منذ أكثر من أسبوع والعالم يتأمل تضاريس سنة سيودعها اليوم ليستقبل غدا سنة جديدة هي 2017. في وسائل الإعلام يتم البحث عن الآثار التي خلفتها 2016 وأي «أخاديد» حفرتها في زمنها والجروح التي فتحتها أو لم تكن لها القدرة على مداواتها . ماهي إيجابيات السنة وما هي سلبياتها؟ وماهي قيمتها المضافة وانتكاساتها؟؟إن على الصعيد العالمي أو المحلي…
هناك أربعة مجالات برزت في السنة التي نودعها وأرخت بظلالها على زمنها ، هناك قضايا عديدة قد تكون ذات أهمية وشغلت العالم .. لكننا سننتقي منها الأكثر تأثيرا واهتماما:
أولا، 2016 كانت سنة مجللة بالدم،عاشت فيها البشرية على إيقاع تفش متواصل لظاهرة الإرهاب، فحيثما وضع الإنسان قدمه لا يدري ما إذا كان هناك لغم سيفجره ، وحينما يخطو فإن هناك احتمالا أن شخصا يحمل حزاما ناسفا سيحول جسده إلى أشلاء .. أو سكينا يجز رأسه أو شاحنة تدهسه…
هي سنة القتل بالمفرق وبالجملة احترفه الإرهابيون خلايا وذئابا منفردة ، إذ سعوا إلى تحويل بهاء الحياة التي منحها الخالق لكائناته إلى موت بأبشع الطرق والوسائل، في تعارض مطلق مع النص الديني الذي ورد في الكتب السماوية والذي مفاده أنه من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا… سنة عمقت وجود فصل جديد بالعالم العربي هو خامس الفصول، عنوانه الدم والدمار والأرض المحروقة بسكانها ومنشآتها ، فصل اجتث بوادر الربيع التي لاحت قبل خمس سنوات في مغرب هذا العالم ومشرقه .
ثانيا، عام 2016 مال إلى يمين اليمين سياسيا وفكريا، فهناك قوى سياسية وزعماء أحزاب وتيارات استلوا شعارات التمييز وأشهروها في رايات العنصرية والعداء للأجانب وللأديان وأساسا الدين الإسلامي.. كانت سنة صراع شرس بين القيم النبيلة المؤمنة بإنسانية الإنسان وبين الخطابات الحاقدة ، بين المبادئ المنبثقة من كونية حقوق الإنسان وبين نزعات الكراهية التي اتخذت من المهاجرين ،مهما كان زمن هجرتهم، هدفا يرمي إلى نصب سياجات فكرية وسياسية وحدودية تجاههم وتجاه بلدانهم، بل وترحيلهم في سياق التهييئ لسياسة تطهير جديدة خاصة بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثا ، شهد المغرب تمارين ديمقراطية في علاقات مشهده السياسي بمكوناته وباستحقاقاته وبديمقراطية هيئاته الداخلية .. وبرزت هناك اختلالات عدة جعلت من قوى سياسية دون حجمها المجتمعي وزمنها التاريخي .. وأثرت على الخطاب السياسي ومرجعياته ومعاجمه ..وأنتجت خرائط خارج وداخل المؤسسات التمثيلية ليست معبرة بالفعل عن الحقيقة، بسبب تدني نسبة المشاركة في الاقتراع واستمرار العزوف، خاصة لدى فئات الشباب ..ومن بين مظاهر تعثر التمارين الديمقراطية واختلالات المشهد ما يعرفه مسار تشكيل الحكومة عقب اقتراع السابع من أكتوبر الماضي…
رابعا ، حرص المغرب على التوجه الإفريقي حيث شهدت سنة 2016 تحركات دبلوماسية لم يسبق لها مثيل على مستوى القارة السمراء .. بعد أن عاث فيها خصوم وحدتنا الترابية كذبا وتزييفا للحقائق. وأبرز هذه التحركات قام بها جلالة الملك محمد السادس شخصيا في أفق استعادة المغرب لمقعده بالتجمع القاري الاتحاد الإفريقي، ومن جهة ثانية توطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية بين دول الفارة، وتعكس الاتفاقات المبرمة بين الرباط ومختلف العواصم الإفريقية ذلك…
هذه بعض أبرز ما شهدته السنة من أحداث، والتي بغروب شمس هذا اليوم السبت سنودع آخر أيامها وسنستقبل سنة جديدة: 2017 ،التي نتمنى أن تكون أقل دموية وأكثر إنسانية على الصعيد العالمي .. أن تصان فيها كرامة الإنسان وتحقن دماؤه وتضع الحروب أوزارها وتسود العدالة الاجتماعية وتلتئم الجروح التي تنزف هنا وهناك، أو كما نصت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على « الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم».
نتمنى أن يترسخ البناء الديمقراطي ببلادنا وأن تتوجه الجهود ،كل الجهود، إلى التنمية وإقرار حقوق الإنسان والحريات الفردية، ويتم وأد الفساد الذي يمس قطاعات، وتتعزز جهود الأمن بالنسبة للأفراد والمنشآت… أو كما نصت ديباجة الدستور» … إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة».