*شهادة المنوني لمجلة الرائد.
إن الرصيد الخصب والمتنوع، للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي كان بوتقة العمل الجماهيري التقدمي الموحد للطلبة المغاربة، وكذا المنجزات التي حققها عبر مسيرته النضالية، في الحقل الطلابي، والوطني، والبصمات التي تركها في أجيال من الأطر، وفي وعيها وإدراكها، على هذا يجعل مهمة الحديث عن هذه المنظمة الطلابية، ولو بإيجاز، ولو في فترة من فترات مسيرتها النضالية، مهمة معقدة وخطيرة في نفس الوقت. لأن ذلك يشكل تاريخا لأحداث ما زالت حية، ومتجسدة إلى اليوم، في صيرورة العمل الوطني التقدمي. إننا نعرف تمام المعرفة، الأهمية التي تكتسيها عملية التعرف على نشأة وأصول وجذور القضايا،لكن ما يهم أكثر في هذا المجال، هو محاولة رصد الأحداث بأمانة، بموضعتها في إطارها التاريخي العام، وضمن الإشكاليات الأساسية الموضوعة على حركة التحرر الوطني.
إن الرصيد الخصب والمتنوع، للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي كان بوتقة العمل الجماهيري التقدمي الموحد للطلبة المغاربة، وكذا المنجزات التي حققها عبر مسيرته النضالية، في الحقل الطلابي، والوطني، والبصمات التي تركها في أجيال من الأطر، وفي وعيها وإدراكها، على هذا يجعل مهمة الحديث عن هذه المنظمة الطلابية، ولو بإيجاز، ولو في فترة من فترات مسيرتها النضالية، مهمة معقدة وخطيرة في نفس الوقت. لأن ذلك يشكل تاريخا لأحداث ما زالت حية، ومتجسدة إلى اليوم، في صيرورة العمل الوطني التقدمي. إننا نعرف تمام المعرفة، الأهمية التي تكتسيها عملية التعرف على نشأة وأصول وجذور القضايا،لكن ما يهم أكثر في هذا المجال، هو محاولة رصد الأحداث بأمانة، بموضعتها في إطارها التاريخي العام، وضمن الإشكاليات الأساسية الموضوعة على حركة التحرر الوطني.
إن طريق التمكن من التجربة الغنية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لا يتخذ بالضرورة منحى فرديا، وأن كان ذلك يساهم في عملية التمكن هاته. لكن ما دامت الخطة الإعلامية لمجلتنا الغراء، مجلة الشباب»الرائد» تقتضي في الظرف الراهن، الرجوع إلى شهادات أطر ومسؤولي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فإنني سأتحدث عن هذه المنظمة من خلال تجربتي في صفوفها، مع وعيي العام، بأن كل شهادة كيف ما كانت تتضمن هامشا، يقل أو يكبر، مما هو جزئي مما هو ظرفي، وحتى هامشا من الطرح الأحادي في بعض الأحيان.
لقد بدأنا العمل الطلابي الجامعي بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في سنتي الأولى الجامعية، أي في 1962/1963، حيث تحملت المسؤولية في تعاضدية كلية الحقوق بفاس. وفي السنة الجامعية 1963/1964 التحقت بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث انتخبت كاتبا للفرع، الذي كان يوجد مقره بأكدال، شارع بوجون آنذاك، قرب الحي الجامعي. وانتخبت ابتداء من المؤتمر التاسع للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي انعقد في صيف 1964 عضوا في اللجنة التنفيذية، التي زاولت بها مهامي النضالية، إلى غاية 1968، حيث حظيت بثقة المؤتمر 12، الذي شرفني بانتخابي رئيسا للاتحاد. وبذلك كان لي حظ المساهمة في حياة هذه المنظمة المناضلة في ظروف دقيقة وعسيرة، كانت تفرض يوميا على المسؤولين والمناضلين في خضم النضال الاجتماعي والسياسي، اختيار طريق الصمود في المواقع التقدمية، وممارسة حرية هذا الاختيار على الساحة العملية بكل تناقضاتها وتحدياتها. فهذه الفترة الممتدة من 1962 إلى 1968، تعد كما يتضح ذلك الآن، أي بعد هذا البعد الزمني الذي يفصلنا عنها، مرحلة بلورة المفاهيم والاختيارات الكبرى للاتحاد الوطني لطلبة المغرب،وللحركة التقدمية عموما.ورغم ما تكتسيه هذه المرحلة من أهمية في مسلسل الوعي الوطني التقدمي، فإنني لن أقف عندها، ما دام أن هناك إخوان لي قد تعرضوا لذلك، سأكتفي بالتطرق إلى ما تضمنته تجربة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من قضايا وإشكالات، وإشكاليات في المرحلة التي كنت رئيسا لهذه المنظمة العتيدة، أي في سنتي 1968/ 1969.
