أثار منهاج التربية الإسلامية الجديد، جدلا كبيرا بعد أن وجهت له الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، انتقادات قوية، معتبرة في بلاغ لها أن ما ورد فيها حول الفلسفة يرهن «فكر ومستقبل الأجيال الحاضرة والقادمة في شرنقة التطرف «، ويهيئها «على طبق من ذهب لتكون لقمة سائغة للإرهابيين». فماهي المبررات الموضوعية التي دفعت بهذه الجمعية لإصدار هذا الموقف؟
للجواب عن هذا السؤال، يمكن العودة لما ورد في المقرر، حيث تضمن تعارضا صريحا بين الوحي والإيمان من جهة، والفلسفة من جهة أخرى، بالإضافة إلى الاستشهاد بابن تيمية، وتسميته ب»شيخ الإسلام».
وقد أصدرت وزارة التربية الوطنية بلاغا أوضحت فيه أن الكتب المدرسية هي مجرد «وثائق مساعدة،اختارت بلادنا أن تكون متعددة» وأن تَبْقى «منفتحة على كل الآراء التي من شأنها الارتقاء بالعمل التّربوي».
غير أن توضيح بلاغ وزارة التربية الوطنية، رغم محاولته تبرير مضمون المقرر المذكور، بمنهج «التعددية»، لا يجيب عن السؤال الحقيقي المطروح، في المقرر، والذي يهاجم التفكير الفلسفي، باعتباره مناقضا للوحي والإيمان، كما ورد في بعض فقراته، بالإضافة إلى أن الاستشهاد بابن تيمية بوصفه «شيخ» للإسلام، وهو المرجع الرئيسي للتطرف والتشدد، لايمكن التعامل معه كما لو أنه مجرد جدل يسعى لبسط مختلف وجهات النظر.
التكامل بين المقررات الدراسية، لا ينبغي أن يخضع لمنطق توفيقي، الذي يتحول عمليا إلى منهج تلفيقي، يقول الشيء ونقيضه، حيث تدرس الفلسفة، من جهة، بينما تتم مهاجمتها من جهة أخرى. أما فيما يتعلق بقيم الوسطية والاعتدال والتسامح، الواردة في بلاغ الوزارة، فهي شعارات عامة، لا ترقى إلى المنهج العلمي الذي ينبغي أن يسود في التربية والتعليم.
ما هو أهم من كل هذا، هو أن المقررالمذكور يكشف عن خلل كبير حاصل، من الأصل، في تدريس التربية الإسلامية، والتي ابتعدت كثيرا عن التراث الفكري الإنساني، الذي تتضمنه الديانات ومنها الإسلام، خاصة وأن الجدل الغني والعطاء الكبير، الذي أنتجته الحضارة الإسلامية، من متكلمين وفلاسفة ومتصوفة عظماء وعلماء كبار، لم يناهضوا الفلسفة والعقل، بل على العكس من ذلك، كانوا أفضل من بلور التراث الفلسفي اليوناني، في أعمالهم، بل طوروه ليفتحوا بذلك طريق العقلانية الأوروبية، كما فعل ابن رشد.
لذلك، فالنظرية التوفيقية لوزارة التربية الوطنية، متقادمة، ولا تخدم سوى المناهج التقليدية، التي ابتعدت عن العقل والعلم، في تدريس الثقافة الدينية، بكل أبعادها الإنسانية الرفيعة.