجماهير المغربية, ليزيدنا اعتزازا باستمرار حزبنا في المساهمة في فداء الوطن وشعبه الكادح، خصوصا وقد جاءت لحظة استشهاد عمر في وقت تقدم فيه بلادنا مزيدا من التضحيات والفداء في سبيل استكمال وحدة ترابها وتحرير قسم من شعبها، وإننا إذ ننحني بهذه المناسبة، إجلالا لأرواح شهداء الوحدة الترابية نحيي بتقدير واعتزاز جنود وضباط القوات المسلحة الملكية الذين يفدون بدمائهم وأرواحهم وحدة ترابنا الوطني، ويقفون صامدين يقظين دفاعا على بلادهم وكرامة شعبهم، مثلما وقفوا بالأمس وقفة المغربي الشجاع أمام جيوش الصهاينة في الجولات وقناة السويس, مدافعين عن أرض العروبة وكرامة الأمة العربية، إننا نحييهم ونكبر فيهم الاستعداد التام لفداء الوطن وأهله، ونعتز بكونهم يجسدون الآن في كل يوم وليلة، القيم الأصيلة لشعبنا، ويعكسون بحق وجدارة الروح النضالية التي طبعت عبر تاريخ بلادنا، تحركات الجماهير المغربية كلما تعرض ترابها الوطني إلى التهديد والعدوان.
على أن مسلسل التحرير الذي فجرته جماهير شعبنا بتعبئتها سياسيا، وأخذت تصونه وترعاه قواتنا النظامية بتعبئتها عسكريا – بقطع النظر عما تخلله من ملاحم جماعية وبطولات فردية – يجب تقييمه من خلال الأبعاد التاريخية التي يضيفها على المرحلة الدقيقة التي تجتازها بلادنا في المرحلة الراهنة من كفاحها وتطورها، تلك الأبعاد التي ستكيف، لا محالة حجم ومضمون دورنا على الساحة العربية والافريقية وفي منطقة البحر الأبيض المتوسط خاصة، وعلى مساحة النضال العالمي من أجل الديمقراطية والاشتراكية بكيفية عامة.
أن بروز الجماهير المغربية كقوة فاصلة في معركة المصير التي تخوضها بلادنا قد أعطى الدليل لخصومنا، قبل أصدقائنا، على أن جميع فصائل الشعب المغربي الكادح لم تنل منها ما عانته من أساليب التزوير لإرادتها، وكبت لتطلعاتها، ومسخ لأهدافها، وقمع لتنظيماتها. بل لقد ظلت روح المقاومة لديها وقادة متحفزة، وظل حسها الوطني يزداد وعيا وعمقا. وهكذا استطاعت الانتفاضة الشعبية الكبرى، التي عرفتها بلادنا من أجل تحرير الصحراء ومواجهة التحديات الخارجية، والتي انطلقت من التحركات المكثفة التي قامت بها الأحزاب الوطنية وفي مقدمتها الاتحاد الاشتراكي الذي لم يكن قرار الحظر قد رفع عنه بعد، وتوجت عبر المسيرة الشعبية بانفساح المجال المسلح، استطاعت تلك الانتفاضة الكبرى تصحيح الأخطاء والهفوات التي تسببت فيها أعوام من الديبلوماسية السرية ومهادنة المستعمر وسياسة الانعزال عن الجماهير والاستخفاف بمقدرتها ووعيها.
لقد تمكنت بلادنا بفضل التعبئة الجماهيرية وما تخللها من تضحيات مازالت مستمرة أن تحرز على مكاسب هائلة لا يعادلها في أهميتها إلا ما يفرضه الحفاظ عليها من جهود وجدية وما تتطلبه الآفاق التي انبثقت عنها من تحولات عميقة في المناهج والعقليات التي تستمد منها السياسة الرسمية في بلادنا اتجاهها وأسلوبها.
فعلى صعيد هذه المكاسب نسجل:
*التبخر الفعلي لأسطورة تقرير المصير التي تبناها المستعمر، وذلك نتيجة خوفه – أمام صلابة الإرادة الشعبية في المغرب – من انعكاس مضاعفات الوضعية في الصحراء على نظام ما بعد (فرانكو)، مما أدى إلى اتفاق مدريد وقيام السلطة المغربية في صحرائنا الجنوبية الغربية.
