احيانا كثيرة وفي مناسبات عدة يثيرني تصنيف الاتحاديين والاتحاديات الى اصيل وغير اصيل، حقيقي وغير حقيقي، شريف وغير شريف. وان حاولت استنباط معايير هذه التصنيفات ستجد انها لا تخرج عن الاقدمية في الحزب وزيارة السجن زمن الجمر والرصاص وحفظ بعض الجمل من الاختيار الثوري وادعاء مرافقة بعض الرموز التاريخية للحزب… في نظر البعض منا كل من توفرت فيه هذه الخصال فهو اتحادي قح واصيل وشريف،ولا يهم ان انحرف او تقاعس او احترف هواية تدمير الاتحاد. وبالمقابل كل من لم يسعفه عمره البيولوجي ان يعيش زمن السبعينات والثمانينات او التحق بالاتحاد ما بعد ذلك فهو دخيل وانتهازي مهما حسنت سريرته وعظم عطاؤه وتوطد التزامه.
يعكس هذا التصنيف الذي عفا عنه الزمان وتجاوزه الواقع التنظيمي للحزب بحكم القانون الطبيعي والدينامية الديمغرافية منطقا سلفيا للانتماء، يرى في الاولين والرواد شيوخ زوايا لا بد لكل اتحادي او اتحادية من الاجيال الجديدة ان تتمسح باهدابهم لنيل بركتهم ورضاهم. وينم هذا التصور الميتافيزيقي للانتماء السياسي عن نزعة اقصائية طالما استعملت لاقصاء الكفاءات، وفي ذلك احد اسباب الانغلاق على الذات والجمود الفكري.
وحتى لا يفهم هذا الحديث فهما سيئا تجدر الاشارة المؤكدة انني ممن يقدر المناضلين والمناضلات الذين سبقوني وضحوا بحريتهم ومالهم وسعادة ابنائهم دفاعا عن قيم الاتحاد واختياراته بصدق وتواضع، ولم يجعلوا من تاريخهم النضالي ذاك وسيلة للاغتناء ومطية للجاه وبرجا لقصف الاتحاد. رجالات الاتحاد الاجلاء الشهداء منهم والاحياء امثال المهدي وعمر وعبد الرحيم والوديع والساحلي والفرقاني والقرشاوي وشناف وثريا السقاط وغيرهم من المناضلين البسطاء في مختلف الاقاليم، الهمونا وعلمونا وكانو لنا قدوة،فعلوا ذلك في صمت وزهد وعفاف فكانوا وما زالوا يضيؤون الطريق… ما تعبوا وما تقاعسوا وما حقدوا وما كانوا يوما من الجاحدين. اما المتشبهون بهم فهم يعتبرون الانتماء عملة في سوق البورصة تزيد وتنقص حسب المواسم … يغيبون موسم الحرث والعمل الصعب وما ان يحل موسم الحصاد حتى يعودوا ملوحين بمناجلهم الصدئة وهم يهتفون: نحن الاصلاء… الحزب لنا… والمجد لنا… ثم يغيبون بعد القطاف.
هذا التصور للانتماء لا صلة له بالحداثة السياسية ولا بالممارسة الديمقراطية. فالانتماء السياسي التزام وتعاقد: الالتزام اختيار حر نابع عن اقتناع فكري بمشروع ورؤية وفلسفة في الحياة، والتعاقد هو حقوق وواجبات تنظم العلاقة بين الفرد والمؤسسة.وبالتالي يجب ان يقاس الانتماء بمدى الترجمة السلوكية للقيم المؤسسة للانتماء وباحترام بنود العقد السياسي والتنظيمي.
دون هذ الفهم العقلاني والحديث للانتماء لن يكون في الامكان تدبير الحزب تدبيرا عقلانيا وديمقراطيا.