مرة أخرى تستهدف المدرسة العمومية وتمتد اليها نوايا الاجهاز عليها والسعي الى إيجاد مكان لها بمتحف يذكر بأن “كان يا ما كان…” . هذه المرة المحاولة أو لنقل وجه من أوجه المخطط جاء من مؤسسة دستورية تم إنشاؤها من أجل المساهمة بآرائها ” حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وسيرها…”.
لقد وضعت هذه المؤسسة (المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ) علامة تشوير جديدة في طريق نزع المجانية عن المدرسة العمومية كي يصبح الولوج إليها مؤدى عنه وبالتالي إضافة أعباء مادية جديدة على ملايين المواطنات والمواطنين الذين يزداد تدهور مستواهم المعيشي يوما بعد يوم .
لقد عمل المغرب غداة استقلاله على جعل التعليم أولوية الاولويات . وناضلت القوى الوطنية بأحزابها ونقاباتها ومنظماتها من أجل حماية المدرسة العمومية واعتبارها المجال الحيوي لتكوين النخب وتوفير المهن والرفع من مستوى وعي الشعب وفتح الافاق نحو التنمية بكل أوجهها . فقد أقرت اللجنة الملكية لاصلاح التعليم التي كونها المغفور له الملك محمد الخامس “المبادئ الأربعة”،والتي عقدت أول اجتماع لها في سبتمبر 1957.وهذه المبادئ التي أقرها المغرب كأساس لاستراتيجية التعليم هي: التعميم، والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر. ومنذ ذاك التاريخ عقدت مناظرات ومؤتمرات وندوات اتخذت من المبادئ الاربعة إطارا لها . وحتى حينما تمت صياغة الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999 كانت مرتكزاته ومبادؤه وغاياته هي تعزيز أدوار المدرسة العمومية وتطويرها باعتبارها مجالا للتجديد ودعامة للتغيير …
نعم تعاني المنظومة التعليمية ببناياتها ومكوناتها البشرية والمادية ومناهجها من أعطاب عدة هي كلها نتيجة فشل السياسات العمومية في إصلاح هاته الاعطاب حتى وصل الاكتظاظ الى ما لا طاقة للمدرس تحمله وتآكل التجهيزات وتخبط المناهج والمضامين في عشوائية ولا استقرار…وتراجع مستوى تكوين العنصر البشري بيداغوجيا وفكريا … لكن كل ذلك نتيجة سوء التدبير والهوة التي تفصل بين الاستراتيجيات وتنزيلها … وبدل معالجة هذه الاعطاب هاهو رأي المجلس الاعلى للتربية والتكوين وهو يزكي توجها حكوميا آنيا يحمل مسؤوليتها للمجانية ويعتبر أن الاجهاز على هذا المكسب التاريخي الوطني هو الحل .
هناك اليوم واقع يتكرس سنة بعد سنة هو الدعم الظاهر والباطن للمدرسة الخصوصية والتخلي البين والواضح عن المدرسة العمومية وهو ماينجم عنه ضرب تكافؤ الفرص من جهة ومن جهة ثانية احتكار انتاج النخب للقطاع الخاص وبالتالي تتحول قطاع التعليم العمومي الذي يعاني من الاهمال إلى مجرد منتج للبطالة … وقد دقت ناقوس الخطر مند أمد عدة قوى وفعاليات الى خطورة هذا الوضع من بينها النقابات التعليمية . وهنا لابد من الاشادة بالموقف الذي اتخذته النقابة الوطنية للتعليم العالي قبل يومين باتخاذها قرارا بالانسحاب من المجلس الاعلى للتربية والتكوين احتجاجا على رأيه الذي يمهد الطريق لضرب المجانية .
المغرب هنا والآن بحاجة لجبهة واسعة للدفاع عن المدرسة العمومية ومواجهة كل مخططات المس بها . جبهة لحمايتها ولإنقاذها من التردي الذي يلفها .