ليست المرة الأولى التي تثار فيها مشكلة استغلال المساجد، من طرف دعاة سياسيين، يتخذون صفة أئمة أو وعاظ، ولن تكون حادثة مسجد يوسف ابن تاشفين، بفاس، الأخيرة، حيث إن المعركة من أجل الاستحواذ على الفضاء الديني، ستزداد حدتها، من طرف نشطاء من «رجال دين»، يستغلون المساجد لنشر وجهات نظرهم، في العديد من القضايا الثقافية والفنية والاجتماعية، بشكل واضح، كما يعبرون عن مواقفَ سياسية، بالتلميح الصريح.
هؤلاء الأشخاص، ينطلقون من برنامج مخطط له، مقتنعين بأنهم يقومون ب»واجبهم»، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر منظورهم للدين والحياة والسياسة… لتغيير الأوضاع وبناء مجتمع آخر، كما يتصورونه، لذلك لن يتوقفوا، وستتواصل المعركة معهم، من طرف وزارة الأوقاف، في إطار صلاحياتها، القانونية والتنظيمية.
حادثة المسجد المذكور، بفاس، أخذت بعدا خطيرا، تمثل في الاحتجاج والنداء بالمقاطعة، تمهيدا للفتنة، دفاعا عن إمام، تعامل معه أنصاره كقديس، لا يمكن تعويضه وكأنه ينطق بكلام غير مسبوق، مع العلم أنه يشتغل في فضاء منظم حسب القانون، ومؤطر بدستور، وأن ما يقوله للناس هي نصوص معروفة من القرآن والحديث، والمراجع التراثية، ويمكن لأي إمام آخر أن يقولها.
فما الذي يميز الإمام المعزول عن غيره؟
الذي يميزه هو تحريف مهمته من الوعظ والإرشاد، إلى الشحن الإيديولوجي والتحريض السياسي، أي تغيير صفة بيوت الله، وتحويلها إلى مقر له، يستحوذ عليه ليصرّفَ فيه مواقفه.
تسمية المساجد، ببيوت الله، ليس أمرا اِعتباطيا، ومدلولها أنها ليست ملكا لأحد، أو لأي توجه سياسي أو ايديولوجي، بل هي مكان للعبادة، يتساوى فيها الجميع، ويرتادها كل الناس، على اِختلاف مشاربهم وانتماءاتهم ومستوياتهم الفكرية والاجتماعية، ولا يحق لأي كان أن يغير وظيفتها الأصلية، المتوافَق عليها في الضمير الجمعي.
معركة تحرير المساجد من رجال الدين السياسيين، ستكون طويلة ومعقدة، ولكي تنجح، فإنها تتطلب الوضوح والعزم، في تطبيق القانون، بكل نزاهة وموضوعية، وتتطلب مراجعة السياسة المتبعة في هذا الملف، من أجل تفعيل حازم للدستور، الذي كان صريحا في تحديد المؤسسة التي تتولى تصريف الشأن الديني.