تناول المجلس العلمي الأعلى في دورته الخريفية العادية التي انعقدت نهاية الأسبوع الماضي، عددا من القضايا أدرجها في جدول أعماله، وأبرزها دور العلماء في توثيق التواصل الثقافي والعلمي بين المغرب وإفريقيا، وتعميق النظر في آليات الاشتغال الجهوي، والحسم النهائي في موضوع تزكية القيمين الدينيين …
إن دور هذه المؤسسة الدينية يبرز من خلال الاختصاصات المخولة لها، وتتجلى أبرز مسؤولية لها في ضمان الأمن الروحي للمغاربة، وحراسة الثوابت الدينية للأمة من خلال المجالس العلمية المحلية، كما أنها تعد دستوريا «الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليها، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة».(الفصل 41). لذلك فآليات اشتغال المجلس العلمي الأعلى مركزيا ومحليا يجب أن تنسجم مع كنه الدستور الذي تنص ديباجته على أن «الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء».
من هنا تأتي أهمية القضايا التي أدرجها المجلس وتداول فيها، لأنها أولا تعتبر أن العلماء المتشبعين بمبادئ ومقاصد الدين الإسلامي السمحة والمتشبثين بقيم الانفتاح والحوار والتسامح هم المؤهلون لتوطيد جسور التواصل مع العمق الإفريقي في مواجهة موجات التطرف والغلو التي تغرف من مرجعيات ظلامية متخلفة تعمل على تأويل النص الديني في تناقض مع روحه ومراميه.
لكن قضية «القيمين الدينيين» تعد أبرز قضايا الدورة الخريفية لأنها تتعلق بالعنصر البشري الذي يجب أن تتوفر فيه الشروط التي تنسجم مع القيم والمبادئ والغايات المشار إليها أعلاه، والتي مافتئ جلالة الملك أمير المؤمنين رئيس المجلس العلمي الأعلى يحث عليها ويشدد على ضرورة ترسيخها وإشاعتها. إن مسؤولية هؤلاء القيمين تتجلى في مزاولة مهام الإمامة بسائر مساجد المملكة ومسؤولية السهر على حرمة المساجد المعينين بها، والحفاظ على نظامها، والعـمل على تمكين المصلين من أداء شعائرهم في ظروف من الطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء.. وشبكتهم الوظيفية تتمثل أساسا في إمامة المصلين في الصلوات، وتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، عند الاقتضاء ،والمساهمة في النشاط الثقافي والتعليمي والاجتماعي المنظم بالمساجد ،بكيفية رسمية، والإشراف على برامج التوعية وبرامج محو الأمية التي تقام بالمساجد لفائدة العموم، وتعليم الناس وإرشادهم في أمور دينهم، ما لم يتعلق الأمر بالإفتاء في القضايا ذات الصبغة العامة …
إذن يجب تحصين هذه المسؤولية من كل اختراق واستهداف واستغلال حتى لا يتسلل إليها،عن قصد أو غير قصد، الفكر المتطرف واستقطاب الناس للغلو وللأفكار التي تتعارض مع الدين الإسلامي السمح ومع الهدف الأسمى للرسالة النبوية : « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
لقد برزت في الآونة الأخيرة خطابات من داخل شبكة القيمين الدينيين ومن منابر الخطابة تدعو إلى الكراهية والحقد والتكفير وتنادي بمطالب تتعارض والقانون.. ووقفت السلطات على العديد من أفراد هذه الشبكة يلقنون الأطفال والشباب توجهات ومناهج تزرع في العقول بذور التطرف .. لذلك نتمنى أن يكون المجلس العلمي الأعلى قد زكى قيمين دينيين بانسجام تام مع منظومة القيم الدينية التي تحمي المغرب من الفتن ما ظهر منها وما بطن…