في اعتقادي أن هذه المرحلة، تميزت بظاهرة دقيقة تتلخص في كون التحولات الكمية، التي عرفتها الساحة الطلابية في علاقتها مع التحولات الاجتماعية، هذه التحولات الكمية ، التي ابتدأت منذ أواخر الخمسينات، وبداية الستينات، كعنصر شبه مستتر[داخل البنية السابقة]، من الوجهة النوعية، أصبحت تتوفر على حجم نوعي، ودلالة كبيرة،مكناها من تحديد السمات الرئيسية لبنية نوعية جديدة، أصبح معها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في منعطف، أي في مواجهة قضايا جديدة،قضايا تتطلب منه أن يكون في مستوى الأحداث إذا ما هو أراد أن يحتفظ بهويته التقدمية، وأن يتغلب على الصعوبات في نفس الوقت.
ففي هذه الفترة عرف المجتمع الطلابي ـ كما هو معلوم ـ زيادة مضطرة من الناحية العددية، لكن ما هو أهم من التحول الذي طرأ على نوعية هؤلاء الوافدين من الثانوي إلى العالي.فقبل سنوات، كان أغلب الوافدين على الجامعة، يتعرفون على العمل الطلابي النقابي والوطني بالثانويات، داخل وداديات التلاميذ، التي كان ينظمها ويشرف عليها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. وقد سمحت هذه الوداديات للمنظمة الطلابية، بأن تتوفر على أطر مدربة على الحياة النقابية قبل مجيئها إلى الجامعة، وكذا على قاعدة واسعة ممن تعودوا على شعارات الاتحاد وعلى خطته. إلا أن قرار منع الاتحاد من تنظيم هذه الوداديات، وهو القرار الصادر في سنة 1962غير معطيات العمل الطلابي، وزاد مهمة التأطير صعوبة وتعقيدا. إذ بمرور سنوات بعد هذا القرار، وجدت المنظمة الطلابية نفسها أمام هذه المعادلة الصعبة. ففي الوقت الذي تكاثر فيه عدد الطلاب، وأصبحت الحاجة أكثر من السابق إلى الأطر المدربة، تقلصت إمكانية توفر هذه الأطر، بسبب قرار المنع السابق الذكر.
رافق هذا التطور العددي للمجتمع الطلابي، توسع مرافق التعليم العالي قطاعيا وجغرافيا. قطاعيا،إذ أنشئت عدة معاهد عليا، تقنية جديدة. وجغرافيا، إذ توفرت بعض المدن، كفاس والدار البيضاء، على كليات الحقوق والآداب. والجدير بالذكر، هنا أن هذا التوسع، وضع المنظمة الطلابية وجها لوجه أمام مسؤولية خلق تنظيمات جديدة.
إن هذين التطورين، تحققا في ظل وضعية سياسية طبعتها حالة الاستثناء، ومضايقة الحريات الديمقراطية، بالإضافة إلى ما بدأت تعرفه الحركة الطلابية من تراجع نسبي،لأسباب عدة معروفة.