* الرجوع بعلاقاتنا مع موريتانيا الشقيقة إلى وضعها الطبيعي وسلوك طريق يربط حاضر شعبنا بماضيهما مما فتح آفاق التعاون والتضامن بين الشعبين على أساس نفس المقومات التي كانت تجمعهما في الماضي، مع مراعاة المعطيات المتولدة من التاريخ المعاصر للمنطقة وجدلية الترابط ما يحق لنا، نحن الاتحاديين على الخصوص أن نعتز به كل الاعتزاز وأن نواصل العمل من أجل
الدفع بمسلسل التضامن والترابط بالشكل الذي يحقق لشعوب المنطقة جنوبا وشمالا، شرقا وغربا وحدتها المصيرية، وحدة المغرب العربي التي نعتبرها ضرورة تاريخية، اجتماعية واقتصادية وثقافية.
* تمركز جنودنا وضباطنا البواسل أعضاء القوات الملكية المسلحة، في جميع المراكز الحيوية في صحرائنا المسترجعة، ووقوفهم بكل عزم وتصميم في وجه العدوان مهما كان.
إن هذه المكاسب الثمينة قد خلفت وضعية لا تقبل الارتداد الى الوراء، على الرغم من استمرار التهديد والعدوان، ولكنها وضعية ستظل مهزوزة ما لم تعزز، على المستوى السياسي، بما يتطلبه تركيز هذه النتائج، وما يقتضيه جعل حد حاسم للتضحيات الحالية والمتوقعة التي يتحملها أبناء شعبنا الساهرين على مغربية الصحراء.
إن إصرار حكام الجزائر على إقحام أنفسهم في قضية صحرائنا، واتجاههم في ذلك وجهة العداء الصريح والعدوان المكشوف، وجهة الزج بالمنطقة في مخاطر الحرب العسكرية والديبلوماسية، كل ذلك قد يؤدي الى تطورات من شأنها أن تجر شعوب المنطقة الى الهاوية. ولذلك أصبح من الضروري اتخاذ التدابير الكفيلة بتطويق الخطر وتجاوز مخلفات الصراع والدفع بالأحداث في اتجاه إيجابي بناء.
إن تحركات الحكام الجزائريين ومشاريعهم التوسعية التي يجب اعتبارها على حقيقتها، أي كممارسات تحددها طبيعة النظام اللاديمقراطي اللاشعبي القائم هنا وهناك، لا يمكن أن يخفي أهدافها القريبة والبعيدة، اختلاق الحركات المزيفة والمؤسسات الصورية أو التذرع بشعار »«الشعب الصحراوي«» ومبدأ »تقريرالمصير«.انها تحركات سيكون مآلها الفشل حتما إذا عرفت بلادنا كيف تبني سياستها وعملها في مختلف المجالات على أساس التفتح المخلص على الجماهير المغربية بما في ذلك جماهير الصحراء نفسها. إن هذا التفتح الحقيقي والمخلص هو وحده القادر – في ظل الظروف القائمة حاليا – على خلق شروط التعبئة الديمقراطية الحقة والشعارات المضللة التي ينخدع بها اليوم أكثر من واحد، خصوصا بين صفوف شبابنا الصحراويين.
كما أن المحاولات الرامية الى تطويق بلادنا ديبلوماسيا، والزج بالمنطقة كلها في الوقوع في شباك حسابات الدول العظمى، وبالتالي القضاء على حظوظ بناء مغرب عربي موحد ومتحرر، ستفشل هي الأخرى حتما إذا عرفت بلادنا – التي أصبحت اليوم تتمتع بإمكانيات أكبر – كيف ستستثمر بكل جدية ومسؤولية وزنها الحضاري ومؤهلاتها الجغرافية و طاقاتها البشرية والاقتصادية في اتجاه تقدمي يمكنها من ممارسة إشعاعها على الساحة العربية والإفريقية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط كلها، علما بأن الجدية والمسؤولية في هذا الشأن – سواء تعلق الأمر بالإدماج الفعلي والضروري لفئة الشباب الصحراوي المغرر به، وللعناصر المتحفظة ازاء الحكم في البلاد، أو كان يتعلق باستقطاب الرأي العام الدولي لصالح قضيتنا الوطنية – لا تقاسان بمدى صدق نوايا الحاكمين أو قوة الحجج المدلى بها أو كثافة التحركات الديبلوماسية رغم أهميتها. أن الجدية والمسؤولية في هذا المجال انما تتحددان بشروع بلادنا عمليا في اجراء التحولات الكفيلة بتغيير وجه المغرب في الداخل والخارج في اتجاه يحرك التعاطف ويفرض الثقة والاحترام.
