في هذا اليوم يستحضر الاتحاديون وكافة التقدميين المغاربة ذكرى الفقيد العزيز عبد الرحيم بوعبيد الذي رحل عنا إلى دار البقاء منذ ربع قرن، وهي فترة زمنية عرف خلالها المغرب تحولات عميقة وتحديات جديدة، من المؤكد أننا نحتاج اليوم في مواجهتها إلى استلهام العبر الضرورية من زعامة عبد الرحيم وخصاله النضالية الرفيعة.
لذلك بعثت القيادة الاتحادية إلى كافة أجهزة الحزب في الجهات والأقاليم مذكرة توجيهية تحث على تنظيم لقاءات فكرية وسياسية تليق بذكرى الفقيد، وتستحضر مواقفه التاريخية وأفكاره المستنيرة في مجال الدفاع عن القضية الوطنية والنضال من أجل الحرية والديمقراطية.
ومما لا شك فيه أن الاتحاديات والاتحاديين وهم يحيون الذكرى الخامسة والعشرين لوفاة الزعيم عبد الرحيم بوعبيد، يدركون ما معنى أن يكون القائد الحزبي زعيما، ويفهمون أكثر من غيرهم كيف تكون الزعامة كما في الحالة البوعبيدية، نتاجا لشخصية جذابة حاملة لقوة إقناع هائلة، وذلك بما يتيح لهذه الشخصية تعبئة الناس في إنجاز مشروع تاريخي طموح.
ولعله من دلائل ذكاء المغاربة وقدرتهم على التمييز بين الزعيم وغير الزعيم أنهم اختصوا شخصيات معينة بلقب الزعيم دون آخرين ممن كانوا على مسرح الحياة السياسية في المغرب، كالزعيم عبد الكريم الخطابي والزعيم علال الفاسي والزعيم المهدي بنبركة والزعيم عبد الرحيم بوعبيد، ولم يخلعوا اللقب نفسه على سياسيين معاصرين لهم.
الاتحاديات والاتحاديون وهم يترحمون اليوم على زعيمهم التاريخي عبد الرحيم بوعبيد، يميزون أشد ما يكون التمييز بين من يتزعم ومن يزعم ، لأنهم ببساطة يعرفون أن الزعيم هو الذي يمتلك الرؤية الواضحة ويتوخى الهدف الثابت، هو الذي يثق في نفسه ويبعث الثقة في من حوله.
غير أن العقلانية الاتحادية تدرك أيضا تمام الإدراك أن المؤهلات الشخصية للزعيم ليست سوى منطلقات تستدعي بالضرورة من الزعيم أن يقنع الآخرين برؤيته، وأن يستطيع إلهامهم وتعبئتهم من أجل بلوغ الغاية المنشودة، فالزعيم يحتاج إلى من يلتف حوله ومن يسير على خطاه، وبدون كتلة بشرية منظمة ومقتنعة لا يمكن أن يصير القائد زعيما.
الاتحاديون البسطاء والمناضلون الأوفياء، الصامدون في الجبال والسهول، في الحواضر والبوادي، يدركون أنهم بتضحياتهم وبوفائهم صنعوا زعامة الفقيد عبد الرحيم بوعبيد، ويدركون أن ذلك النهر البشري الجارف الذي خرج في الرباط منذ ربع قرن لتشييع جثمان عبد الرحيم بوعبيد، هو الذي توج الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية زعيما وطنيا كبيرا.
تجزم الحداثة السياسية أن القائد لا يخلع على نفسه لقب الزعيم، وإنما تخلع عليه الجماهير هذا اللقب تقديرا منها لمواقفه، بهذا المعنى أصبح عبد الرحيم زعيما في عيون الاتحاديين وعموم التقدميين الذين خلعوا عليه صفة “الزعيم” ، وذلك لأنه ألهمهم وجسد تطلعهم نحو التحرر والديمقراطية، ولعلنا نلاحظ أن صفة “الزعيم” هذه لم يحظ بها غيره من قادة الحركة الاتحادية، فعندما كان عبد الرحيم يقف شامخا لمؤازرة رفاقه في المحاكمات الصورية في سنوات القهر والقمع صار زعيما، وعندما صاح ربي السجن أحب إلى من ألا أقول الحقيقة دخل قلوب الجماهير زعيما شامخا، وعندما كان يواجه بشجاعة وحكمة مختلف الأزمات التنظيمية التي عاشها الاتحاد كان زعيما حقيقيا كما يجدر بالزعماء الأوفياء .
في هذه المناسبة أيضا لابد أن تستحضر الأطر الاتحادية كيف أن زعماء اشتراكيين كبارا من أصدقاء عبد الرحيم بوعبيد أمثال ويلي براندت، وبيير موروا، وأولوف بالمي، صاروا بعد رحيلهم جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية لمجتمعاتهم، وحملت أسماءهم اللامعة مؤسسات وطنية تحفظ إرثهم التاريخي وتضعه رهن إشارة الأجيال الناشئة بعيدا عن أي حسابات ضيقة أو استثمارات شخصية.
لذلك لابد من التأكيد اليوم على أن عبد الرحيم بوعبيد المعلمة الشامخة في الذاكرة الجماعية للشعب المغربي، لا يمكن اختزال رمزيته فى إرث عائلي، أواحتكار رصيده الزاخر في بنية قرائبية، أو تحويل ذكراه إلى حائط مبكى يلوذ به أصحاب النفوس الضعيفة الذين أصابهم العياء من النضال الديمقراطي.
إن الذين انسحبوا من ميدان النضال بعد أن «غسلوا أيديهم» لا يمكن أن يزعموا اليوم بأنهم يستطيعون أن يفعلوا الأفاعيل بذاكرة عبد الرحيم، لأنهم ببساطة أضعف من أن يهشوا على بعوضة، ولأن ما يأتونه من أفعال يندرج في باب الزعم وليس الزعامة، أي الزعم بالقيام بشيء دون امتلاك القدرة على فعله.
إن قيمة القيم وذروة المواطنة هو احترام روح الفقيد، والترفع عن استثمار اسمه وتسويق رمزيته، هو التعفف عن استغلال ذكراه من أجل تجريب مشاريع عابرة ضمن ظرفية عابرة.