إن تضافر هذه العوامل الثلاثة، والوعي بها، وبمضاعفاتها عل النضال النقابي،
وعلى مستقبل الحركة الطلابية، دفعا بالمؤتمر الثاني عشر، للاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة1968، إلى الخروج بقرارات متميزة، كان لها الأثر الكبير على مجرى العمل الطلابي. فبالإضافة إلى القرارات التي اتخذها هذ المؤتمر في المجال الوطني، والقاضية بتعزيز التوجه التقدمي للاتحاد، فإنه رسم خطة جوهرية في مجالات التنظيم والعمل النقابي والإعلامي عملنا على تطبيقها.
فعلى الصعيد الوطني، قام الاتحاد الوطني خلال هذه المدة، بعدة إضرابات واسعة، وتظاهرات وتجمعات من أجل التنديد بخنق الحريات الديمقراطية، ومن أجل التضامن مع المعتقلين السياسيين، ومن أجل تنقية الأجواء السياسية، ورفع حالة الاستثناء، ونهج سياسة تحررية …. كما عملت اللجنة التنفيذية، التي كان لي شرف رئاستها، على تجسيد طرح جديد للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية وطنية.
وفي المجال النقابي، بالإضافة إلى التعاضديات المتعددة، والتي اتخذت شكل إضرابات وتجمعات أمام البنايات الرسمية، حول المطالب النقابية العادية، من سكن وزيادة في المنح، وتحسين شروط الدراسة الخ… فقد تركزت مجهوداتنا آنذاك، لحل مشاكل ذات طابع جديد، ظهرت مع التوسع القطاعي، الذي ذكرناه سابقا، والمتمثلة في ضرورة وضع قوانين أساسية للمعاهد والمدارس الجديدة، يساهم في صياغتها الطلبة، تضمن حقوقهم الطلابية، ومستقبلهم المهني، وتساهم في الرفع من مستوى التعليم مضمونا وتربويا. وسأكتفي هنا بالإضراب العام لمدة 3 أيام لكل المعاهد التقنية، والإضراب الذي قام به طلبة المدرسة العليا للأساتذة في فاس، والرباط لمدة 3أسابيع، تخللتها اجتماعات مكثفة. ورغم الاعتقالات والمحاكمات التي استهدفت أطر الاتحاد على الخصوص بفاس، فقد استمرت هذه الحركة، ولم تهدأ مؤقتا إلا بحصولها على المطالب. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، هو أن حركة الإضرابات التي نظمت، لم تكن لذاتها، أي من اجل الإضراب. فبالإضافة إلى المطالب المشروعة والمدروسة، التي قامت من أجلها، كانت مناسبة حية للتداول في مضمون البرامج والدروس ومحتوياتها، انطلاقا من روح نقدية، مما شكل فرصا للتكوين والاطلاع والتسلح بالمعرفة. وكان الطلاب ينكبون خلال هذه الإضرابات،داخل الكليات والمعاهد،على نقد المحتوى الأيديولوجي للبرامج، متوخين إغناء جانبها العلمي والمعرفي، وذلك بتحريرها من كل أيديولوجية استعمارية، وتقريبها إلى الواقع المغربي، وبإخصابها بالمناهج وبالمقترحات الحديثة . ونظمت في هذا السياق، عدة لقاءات مع الأساتذة ونقابتهم.
