من ابرز ما تضمنه الدستور المكانة التي أولاها للمجتمع المدني وللجمعيات حيث أقر فصله 12 بأنها تساهم ، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة.
وتعد الجماعات الترابية والمؤسسات الإستشارية أحد أهم مجالات العمل التشاركي . وبالفعل تضمت القوانين التنظيمية للجهات والعمالات والاقاليم والجماعات مواد تتعلق بهذه الشراكة إنطلاقا من الفصل 139 من الدستور الذي نص على أن مجالسها مطالبة بوضع آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها.
على مستوى الجماعات هناك “هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع”.ومهمتها: ” دراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع . وبالنسبة للجهات تحدث لدى مجلسها ثلاث هيئات استشارية:هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع . وثانية تختص بدراسة القضايا المتعلقة باهتمامات الشباب.وثالث هذه الهيآت بشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين بالجهة تهتم بدراسة القضايا ذات الطابع الاقتصادي.أما فيما يتعلق للعمالات والأقاليم فتحدث هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني ل” دراسة القضايا الإقليمية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع “.
إذن هناك مكتسبات مهمة للمجتمع المدني وللجمعيات على مستوى التشريع هي نتيجة مرافعات ومذكرات ومطالب وتجارب حتى لا تستبد الديمقراطية التمثيلية بتدبير مطلق للشأن العام في مستوياته الترابية أو المؤسساتية . وحتى يستفيد هذا الشأن من خبرات وأرصدة العمل المدني الذي أنتج مقاربات ورسخ مبادئ وقيم هي اليوم شرط واقف لأي تقدم وتنمية بشرية وديمقراطية محلية كانت أو وطنية.
لكن ونحن في السنة الثانية من ولاية الجماعات الترابية التي تم انتخابها في الرابع من شتنبر 2015 ما هي حصيلة إحداث آليات الحوار والتشاور؟
إن المعطيات المتوفرة تفيد بأن هناك تجارب حرصت على أن تتمتع هذه الهيآت باختصاصاتها لكن هناك تباينات وانحرافات وانزلاقات متعمدة في العديد من الحالات:
أولا ؛ جل الجماعات الترابية أنتجت هيآت ليست في مستوى النص الدستوري والتنظيمي . إذ ساد انتقاء الجمعيات والفعاليات حسب العلاقات المصلحية والانتماءات السياسية بل وحتى القرابة العائلية.
ثانيا؛ تم تمييع هذه الهيآت وتعويم اختصاصاتها بعيدا عن الاهداف المتوخاة . وإخضاعها للمنطق البيروقراطي وللتفسير الضيق لأدوار الاستشارة وبالتالي اجهاض مهامها كشريك في القضايا ذات العلاقة بالتنمية وتكافؤ الفرص و…
ثالثا؛ هناك عدة جماعات تتلكؤ في إحداث هذه الهيآت إذ تعتبرها عبئا إضافيا أو تنظر اليها بعين الريبة وتعتبر أن الشراكة مع الجمعيات والمجتمع المدني بمثابة المراقبة وتخشى من تواجدها ك”آلية” للشفافية والنزاهة …
إن المعنيين مباشرة بهذه الهيآت مطالبون اليوم بالحرص على أن يتم إحداثها طبقا لروح الدستور وللأدوار الجديدة للجماعات الترابية . كما أن على المسؤولين بأن يعتبروا بأن أليات الحوار والتشاور قيمة مضافة من أجل تدبير ناجع وتنمية حقيقية.