عن صحيفة العرب محمد بن امحمد العلوي.
هل كان ضروريا أن يدلي عبدالإله بن كيران برأيه عمّا يجري في سوريا ودور طائرات وقنابل روسيا في دكّ البلاد والعباد؟ هل أبدى وجهة نظره كرئيس وزراء معين أو أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية أو بوصفه سياسيا يهتم بالشأن المحلي والدولي، أم هو رأي رجل من عامة الشعب هزه ما يحدث في سوريا فتحدث بعفوية؟
في هذا المقام نستحضر كلام بن كيران وهو يتحدث عن المرحومة والدته التي فارقت الحياة مساء الاثنين 5 ديسمبر عن عمر ناهز 92 سنة، معترفا بأنها كانت تشارك بحذر في الشأن السياسي، ليس مثلي أنا، فهي امرأة تتصرف بالاتزان والرصانة، وإلى وقت قريب جدا كان لا يزورها أي أحد من الأسرة إلا في إطار الاحترام والتقدير لأنها مختلفة عنا نحن أبناء بن كيران، لأننا نتسم ببعض العفوية.
إذن فعبدالإله بن كيران اعترف بأنه يفتقر إلى “الاتزان والرصانة” ويمتلك نصيبا لا بأس به من العفوية. وهذه مواصفات أفادته بلا شك في معاركه الحزبية والانتخابية الداخلية وأثر بسحرها الشعبوي على الخصوم السياسيين والمناضلين والمتعاطفين. لكنها ليست من أدوات معترك السياسة الخارجية، هذه الأخيرة ينبغي أخذها على محمل الجد والحذر والدقة في مقاربة مشكلاتها وتعقيداتها.
ليس جديدا ما يجري في بلاد الشام يا رئيس الحكومة، صحّ النوم، فقد بدأت الأزمة الطاحنة منذ خمس سنوات. فمخالب الدب الروسي عالقة بقوة الضرورة في الجسد السوري منذ البداية، وآلته الحربية أوغلت كثيرا في الحرث والنسل بهذا البلد المكلوم. لكن الجديد هو أن يستفيق بن كيران متأخرا متسائلا لماذا “تدمر روسيا سوريا بهذا الشكل؟”، معتبرا أنه “كان يمكن لروسيا أن تتدخل لإيجاد حل للأزمة وليس لتعميقها”. سؤال وجيه لكنه جاء في وقت شرود ووضعية حساسة على كافة الأصعدة.
تحدث بن كيران وهو منهمك في مشاورات تشكيل حكومة ما بعد 7 أكتوبر التي تمر بمأزق كبير، ولا يزال عبدالاله بن كيران عالقا منذ شهرين، في وحل تدبير التحالفات وتليين المواقف وتقديم الهدايا والوعود للحلفاء القدامى والوافدين لتشكيلته المرتقبة. هل أدلى رئيس الحكومة المعين برأي شارد في موضوع شائك ومعقد كي يثير غبارا يعمي العيون عن متابعة الشأن الحكومي، أم كان مُتعَمِّدا القول لإحراج جهة ما؟
لا يهمّ من أوحى للسيد بن كيران بالخوض في الشأن السوري، المهم كان عليه الالتفات إلى خصوصيات العلاقات الخارجية للمملكة والتدقيق في كيفية تناولها، والصواب في هكذا مواقف يكون الصمت أفضل وأسلم. المعروف أن اختصاصات الشأن الخارجي بيد الملك بحكم الدستور والخبرة العملية والدربة السياسية في مراقبة اتجاه رياح المتغيرات الدولية والإقليمية، والواقع أن المملكة المغربية كانت دوما سباقة لإعلان مواقف متوازنة وتنتصر للعدل والأمن والاستقرار في كافة القضايا سواء العربية أو الأفريقية أو الدولية.
كان على عبدالإله بن كيران أن يُغَلِّبَ حسّ رجل الدولة على عاطفة رجل الشارع، ودون أن يلاعب الشأن الخارجي بأدوات تدبيره للشأن الحزبي والسياسي الداخلي. فالمجالان متمايزان في التناول والتقييم وطريقة التحليل والتعاطي مع مشكلاتهما. عرفنا الرجل شعبويا ولغة قوله مرتجلة ولا تراعي حدودا ولا قواعد لياقة، لكن لم يكن من المفيد أن يتطرق للوضع في سوريا، كان عليه التكتم عمّا يختلج بداخله حتى يلتقي بمناضلي حزبه وأصدقائه.
الحقيقة أن ما يقع في سوريا مخيف ومشاهده دامية، والحلول المتطرفة تكتسح كل المعادلات المعتدلة، وخرافة الحل السياسي ذهبت أدراج الرياح العاتية الآتية من الشرق والغرب.روسيا ماضية في اكتساح كل جغرافيا سوريا دون الالتفات لدعوات هدنة أو الارتكان لشروطها، فكل الظروف السياسية والميدانية تساعدها في ذلك. لماذا كان على بن كيران، وهو في طور هندسة حكومة في علم الغيب، أن يضع يده عارية في جحر مليء بالأفاعي؟ هل كان يعي أن رأيه لن يقدم إضافة نوعية للوضع القاتم في سوريا، ولن يخرج الكل مصفقين مبتهجين لما قدمه السياسي بن كيران من خدمة للسوريين والمنطقة؟
لا شيء من ذاك سيقع، لا الرأي قدم إضافة قيّمة ولا المتدخلون في الأتون السوري استمعوا لشكواه. بل الأدهى أنه استجلب استنكارا روسيا تطلب تدخل الخارجية المغربية لتوضيح المستشكل من الرأي وشرح الغامض لموقف كنا في غنى عنه جملة وتفصيلا. جاء بيان وزارة الخارجية المغربية، موضحا أن روسيا لا تتبنى حلا سياسيا للأزمة بل تقوم بدور عسكري مباشر في سوريا من خلال القصف اليومي لطائراتها على المدن الآهلة بالسكان، وهو الدور الذي يُنتَقَدُ في العواصم الغربية وخاصة في باريس ولندن وواشنطن وبروكسل، حيث تعتبر هذه القوى التدخل العسكري الروسي بمثابة “انحياز” لطرف دون آخر وأن كلفته ستكون غالية على المدنيين. ماذا نقرأ في البيان، هل هو تفسير أم تبرير؟
يبدو أن كلماته صيغت لتعويم رأي بن كيران وإدراجه في عموميات القول الذي لا يجب التركيز عليه وأخذه بكبير الاهتمام. بيان تحدث عن واقع سوري بات الكل يعرف خرائطه المتلاشية التي انخرطت القوى الكبرى والإقليمية في تفتيتها. بيان وزارة الشؤون الخارجية المغربية اعتبر أن “اتخاذ مواقف رسمية من هذه الملفات المعقدة لا يمكن، بالنظر لخطورتها، أن تكون محط ارتجال أو تعبر عن وجهات نظر شخصية”، فالمسؤولون عن صياغة البيان أرادوا إيصال رسالة مفادها أن عبدالإله بن كيران عبّر عن رأي شخصي غير ملزم للدولة المغربية، لا أكثر ولا أقل.
الاربعاء 7 دجنبر 2016.