في كل شتاء تتكرر نفس الصورة مجللة بقساوة فصل يحاصر قرى ومداشر، ومحفوفة بحالات تردي تتفاقم بسبب تساقطات الثلوج وفيضانات الأودية وانقطاع الطرق واندثار المسالك..
في كل سنة، تتصدرأحداث « المغرب العميق» قضايا الاهتمام، وتدفع لحركات احتجاجية محلية بل حتى وطنية ضد حصار يزهق أرواح أطفال ويميت أجنة قبل الوضع أو أثناءه، ويؤدي إلى وفيات أمهات، ويجر إلى القبور مسنين هزمهم الصقيع وانخفاض درجات الحرارة ولم يكن لهم إمكانيات مواجهة واقع مر والانتصار عليه .
هل يعقل في مغرب ألفية الثالثة أن يتم تكرار نفس الصورة ؟ بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال، تعيش مساحات شاسعة حصارا يجد معه مئات الآلآف من المواطنات والمواطنين أنفسهم مهددين في حياتهم ؟ إن الجواب عن هذين السؤالين وما قد يتفرع عنهما وما يماثلهما، يكمن في خلاصة واضحة ناصعة مثل نصاعة بياض الثلوج التي تعرفها هذه المناطق : فشل السياسات العمومية في توفير ثلاثة بنيان وحاجيات . أولها شق طرق وتهيئ مسالك تضمن التنقل والتواصل في جغرافيا مترامية الأطراف، وثانيا غياب شبكة مراكز صحية ومستشفيات مجهزة ومؤطرة تأخذ بعين الاعتبار «القرب» لخدمة السكان، وثالثا عدم الاهتمام بدعم السكن اللائق الذي تتوفر فيها على الأقل شروط مواجهة قساوة الصقيع والقيظ …
لكن مسؤولية من في هذا الفشل الذي ينتج الصورة المتكررة سنويا ؟ من جهة هناك اهتمام أو لنقل امتياز للمدن الكبرى والمتوسطة في توفير البنيات ومن بينها السياسة الصحية التي اعتمدتها الحكومات وفي أولويات الميزانيات القطاعية ، يرافقه خلل في انتشار العنصر البشري.
ومن جهة ثانية «عقم» العمل الجماعي في جعل فك الحصار كأولوية ثابتة ودائمة. وهنا قد تثار قضية ضعف الإمكانيات المالية والموارد، لكن هناك تجارب فضلى عرفتها بعض المناطق بفعل مبادرات خاصة لجمعيات محلية والمجتمع المدني أو بتنسيق مع الجماعات الترابية ..
اليوم إذن هذا المغرب الذي يعرف هشاشة البنيات والذي يعيش سكانه تحت وطأة المعاناة، يجب أن يحظى كأولوية الأولويات باستراتيجية تتفرع عنها سياسات عمومية كما هو الشأن بالنسبة لمشروع كهربة العالم القروي التي غطت مناطق شاسعة ونائية.
وأطراف هذه الاستراتيجية الأساسيون، لن يكونوا سوى الحكومة بقطاعاتها المختصة والجماعات الترابية، لتحقيق تنمية بشرية شاملة ووضع حد لهذه الصورة النمطية المتكررة مرتين في السنة على الأقل.
وهنا لابد من الإشارة إلى المبادرة الملكية المتمثلة في “تعليماته السامية إلى كل من وزارتي الداخلية والصحة، وإلى القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، قصد التجند لمواجهة الانخفاض الشديد الذي ستعرفه درجات الحرارة ببعض مناطق المملكة، وخاصة بالأطلس المتوسط والأطلس الكبير”، حيث تم إقامة مستشفيات ميدانية بكل من أقاليم أزيلال وخنيفرة وميدلت …
ونتمنى أن تشكل المبادرة الملكية حافزا للأطراف والجهات المسؤولة وطنيا وجهويا ومحليا كي تنبثق استراتيجية شاملة وناجعة ودائمة لإذابة جليد هذه العزلة القاتلة.