يمكن القول إن قضية التعليم بالمغرب، توازي في أهميتها وحيويتها وخطورتها، أكبر التحديات التي واجهت بلادنا، مثل الديمقراطية والوحدة الترابية، لذلك لا يمكن لأي طرف أن يدعي أن له القدرة والصلاحية والأهلية، ليحسم في إشكالاتها، لوحده.
لقد عاني الشعب المغربي، خلال المرحلة الاستعمارية، حيث لجأ الاستعمار إلى سلاح فتاك، للقضاء على طموحه ووعيه وارتقائه، هو الجهل والأمية، فقلص إلى أقصى حد ممكن إمكانات وفرص التعليم، غير أن الحركة الوطنية تنبهت إلى هذا المخطط، ففتحت مدارس التعليم الحر، بأشكال تضامنية متعددة، وقد تخرجت منها نخب مغربية، من مختلف المشارب.
وكانت قضية التعليم، من أهم القضايا التي طرحت في السنوات الأولى للاستقلال، بل كانت هي السبب المباشر لانتفاضة الدار البيضاء، في 23 مارس 1965 . حيث أدرك الشعب المغربي، بوعيه المتقدم أن معركة التعليم، ليست أمرا ثانويا، بل هي التي ستحدد مصير أبنائه ومستقبلهم، الاقتصادي والاجتماعي، وتموقعهم في الخريطة الطبقية.
ويمكن، بسهولة، تحليل الأهمية المركزية لهذه القضية، في الحركات السياسية والثقافية، خاصة الجذرية والاحتجاجية، التي أفرزها المجتمع المغربي، سواء التلاميذية أو الطلابية أو المحسوبة على المنظمات النقابية والهيئات الطلائعية، خلال كل المراحل، لنجدها مرتبطة بالتعليم سواء الثانوي أو الجامعي.
فقضية التعليم، مسألة محورية وجوهرية، في حياة الشعب المغربي، ولا يمكن التعامل معها باستخفاف، مثلما حصل في تسريب الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي صدر بطلب من الحكومة، خاصة وأن الإشكالات المطروحة في التعليم العمومي، تتجاوز مسألة تنويع مصادر التمويل، التي يمكن الجزم بإنها مجرد عنصر من عناصر المعضلة.
قبل مناقشة إشكالية مجانية التعليم، كان ينبغي إجراء نقاش وطني تقييمي شامل، للتربية والتكوين في بلادنا، للجواب عن محاور أساسية، منها مدى نجاعة ونزاهة صرف الميزانيات المخصصة للتعليم العمومي، ومقومات الجودة والخدمة العمومية، التي تقدمها الدولة للمجتمع، في هذا الشأن، وهل هناك دفتر تحملات بخصوص الارتقاء بالجودة وتكافؤ الفرص ونجاعة التكوين، وماهي طبيعة المناهج الدراسية والاختيارات الفكرية والتربوية، التي تبني عليها، وماهي خاصيات الموارد البشرية، التي تشرف عليها…
ثم هل يمكن أن نعتبر أن تعاقد الدولة مع المجتمع، يقف عند حد الإجبارية، أي التعليم الإعدادي، أم أنه يتجاوز ذلك، بهدف توفير موارد بشرية ذات تعليم وتكوين رفيع ومستوى قادر على المنافسة الإقليمية والدولية؟
ما كان على المجلس المذكور، أن يقدم رأيا بهذه الخفة، في قضية مركزية، خاضعا في ذلك، لمنطق السوق والسلعة، في معضلة كبرى، لا يمكن المساس بها في غياب تام لحوار وطني، ليس حول المجانية، بل حول مستقبل التربية والتعليم.