س) النقابة الوطنية للتعليم العالي عضو في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ما هو تقييمكم لتجربتكم في عضوية المجلس بعد مرور سنتين ونصف على تأسيسه ؟
ج) المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مؤسسة دستورية لها دور استشاري في مراقبة وتتبع السياسات العمومية في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي، ويضم في عضويته جميع الفاعلين في حقل التربية والتكوين والبحث العلمي فهو مؤسسة للتفكير والاقتراح والتقييم وهو مؤسسة للخبرة والعلم ولاعتبارها كذلك، فمن الضروري أن تداولاتها ومناقشاتها تبقى في هذا المستوى لأنها من الضروري أن تحمل هموم جميع المغاربة في مجال التربية والتكوين التي تصرف عليها كل أسرة 28 في المئة من مدخولها لتعليم أبنائها ،فهي أمانة من الواجب أن نعمل جميعا من أجل الحفاظ عليها.
النقابة الوطنية للتعليم العالي عضو في هذا المجلس الذي أريد له أن يشكل القنطرة للعبور إلى بر الأمان في منظومة التربية والتكوين باعتبارها هما مجتمعيا،عملُنا داخل المجلس أو داخل المكتب أو داخل لجنة البحث العلمي والتقني والابتكار كان لهذا الأساس، نكران الذات من أجل تأسيس رؤية لإصلاح منظومة التربية والتكوين وتحقيق الأسس التي بنيت عليها الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 التي ساهمنا فيها بحماس ،واعتقدنا أننا من خلالها سنقدم الحلول الممكنة لأزمة التعليم في المغرب ،لقد اختلفنا وناقشنا وتوافقنا لأن طبيعة المجلس مبنية على هذا الأساس، إن العمل الذي قدمه المجلس من خلال هذه الرؤية ينم عن رغبة في تجاوز القائم نحو الأفضل أي تحقيق الإنصاف والجودة والارتقاء. لكن ما كنا نعتقده وما فهمناه وما اشتغلنا من أجله لم يعد ممكنا حينما انحاز المجلس عن الدور العلمي الذي يجب أن يلعبه ليتحول إلى ممارسة قضايا إجرائية وسياسية هي من اختصاص الحكومة والبرلمان.
س) تمت المصادقة في الدورة الأخيرة على رأي المجلس في مشروع القانون الإطار الذي وضعه رئيس الحكومة بين يدي المجلس والذي تضمن في الشق المتعلق بتمويل المنظومة مساهمة الأسر ، هل لكم أن توضحوا لنا ماذا جرى بخصوص هذا الموضوع؟
ج) الدورة الأخيرة أسميها بدورة المجانية ،فقد انحاز النقاش من المصادقة على رأي المجلس في القانون الإطار إلى مجلس للتصويت عن موضوع مساهمة الأسر في تمويل التعليم في الثانوي التأهيلي والتعليم العالي، وهو توجه أعتبره خاطئا ، لماذا ؟ لأن المجلس سبق أن ناقش عقب صدور الرؤيا الاستراتيجية موضوع وإشكالية تمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وأكد،سواء على مستوى النقاشات التي دارت على مستوى لجنة الحكامة أو على مستوى المكتب أو الجمعية العمومية، أن موضوع التمويل يحتاج إلى دراسة معمقة تستحضر جميع الجوانب التي يقوم بها متخصصون في المجال، وقد أكدنا على ذلك في مكتب المجلس، وقيل لنا أن هناك لجنة متخصصة تقوم بإنجاز دراسة في الموضوع ،ونفاجأ أن الأمر لم يتم وتأتينا لجنة الحكامة بمشروع يركز في تمويل المنظومة على مساهمة الأسر، وقد تم رفضه بشدة من طرف النقابات ،مما دفع رئيس المجلس إلى تأجيل النقاش في هذا الموضوع إلى حدود التوفر على دراسة متكاملة ،وهو ما استحسنه الأعضاء. إلى أن تم رفع مشروع القانون الإطار الذي هيأته رئاسة الحكومة إلى المجلس من أجل إبداء الرأي، وهو ما تم من خلال تشكيل لجنة كانت النقابة الوطنية للتعليم العالي ممثلة فيها وساهمت بشكل فعال في بلورة الرأي، وكان موقفها واضحا بخصوص تمويل التعليم بالمغرب خاصة ما يتعلق بتمويل الأسر ،إذ أن مشروع القانون اقتصر فقط على هذه النقطة ما دفع إلى مناقشتها داخل اللجنة والتأكيد على ضرورة تنوع التمويل وأن مساهمة الأسر يجب ربطها، كما فعل الميثاق، بتحقيق الجودة أولا والقيام بدراسة علمية لمعرفة حقيقة كم تنفق الأسر على تعليم أبنائها ،كما يجب تحديد مفهوم الفقير والغني والميسور ومن يقوم بهذه الدراسة، إنها اقتراحا لم يتم الأخذ بها ،إذ أن الرأي اكتفى بذكر القيام بالدراسة دون تحديد من يقوم بها ،وهو أمر متروك للحكومة للقيام بذلك، وهو ما يعني أن الأمر لن يخضع للدراسة ولكن للتنفيذ الشيء الذي يعني تنفيذ مساهمة الأسر دون قيد أو شرط ،لأننا في المغرب لا نتوفر على أي ضوابط لحماية المستضعفين في هذا البلد، وخاصة الموظفين، فهم من يدفع الضرائب أولا على الدخل وثانيا على القيمة المضافة ،وهم من سيساهم في تعويض الميزانية التي ستقوم الحكومة بإنقاصها من الميزانية العامة للتعليم، لكن كان من الضروري على النقابات وممثلي المجتمع المدني أن يرفضوا الشق المتعلق بتمويل المنظومة والذي ركز قبل استدراكه فقط على مساهمة الأسر، هذا بالإضافة إلى أن القانون الإطار في صيغته التي وصلتنا من رئاسة الحكومة لم تكن ترقى إلى مستوى القانون لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، وقد وجهنا انتقادات علمية تخص البعد القانوني واقتصاد النص، لكننا نفاجأ بأن نص الرأي تم تليينه وفقد النقد العلمي الذي بني عليه. ماذا يعني هذا؟ يعني أن جهة معينة تريده كذلك، فالمنهجية التي تم اتباعها سواء في تشكيل لجنة صياغة القانون التي شارك فيها عضو المجلس والأمين العام و يشارك أيضا في لجنة الرأي كممثل لرئيس الحكومة الذي يرأس اللجنة الحكومية، وهو ما يعني التنافي الذي سيؤثر على الاستقلالية الحقيقية للمجلس تجاه أي جهة ولو كانت الحكومة، وهو ما يؤكد أن الاتجاه نحو رفع يد الحكومة للإنفاق على التعليم والصحة مؤكد.
س) كيف تعامل القانون الإطار مع منظومة التعليم العالي؟ وهل تضمن المبادئ التي ما فتئت النقابة الوطنية للتعليم العالي تدافع عنها منذ عقود ؟
ج) إن النقابة الوطنية للتعليم العالي عملت على المساهمة في بلورة منظومة شاملة للتعليم العالي بداية من القانون المنظم لها إلى مستوى الحكامة وتكوين الموارد البشرية وتطوير المناهج وربط التكوين بالبحث، وقد ركزنا على تضمين هذه التوجهات في الرؤيا الاستراتيجية، وعملنا على ورودها في الرأي الذي أصدره المجلس بخصوص القانون 00/01 ،وأعدنا طرح ضرورة تضمينه في القانون الإطار، إلا أن العديد من مقترحاتنا لم تلق استجابة حيث برزت معالجة قضايا التعليم العالي في الرؤية الاستراتيجية بشكل محتشم ،عدا بعض المقتضيات الخاصة بالبحث العلمي، مما اضطرنا إلى إعادة دراستها في البرنامج العام للجنة البحث العلمي لسنة 2016 و2017 ،وفعلا قمنا بدراسة لمهنة الأستاذ الباحث ونظامه الأساسي ولمراكز الدكتوراه، كما قمنا بدراسة للحياة الطلابية في مؤسسات التعليم العالي، ونحن بصدد دراسة حكامة منظومة التعليم العالي. لقد حاولنا إدخال هذه التوجهات في رأي المجلس في القانون الإطار لكن اللجنة لم تأخذ بها لكونها حسب اعتقادها معطيات إجرائية ،فعندما نتحدث عن دمقرطة ولوج الجامعة وحكامتها، ولا يبرز ذلك في القانون الإطار فأين سيبرز ،وحينما نتحدث عن توحيد الجامعة وخلق مؤسسات موحدة المعايير ومتعددة التخصصات وحينما نتحدث عن عدالة مجالية في مؤسسات التعليم العالي ،وحينما نتحدث عن الأقطاب وعن ربط الجامعة بالجهة وعن الاستقلالية الحقيقية كلها مؤشرات لا يمكن أن تبرز سوى من خلال القانون الإطار .
