عن أنفاس بريس : حاوره:أحمد فردوس
قال الأستاذ العلوي رشيد مفتش التعليم الثانوي لمادة الفلسفة، في حواره مع ” أنفاس بريس” أن كتاب منار التربية الاسلامية الخاص بالسنة الأولى بكالوريا والجذع المشترك ” تضمن نصوصا دينية لفقهاء وعلماء الدين الذين اشتهروا تاريخيا بعدائهم للفلسفة وللعقل، والبعض منها يعتبر الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، لأن من تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان ….” مؤكدا على أن ” منظمات المجتمع المدني وهيئاته الديمقراطية والحداثية عليها خوض الصراع السياسي والايديولوجي مع دعاة التطرف والتشدد “
س) وجهت الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة سهام النقد والاتهام من خلال رسائلها (بيانات / تصريحات / وقفات…) إلى الجهات المسئولة عن تأليف كتب مادة ومناهج التربية الاسلامية في الأسلاك التعليمية الثلاثة، وقامت كل فروعها الوطنية بوقفات احتجاجية وحمل الشارة في هذا الشأن، ما هي الأسباب الحقيقية لذلك وهل من جديد في مطلب سحب ” كتابي منار التربية الإسلامية ” جدع مشترك وأولى بكالوريا. ؟
ج) بعد البلاغ الملكي الذي صدر في العيون يوم 6 فبراير 2016 وأقر فيه الملك على ضرورة مراجعة مقررات تدريس مادة التربية الاسلامية، عملت لجان التأليف في وزارة التربية الوطنية على تنقيح وإعداد مقررات دراسية تستجيب لما تضمنته مناهج هذه المادة، وعممت تلك المقررات بعد أن أشرت عليها الوزارة، وقد أثار انتباه أساتذة الفلسفة وبعض أساتذة التربية الاسلامية وجود درس يتناول مسألة العلاقة بين الإيمان والفلسفة ولكن بشكل لا ينصف الفلسفة كمادة دراسية معممة على مختلف مسالك وشعب التعليم الثانوي التأهيلي منذ ما يقارب العقد (خاصة كتاب منار التربية الاسلامية الخاص بالسنة الاولى بكالوريا والجذع المشترك)، بحيث تضمن المقرر المذكور نصوصا دينية لفقهاء وعلماء الدين الذين اشتهروا تاريخيا بعدائهم للفلسفة وللعقل، والبعض منها يعتبر الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، لأن من تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان… وغيره من الأوصاف والنعوتات التي تتعارض كليا مع ما أقرته التوجيهات التربوية ومنهاج تدريس مادة التربية الإسلامية.
س) اعتبرت جمعيتكم في بيانها أن التغيير الأخير في مناهج مقررات التربية الإسلامية ، قد أساء إلى مادة الفلسفة والعلوم الإنسانية والعلوم الحقة والطبيعية، لما تضمنته من مس وتشويه وتحريف للمقاصد النبيلة للفلسفة والعلوم، إلى أي حد يمكن تبليغ هذا الموقف إلى الرأي العام وتبسيط شرحه لاستيعاب خطورته على التربية وقيم السلم والتسامح ؟؟
ج) أصدر المكتب الوطني لجمعيتنا بيانا للرأي العام يوم 10 دجنبر 2016 يندد فيه بما تضمنه كتاب منار التربية الاسلامية من إساءة للفلسفة وللفكر العقلاني، وهو ما يمس أيضا مختلف العلوم الانسانية والاجتماعية مما ينم عن طبيعة العقل الفقهي المتزمت الذي عبر عنه الكتاب المدرسي والذي يروم تسفيه مكانة العقل البشري ومرتبته وحقه في استجلاء الحقائق بمنهج علمي واضح، وللتذكير فبرنامج مادة الفلسفة الخاص بالجذع المشترك في التعليم الثانوي التأهيلي يتضمن في محور محطات من تاريخ الفلسفة، موضوع العلاقة بين الفلسفة والدين، ولكنه يحترم البعد التربوي والبيداغوجي في توجهه للمتعلم، ويحترم الاختلاف والتعدد وحرية الرأي، لهذا وظف المؤلفون نصوصا حكيمة لفلاسفة مسلمين من قبيل ابن رشد الذي ينبه المتعلم على أن الشرع يحث على إعمال العقل من خلال تأويله لآية “فاعتبروا يا أولي الألباب”، وهو ما لا يتناقض مع ما نصت عليه الفلسفة من ضرورة تأمل الموجودات للوصول إلى غاية معرفة الصانع، هكذا فإن الفلسفة والشريعة معا يحثان البشر على ضرورة إعمال العقل لبناء الحقيقة ف ” الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له “، وهو ما يدل على حنكة أهل الفلسفة في اختيار النصوص الملائمة تربويا وبيداغوجيا لمستوى المتعلم، مع مراعاة مجموع الكفايات والقدرات والمهارات المتوخاة من تناول علاقة الشرع بالفلسفة، بشكل يسمح للتلميذ بممارسة حريته في التفكير الحر، عكس ما جاء في منار التربية الاسلامية الذي يضع المتعلم ضمن خندق معاداة الفلسفة والتبخيس من قيمتها، حيث نقرأ في ” ص 80 ” من كتاب منار التربية الاسلامية الخاصة بالسنة الأولى بكالوريا مجموعة من الأهداف التربوية التي يتعين على المتعلم الوصول إليها من خلال تصفحه لمجموع النصوص والفتاوي الواردة في باب الإيمان والفلسفة:
– أتعرف أبعاد قضية الايمان والفلسفة.
