من المؤكد أن السياسيين والصحافيين والمراقبين، الذين عاشوا في المغرب خلال سنوات الستينيات، وما تلاها، يعرفون أن اللعبة ليست جديدة، حيث حاولت بعض الصحف، النيابة عن الذين كانوا يخططون لنهاية الأحزاب الديمقراطية، منها من تقمص صفة ،»الاستقلالية»، لكنه اِنقرض، حتى لا نقول إن مزبلة التاريخ اِبتلعته، وبقيت الأحزاب، التي قبض ناشرو هذه الفصيلة من الصحف، مقابلا للإجهاز عليها.
ومصطلح «كم قَبَضَ؟»، كان هو السائد بين المديرين، المسؤولين عن هذه الفصيلة من الصحافة، التي استوحت نموذجها من بعض صحافة المشرق العربي، التي وصلت الأمور فيها إلى درجة أن دولا اِشترت جرائد قائمة الذات، كما تشتري فرقة لكرة القدم، فتحول خطها التحريري، رأسا على عقب، ليصبح عبارة عن وكالة رسمية للدولة التي اِقتنت الجريدة.
لم يتحول الخط التحريري، فقط، بل أٰرغم الصحافيون كلهم على تغيير الوجهة، ليقوموا بالدفاع عن التوجه الرسمي، للدولة المالكة أوالمانحة. وهذا ما حصل في بعض الصحافة المغربية، التي تسمي نفسها «صحافة مستقلة»، والتي تحولت إلى شركة قابضة، باعت كل شيء لجهة حزبية، وأصبحت ناطقا غير رسمي باسمها، في ضرب تام لمبدإ الاستقلالية، الذي تشهره للقارئ، في تحايل تام عليه، يتم تجنيدها للقيام بالنيابة، للتهجم على أحزاب أخرى، والتحامل عليها، بإشاعة الكذب والتلفيق، ولعب دور الاستفزاز، لأن مديرها قابض، وقادر على تغيير ولاءاته، لأنه لا يؤمن إلا بما يربحه خلال اليوم، الذي لا يتجاوز 24 ساعة، و لا يهمه أي أمر آخر بعد ذلك، لا خلال الشهر المقبل، أوالسنة القادمة، سوى هذا الربح الآني، لأنه مستعد لتغيير الوجهة، كلما دارت الدوائر، كما يفعل دائما، منذ أن امتهن هذه الحرفة، فكم من خط تحريري تبنى؟ وكم من صديق خان؟
غير أن مصير هذا الصحافة هو الزوال، بينما الأحزاب التي كانت هدفا لها، اِنتصرت، لأنها متأصلة في التربة المغربية، لا تباع كما تباع بعض الصحف، بأبخس الأثمان، لذلك كانت تتعالى على الدخول في صراع معها لأنها قامت على مبادئ، وعلى مشروع مجتمعي، وليس على الربح الزائل. ويمكن اِستعراض أسماء هذه الصحف، القابضة، والمديرين، الذين كانوا يشرفون عليها، للتأكد من هذا المسار التراجيدي، لمن اِكترى ضميره.