دون انكار حق الجميع،سياسبين ونقابيين ومواطنين عاديين، في التعبير عن آرئهم نقدا واحتجاجا ورفضا وتحريضا على المقاومة، ارتايت ان اقارب مسالة تمويل التعليم من زاوية اخرى اظن انها اكثر موضوعية. تقوم وجهة نظري على جملة من المعطيات من اهمها:
* ان نظامنا التعليمي التربوي والتكوين يشكو من اختلالات عميقة عصية على الاصلاح والترميم واننا في الواقع بحاجة الى التفكير في التاسبس لنظام تربوي تكويني جديد.
*ان ازمة التعليم كانت لها تداعيات سلبية على المجتمع برمته، على النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والحياة السياسبة ومنظومة القيم بحيث يمكن الجزم ان فشل المدرسة في تاهيل العنصر البشري كان وسيظل منبع كل اسباب التخلف وتجلياته؛ وبالتالي فان تجاوز اشكاليتي التنمية والديمقراطية مرهون بتنمبة التعليم وتطويره.
* من الاسباب الرئيسية لازمة التعليم ببلادنا هناك من وجهة نظري ثلاثة اسباب: غياب رؤية استراتيجية تربط بين التخطيط التربوي والمخططات التنموية،ضعف الحكامة التربوية في كل ابعادها التكوينية والادارية،عدم كفاية الموارد المالية.
* في غياب الامكانات المالية الضرورية لا يمكن تجويد التعليم والارتقاء بالتكوين من خلال تاهيل مؤسسات التعليم والتكوين وتطوير ادائها العلمي والبيداغوجي فضلا عن تحفيز الاطر الادارية والتربوية وتمكينها من تكوين مستمر يطور كفاءتها. بدون تمويل مناسب يستحيل ترجمة الرؤية الاستراتيجية ويتعذر اي اصلاح. ومن المؤكد ان الفشل في تنزيل كل مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين يعود في جانب مهم منه الى ضعف الموارد المالية. وتوضح المقارنة بين ميزانيات التربية والتعليم في البلدان التي تتصدر انظمتها التربوبة الترتيب العالمي والمبزانية المخصصة لوزارة التربية الوطنية ببلادنا، اهمية الاعتمادات المالية في تجويد الانجاز التعليمي. ففي فلندا مثلا يكلف التلميذ الواحد ما يناهز خمسين الف درهم مغربي سنويا، بينما يكلف التلميذ المغربي في الابتدائي، نظريا، حوالي 6000 درهم.
* يقتضي النهوض بالمدرسة العمومية المغربية ومواجهة عوائق الهدر الكمي والنوعي، المتمثلة في الاكتضاض، وبؤس الفضاءات، وضعف بنيات البحث العلمي والتجهيز الرياضي، وتواضع المستوى المعرفي والبيداغوجي لافواج من المدرسين الذين الحقوا دون تكوين مهني، يقتضي ذلك مضاعفة الميزانية . ويحتاج هذا الاجراء الى قرار سياسي شجاع يستند الى فلسفة تنموية جديدة مرتكزها تنمية العنصر البشري.
* يبدو ان امكانات الدولة المالية غير كافية لضمان تمويل كاف لتعليم جيد لكل المتمدرسين. فالخصاص فضيع والفوارق بين الوسط القروي والوسط الحضري من جهة، وبين الفئات والطبقات الاجتماعية شاسعة.
استنادا لما سبق اعتقد ان هناك ثلاث اختيارات:
*تعمبم التعليم وفق مقاربة كمية تتيح لكل اطفال المغرب ولوج المدرسة ثم مغادرتها مبكرا دون الحد الادنى من المكتسبات التي تخول الفرد الاندماج الفعلي في الحياة المهنية والاجتماعية،فتكون المدرسة منتجا للفشل وخيبة الامل والبطالة والانحراف، وهذا ما هو حاصل حتى الآن. في ذات الوقت تصير الجامعة، وهي اليوم كذلك، ملاذا لكل حاصل على الباكلوريا لم يتمكن من ولوج المدارس والمعاهد العليا في انتظار المجهول. ان نسبة النجاح بالجامعة والمستوى المعرفي لجل خريجي الجامعة المغربية خير دليل على الهدر الذي يصيب الراسمال البشري. وهذا اختيار مكلف وسيؤدي حتما الى تفاقم ازمة النظام التعليمي وانهيار المدرسة العمومية.
* اتباع نهج انتقائي نخبوي يسعى الى تكوين صفوة ضيقة من الاطر بحسب حاجات سوق الشغل، وهذا نهج اقصائي،لا ديمقراطي، يناقض الدستور وثقافة حقوق الانسان. ولذلك من المستحيل ان تغامر الدولة بالتبني الصريح لمثل هذا الاختيار، مع العلم ان هناك على مستوى الممارسة ما ينم عن هذا التوجه. ان تشجيع التعليم العالي الخصوصي واقرار رسوم الدراسات العليا بالنسبة للطلبة الموظفين واعادة النظر في مبدا المجانية مؤشرات فعلية على ذلك. ومما لا شك فيه ان مثل هذا الاختيار سيواجه مقاومة شرسة من قبل القوى الديمقراطية واليسارية ومن عموم المواطنين،وسيكون مكلفا سياسيا.
* الاختيار الثالث الذي نتبناه ونراه ناجعا وكفيلا بتقوية الموارد المالية الضرورية للنهوض الفعلي والشامل بالنظام التعليمي المغربي وتحقيق الجودة المنشودة، يقوم على تنويع التمويل من خلال ثلاث اجراءات متكاملة: الرفع من ميزانية وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حدود 25%، خصم 3% من الضريبة المفروضة على الشركات وتحويلها لدعم المدرسة العمومية، التشجيع على ابرام شراكات بين الجامعة والمعاهد العليا وقطاع المقاولة والاعمال على اساس تعاقدي، وشراكات بنفس الشروط بين مؤسسات التعليم الخاص ومؤسسات التعليم العمومي الابتدائي داخل النيابة الواحدة واسهام الجماعات المحلية الاقليمية والجهوية ومجالس المدن الكبرى في دعم التعليم الاولي والاساسي. ومن المفروض ان يقترن المجهود المالي المطلوب بتطوير الحكامة التربوية ومراجعة الهندسة البيداغوجية لتتلاءم ومقتضيات الجودة.
ان التشبث بالمجانية من باب الدفاع المبدئي عن الحق في التعليم دون التفكير في تجويد العرض التربوي سيكون تكريسا للوضع الماساوي للمدرسة المغربية. ولذلك بقدر ما يجب الدفاع عن حق ابناء المغاربة في ولوج المدرسة،يجب العمل على حسن تعليمهم وتكوينهم في افق اندماجهم المهني والاجتماعي.
دجنبر 2016.