لكن ما يجب التأكيد عليه، هو أن هذه الديناميكية النقابية، وهذا الحضور الطلابي الواسع في الحقل الوطني، ما كان لهما أن يكونا بذلك الحجم، وبذلك النفس، لولا انكباب الهيئات القيادية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، على إنجاز الإصلاح التنظيمي، الذي قرره المؤتمر 12، والذي ساهم في حل المعادلة الصعبة، التي ذكرت سابقا. فقد سعت المنظمة الطلابية، من خلال انتخاب مؤسساتها، إلى تجذير وجودها، ونشر شعاراتها وبرامجها في أوسع الجماهير الطلابية. وللمرة الأولى، نظمت انتخابات أعضاء التعاضديات على صعيد الأقسام، لا على صعيد الكلية كما كان الشأن من قبل. وعلى غرار ذلك، فإن انتخابات مندوبي المؤتمر، الذي كانت تنظم في السابق على صعيد الفروع، أصبحت تنظم على صعيد الكليات.كما نظمت مجالس المناضلين على صعيد الأقسام والمؤسسات والفروع. ومن آثار هذا الإصلاح التنظيمي على الحياة الديمقراطية الداخلية للاتحاد، هو أن عدد الطلبة المساهمين في انتخابات التعاضدية، تضاعف عشر مرات، أما عدد المساهمين في انتخابات ممثلي الطلاب في المؤتمر، ارتفع مرات وذلك بالنسبة لسنة1967.
والنقطة الجوهرية في هذا الإصلاح التنظيمي، تكمن في التغيير الذي حصل على شكل الاقتراع بالنسبة لانتخابات المؤتمرين، وذلك باستبدال الاقتراع بالأغلبية، بالاقتراع التمثيلي النسبي على اللوائح، وكان الهدف من هذا التغيير، ضمان توازن منصف بين كل القوى الفاعلة في الوسط الطلابي، وتجنب كل توتر من شأنه إضعاف ديناميكية المنظمة وحدة صفها، خصوصا في وقت بدأت التنظيمات الطلابية الحزبية تعرف تشكلات وتكتلات داخلية جديدة. الشيء الذي فرض مرحليا، معالجة هذه الوضعية بالبحث عن ميكانيزم جديد، يضمن التعاون داخل المنظمة انطلاقا من نفوذها الفعلي داخل الوسط الطلابي. وما يجب أن يذكر في هذا الصدد للتاريخ، هوأن المؤتمر 12، عندما تبنى هذا المكانيزم، لم يفعل ذلك لمجرد اعتبارات انتخابية محضة، أو لفيشية جهازية، وإنما كان يتوخى من جهة، تعزيز العلاقات العضوية بين المنظمة الطلابية، أي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وأوسع الجماهير الطلابية، أي سد الطريق أمام كل ما قد يكون متبقيا من الممارسات الفوقية الهامشية. ومن جهة ثانية، خلق تنافس إيجابي وبناء، بين كل الفصائل التقدمية داخل الوسط الطلابي، تنافس يحكمه النفوذ الفعلي، والدناميكية والفعالية، واستقطاب أوسع الجماهير الطلابية، أي كل ما يخدم بطريقة غير مباشرة، المصالح العليا للمنظمة.وبالفعل، لقد عرف المجتمع الطلابي في الفترة ما بين المؤتمرين 12،13 ، جوا من التعبئة المستمرة، والتوعية والنقاش ذي المستوى العالي، حول القضايا النقابية والوطنية، مما أكد مصداقية الإجماع، الذي حصل خلال المؤتمر ،12 حول هذا الإصلاح التنظيمي.
هذه هي باختصار شديد أهم الملامح التي طبعت المرحلة التي كنت فيها على رأس المنظمة الطلابية. ولقد اكتفيت في هذه الشهادة بالتركيز على التوجهات التجديدية، تاركا جانبا الأنشطة الأخرى، من علاقات دولية، وتنسيق مع القوى الوطنية والتقدمية، في القضايا الجوهرية….لقد توخيت إبراز الدور الحقيقي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والذي هو بالفعل، دور تاريخي إيجابي، دور بلغ من الأهمية ومن الإشراق، ليصبح بجدارة وحق، مكتسبا وطنيا، يحق لكل المغاربة الاعتزاز به. فلتتكثف إذن جهود الجميع في جو من المسؤولية والتجرد، لإحياء هذه المنظمة الرمز.
السبت 14 دجنبر 2016.