إن صيانة وحدتنا الترابية واستكمال تحرير ما تبقى من ترابنا الوطني تحت السيطرة الأجنبية يتطلبان توفير شروط مناعتنا العسكرية وحرية تصرفنا على الصعيد الخارجي، الشيء الذي يقتضي منا اليوم وغدا بذل مجهودات جبارة وتضحيات كبيرة لا يمكن تسديدها بمساعدات خارجية، ولا بارتباطات تدخل في التوزيع العالمي لمناطق النفوذ. إن ذلك يتنافى كلية مع عدم التبعية الذي أقره المغرب منذ الاستقلال منهجا له وسلوكات، ذلك المبدأ الذي لا يمكن أن تتقاعس الجماهير المغربية في الحفاظ عليه. هذا فضلا عن أن الدوران في فلك من الأفلاك الدولية لم يعد اليوم يفيد فتيلا. فالتحالفات الدولية لا تتحكم فيها اليوم الاعتبارات الايديولوجية ولا أشكال الأنظمة الاقتصادية أو السياسية، وإنما تتحكم فيها المصالح الاقتصادية والحسابات الاستراتيجية. ولذلك فالطريق الوحيد لتحقيق أهدافنا الوطنية واسترجاع مكانتنا الدولية هو الاعتماد علي جهودنا الذاتي لضمان تواجدنا كقوة عسكرية قادرة على فرض حقوقنا وكقوة اقتصادية وسياسية تحظى برضى الشعب أولا، وبتعاطف قوى التقدم في العالم ثانيا. وهذا أمر لا يمكن أن نصل إليه إلا بإدخال تغييرات جذرية عميقة على هياكلنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على طريق التحرير والديمقراطية والاشتراكية: تحرير الاقتصاد، وديمقراطية المؤسسات، واشتراكية الانتاج والتوزيع.
إن الوطنية الحقة تفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى القيام بالتحولات الضرورية على مستوى تشريك وسائل الانتاج وتوزيع الدخل الوطني توزيعا عادلا واتباع تخطيط انمائي ديمقراطي يدشن عهدا لا تكون فيه الجماهير مجرد آلة تستعمل ظرفيا وعند الحاجة في حين تبقى في وضعية دائمة من الفاقة والاستغلال.
في هذا الإطار طرحنا ونطرح الديمقراطية كغاية ووسيلة. إننا لا نطالب بديمقراطية شكلية تكرس الاستغلال الطبقي في جو من الليبرالية المزعومة والتنافس الحزبي المزيف الذي يتيه بأهداف الجماهير في متاهات المزايدات الفارغة، والمساومات على الكراسي على حساب الشعب ونضالاته ومطامحه. ان الديمقراطية بالنسبة إلينا لا يمكن فصلها عن التحرير والاشتراكية: آنها غاية لأننا نؤمن بالبناء الديمقراطي للاشتراكية، وهي وسيلة لأن طريق الاشتراكية لن ينفذ إلى أعمق أعماق الجماهير إذا لم نفسح المجال لهذه الجماهير لتمارس حقها في التقرير والتنفيذ.
ولذلك فإن نضالنا من الديمقراطية مفهومة على هذا الشكل، ليس وليد ظروف عابرة، بل إنه الطابع الذي طبع تحركات حزبنا في الماضي كما سيطبعها في المستقبل. إن نضالنا من أجل الديمقراطية واعطاء الكلمة للشعب سيستمر مهما كانت الظروف ومهما تقلبت الأحوال، لأننا نؤمن بأن الجماهير التي هي مصدر السيادة – مصدرها الوحيد المشروع – هي وحدها القادرة – متى تحررت من النزيف والحجر – على الوقوف أمام التحديات مهما كانت بما يلزم من الصلابة والتضحية والأفق التاريخي».