لم يرُق للجزائر أن يقدم المغرب مساعدات إنسانية لمئات الأشخاص رحّلهم نظام عبد العزيز بوتفليقة نحو شمال النيجر. فقد اعتبرت من خلال صحافة أجهزة استخباراتها أن مبادرة بلادنا “استفزاز” لها،بعد أن أعطى جلالة الملك محمد السادس تعليماته السامية ب ” منح مساعدة عاجلة من طرف مؤسسة محمد الخامس للتضامن، والوكالة المغربية للتعاون الدولي، ووزارة الداخلية، لفائدة هؤلاء الأشخاص المطرودين والموجودين في وضعية هشاشة قصوى بأحد المراكز بشمال النيجر “.

لم تستسغ الجزائر المصابة بمرض ” الحساسية بطعم العداء تجاه المغرب” أن تبادر الرباط إلى إيفاد أغذية وأغطية وخيام إلى مهاجرين مرحّلين، حشدتهم السلطات الجزائرية حشدا في شاحنات ورمت بهم في أقصى صحرائها، وأرغمتهم على العبور إلى شمال النيجر عطشى وجوعى ،لا زادَ ولامأونةَ إلا من تعب وإنهاك سفر قسري لمئات الكلومترات، وإهانة لكرامتهم وهم الذين فروا من حروب وظروفِ عيش قاسية، وحلوا بالجزائر بحثا عن أفق جديد للحياة .

ومن صدف التاريخ أن طرد الجزائر للمهاجرين القادمين إليها من جنوب الصحراء الافريقية، كان عشية ذكرى إقرار المنتظم الدولي في 18 دجنبر 1990 ” اتفاقية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم”، وأنها صادقت على هذه الاتفاقية سنة 2005 ، والتزمت بمضامينها والتي من بينها الاعتناء بالعامل المهاجر الذي يعيش ويعمل بصورة دائمة أو مؤقتة خارج الوطن الأصلي، دون التفريق بين كون هذا العامل نظاميا أو غير نظامي. كما تنص الاتفاقية على مجموعة من المعايير الدولية الملزِمة لتناول معاملة المهاجرين الحائزين للوثائق اللازمة والمهاجرين غير الحائزين لها على السواء ورعايتهم وحقوق الإنسان الخاصة بهم.

ومن الهنات والخيبات التي تنضاف إلى سجل النظام الجزائري أن “جريمته ” وقعت غداة احتفال العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي تمحورت مواده حول احترام كرامة الانسان وعدم إهانته وتعذيبه و…” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز…”.

ومن الصدف أن ماقامت به الجزائر تزامن مع قرار المغرب القيام بالمرحلة الثانية لإدماج المهاجرين في وضعية غير قانونية، بعد النجاح الذي حققته المرحلة الأولى التي تمت خلال سنة 2014 ، وعرفت تسوية أوضاع أكثر من 18 ألف مهاجر استنادا إلى مقاربة إنسانية تصون حقوقهم وتحفظ كرامتهم …

إن الجزائر ذات السوابق في الترحيل الجماعي القسري وفي الطرد التعسفي للأشخاص المتواجدين فوق ترابها (نذكِّر هنا بطردها لعشرات الآلآف من المغاربة سنة 1975)، خرقت اتفاقية دولية هي طرف فيها، وداست على كل المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان.

وما ادعاء الجزائر بأن بلادنا استفزتها بتقديم مساعدات للضحايا الذين زجت بهم في شمال النيجر، إلا مبعث على السخرية، ودليل آخر على أنها بالفعل مصابة بمرض “الحساسية بطعم العداء للمغرب”.

الجمعة 16 دجنبر 2016.

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…