– أدرك أوجه التعارض والاختلاف بين الايمان والفلسفة
– أستخدم نعمة العقل لترسيخ إيماني وإقناعي بصدق رسالة الاسلام ونبوة محمد.
ولا يخفى أن واضعي هذه المبادئ الثلاثة يرومون تبليغ المتعلم أن الفلسفة تقع على نقيض واختلاف مع الإيمان، في الوقت نجد تناقضا صارخا بين المبدأ الأول والثاني، لأن التعرف على أبعاد القضية يستوجب تناولها من كلا وجهات النظر، في حين يحثه المبدأ الثاني على الاقرار بالتعارض: فهل التعرف على الأبعاد يؤدي دوما إلى إدراك الاختلاف والتعارض كما جاء في الثاني؟ إذا كان كذلك الأمر لماذا سنطرح المبدأ الأول الذي سيلغيه الثاني.؟
س) أدنتم في بيانكم ووجهتم أصابع الاتهام إلى الدولة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، بخصوص المسؤولية التامة في الدفع بالمجتمع المغربي والحقل التعليمي إلى الفتنة والتطرف من خلال التأشير على مقررات تعليمية متزمتة ترهن فكر ومستقبل الأجيال، ألا تتحمل الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات الحقوقية والجمعوية جزء يسير مما يقع ؟؟
ج) بطبيعة الحال تتحمل الدولة ووزارة التربية الوطنية كامل مسؤوليتها فيما يمكن أن ينتج عن هذا الأمر من تطورات، لأن البيان التوضيحي الذي أصدرته الوزارة في الموضوع بتاريخ 19 دجنبر 2016 لا يفي بالغرض، لأن مطلب الجمعية واضح وجلي ولا غبار عليه ، التراجع الفوري عن هاته الكتب وسحبها… مع العلم أن الوزارة تعترف رسميا في بيانها بوجود تناقض صريح وواضح بين ما جاء في منار التربية الإسلامية وما أقرته التوجيهات التربوية الخاصة بتدريس المادة، وحتى مبررها نعتبره واهيا، لأن التمييز بين المنهاج والكتاب المدرسي، أمر يعرفه مدرسو جميع المواد والقول أن المنهاج هو الملزم لا يكفي والحالة هذه، كما أن البيان التوضيحي للوزارة جاء للتملص من مسؤوليتها في اعتماد الكتب المذكورة، مع العلم أنها هي التي تؤشر على الكتب المدرسية قبل اعتمادها وتعميمها.
لا أعتقد أن تنظيمات المجتمع تتحمل المسؤولية فيما وقع من جهة أن إقرار التعديلات جاء كقرار سياسي مستعجل وغير محسوب، ينضاف إليه ضيق الوقت، أما المسؤول عن التطرف والتشدد فهي جماعات دعوية وايديولوجية معروفة في المغرب، ويتوجب الحذر من سمومها وأضاليلها اتجاه الناشئة، ولكن هذا لا يعني أن منظمات المجتمع المدني وهيئاته الديمقراطية والحداثية يجب أن تسكت عن الأمر بل العكس عليها خوض الصراع السياسي والايديولوجي مع دعاة التطرف والتشدد، والعودة إلى مصادر التنشئة الاجتماعية ومنظمات العمل الجماهيري والثقافي والحركات الاجتماعية لنشر ثقافة متنورة وتقدمية بدل ترك الشباب يستسلمون للتيار الجارف.
س) ألا تعتبر أن الإقدام على تغيير مضمون المناهج والمقررات المرتبطة بمادة التربية الاسلامية وفق الوصف الذي تناوله بيان جمعيتكم مناقضا لتوجهات إصلاح الحقل الديني وخطابات ملك البلاد المرتبطة بالتعدد واحترام الديانات، والانتصار للسلم والتعايش ونبذ العنف والتطرف ومحاربة كل اشكال الإرهاب؟؟
ج) المشكلة السياسية الكبرى للمغرب هو أنه يتفادى إقرار النظام الفصل بين الدولة والدين، وحتى في اللحظة التاريخية حيث وقع نقاش مستفيض حول تعديل الدستور سنة 2011 تملصت الدولة من المطالب الحيوية للمجتمع وقواه الديمقراطية والحداثية، لأن العديد من المشكلات تنتج عن غياب الديمقراطية، وهو ما يبين أننا نحصد اليوم ثمار هروب الدولة من الديمقراطية الحقيقية ومن الفصل الحقيقي بين السلط.