إن أي إصلاح لمنظومة التعليم العالي يجب أن ينطلق من ضرورة حماية وتطوير الجامعة كمرفأ عمومي من الضروري أن يتوفر على قانون إطار يشكل أداة لحماية موارده البشرية والمالية، وأن يحدد مسؤولية الدولة تجاهه من خلال الزيادة في الاستثمار في مجال المعرفة باعتبارها قاطرة حقيقية للتنمية، إن أي إصلاح لمنظومة التعليم العالي يجب أن تنطلق من فهم حقيقي للأدوار التي نريد أن يلعبها هذا المرفق العمومي في هذا البلد ،وفي إمكانية جعله ذي جودة عالية سواء على مستوى التكوين أو البحث أو التدبير، وإذا كانت هذه المستويات أساسية فإنها أصبحت اليوم متجاوزة على مستويات التقييم الدولية، فعلى القانون الإطار المنظم للتعليم العالي أن يستحضر مستويات أعمق تتمثل في السياسة الترابية للتعليم العالي ،وفي جودة الخدمات العمومية المقدمة ،وفي مستويات إدارتها وفي تطوير الرأسمال البشري، وفي مستويات العلاقة بين الاقتصاد والقانون أو بعبارة أخرى حجم استثمار الدولة في التعليم العالي العمومي. هذا بالإضافة إلى ضرورة إعادة النظر في هندسة بنوده بشكل يجعل منه قانونا متكاملا ويجعل منه آلية أساسية لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي، سواء على مستوى الحكامة الجامعية التي تعرف العديد من المشاكل والتي من الضروري دمقرطتها من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة كما يقول الدستور، أو على مستوى إعطاء أهمية أكثر لتنظيم البحث العلمي أو على مستوى التدبير المالي الذي يجب أن يتحول من المراقبة القبلية إلى البعدية، دون أن ننسى المواد الخاصة بالأستاذ الباحث. هذا بالإضافة إلى ضرورة جعله قانونا إطارا يرتكز على تقوية وتنمية الجامعة العمومية وتوحيد التعليم العالي بعد الباكلوريا في إطار الجامعة الموحدة. وهي، للأسف، معطيات برزت بشكل محتشم في مشروع القانون الإطار الذي من المفروض أن يكون أكثر جرأة من أجل إحداث ثورة في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي وهو ما لم يتم للأسف .
س) أقدمت على اتخاذ قرار انسحاب النقابة الوطنية للتعليم العالي من المجلس، لماذا هذا القرار وهل هو قرار نهائي ؟
ج) إن التجربة البسيطة، رغم كل التناقضات التي سبق ذكرها، والتي قضيتها في المجلس ممثلا للنقابة الوطنية للتعليم العالي، كانت بالنسبة لي أداة لتحقيق حلم وضعناه في البداية من خلال المساهمة المتواضعة في إخراج المغرب من أزمة التعليم رغم المشاكل التي تعرفها بنية وتركيبة المجلس، لكن هذا الحلم انهار، ليس فقط بسبب ما حصل في الدورة الأخيرة ،ولكن انطلاقا من المنهجية التي يشتغل بها المجلس وانطلاقا من غياب الدور الحقيقي الذي يجب أن يلعبه المجلس من خلال الاستقلالية في اتخاذ القرار، كوني كاتبا عاما للنقابة الوطنية للتعليم العالي، وفي نفس الوقت أستاذا للتعليم العالي ،وأدرس طلبة الليسانس في أكبر جامعة من حيث عدد الطلبة ،يجعلني أمام مسؤولية كبيرة، فالطلبة الذين يلتحقون بهذه بالكلية التي أشتغل بها في أكادير، أو في باقي المدن الجامعية كالرباط والقنيطرة وفاس … يأتون من منطقة تعد الأولى على مستوى الفقر في المغرب ،ماذا سأقول لطالب غير ممنوح ووالده يناضل من أجل أن يوفر له مصاريف التنقل لمسافة تبعد ما بين 600 و1200 كلم ،وعليه أن يكتري له بيتا وأن يوفر له التغذية ،ماذا سأقول له ولأبيه ؟هل أغض الطرف وأستمر وأقبل حينما يقول لي لماذا لم تفعل شيئا للدفاع عن مصالحي، ضميري لا يسمح لي بذلك. قراري تضامنا مع هؤلاء الطلبة الذين أعرفهم جيدا وأعرف مستواهم وأعرف معاناتهم من أجل المعرفة ،لا يمكن أن أخذلهم ،فمن أجلهم أخذت هذا القرار إلى أن يتراجع المجلس عن لعب الدور الذي من المفروض أن يلعبه غيره ،فقبل أن نفكر في مساهمة الأسر يجب أن نوفر ظروفا سليمة للتعلم، وأن نوفر البنيات التحتية اللازمة والموارد البشرية اللازمة ونوفر الجودة، وبعد ذلك نفكر في مساهمة جهات متعددة قد تكون الأسر بينها ،إن وصلت إلى مستوى الثقة في مخرجات منظومة التعليم العالي والبحث العلمي.