ثمة إشكال تتسع مظاهره يوما عن يوم في أكثر من مدينة وتجمع حضري بالمغرب، إشكالٌ بحاجة إلى نقاش هادئ، ومسؤول، باعتباره مركبا يهم العديد من الأطراف والجهات … إنه طرق الاحتجاج التي يلتجئ إليها الموطنات والمواطنون لعرض قضاياهم واسترعاء الانتباه لمشاكلهم من أجل إنصافهم واستيفاء حقوقهم.
لقد أقدم العديد من الأشخاص في السنوات الأخيرة على الاعتصام بإدارة أو مرفق عمومي أو…لاقط هوائي. وبعضهم، هدد بإحراق نفسه بل هناك من أقدم فعلا على إضرام النار بها وفارق الحياة . وهناك من وجد نفسه في إطار تفاعل حدث ضحية رد فعل مثل حالة تاجر السمك محسن فكري بالحسيمة . والأمثلة كثيرة ومتنوعة، عمت مختلف جهات المغرب، تناولها الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي أحيانا، ومرت في صمت أو مرور الكرام في أحايين كثيرة.
لا مناص من التأكيد-بادئ ذي بدء- على أن من حق المواطنين والمواطنات الاحتجاج على حكرة مستهم، أو إجحاف أو ابتزاز طالهم وأهان كرامتهم وإنسيتهم. لامحيد عن ترسيخ أن الدفاع عن الحقوق، هو حق مشروع تكفله الترسانة الحقوقية والأديان السماوية والوضعية.. ولعل السؤال الذي يطرح في هذا المضمار : لماذا يلتجئ المواطن إلى هذا الخيار ؟ ماهي الدوافع والإكراهات؟
إن ثمة أسبابا بعضها رئيسي ومسؤول بالدرجة الأولى، نذكر منها اثنان:
إن الإدارة العمومية التي توصد أبوابها وتصم آذانها تجاه المواطنات والمواطنين،هي إدارة تَعتبر في حالات كثيرة أن وجودها ليس من أجل خدمة المواطن، وأن الحقوق والإجراءات التي عليها تأديتها لصالحه مجرد عبء على كاهلها. وعليه، تتعامل من منطلق أنها تقدم خدمة إحسانية أوعملا خيريا لا غير، أو أن زمنها المقدم لها، هي التي تتحكم فيه حسب مزاجها قد يطول وقد لا يفضي إلى الرفض، أو أن أحكامها غير عادلة ومنصفة، وفيها عسف وجور.
وسبب ثان،يتلخص في أن العنصر البشري بهذه الإدارة، مافتئ يحمل ثقافة تعود إلى زمن يعتبر فيه المسؤول نفسه بأنه في حلّ من كل مسؤولية وقانون يجعل منه مسؤولا في خدمة المواطنات والمواطنين. هناك مسؤولون مسلكهم الإهانة ولغتهم التعنيف وتواصلهم التعنت والعنجهية..
الإدارة إذن، وجزء من عنصرها البشري، هما المسؤولان عن تنامي أشكال الاحتجاج، لأن حقوقا تُسلب، وكرامة تُداس، وعراقيل تُنصب. وقد وضع جلالة الملك، في خطابه أمام البرلمان، الأصبع على الجُرح، مبرزا تداعيات رداءة الإدارة ونتائج تقاعسها، بل وطريقة اشتغالها .
صحيح ثمة حالات يطالب فيها بعض الأفراد بحقوق ليست حقوقهم،بل فوق هذا يسعون لابتزاز الإدارة بُغية الحصول على مصلحة لايقرّها قانون أو منفعة لايتضمنها تشريع ، لكن عموما هناك سوء تدبير إداري، هو الذي يدفع إلى اتساع أشكال الاحتجاجات، ويغذي الكراهية والاستياء العارم لدى المواطنين بمرفق عمومي يشعرهم ب»الحكرة» والدونية والتهميش.
وللتذكير، فقد ورد في الخطاب السامي لجلالته، لدى افتتاح الولاية التشريعية الجديدة، قبل ثلاثة أسابيع :
«إن المرافق والإدارات العمومية، تعاني من عدة نقائص،تتعلق بالضعف في الأداء، وفي جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين.
كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة ، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين.
إن الإدارة تعاني، بالأساس، من ثقافة قديمة لدى أغلبية المغاربة.
فهي تشكل بالنسبة للعديد منهم مخبأ، يضمن لهم راتبا شهريا، دون محاسبة على المردود الذي يقدمونه.
غير أن المسؤولية تتطلب من الموظف، الذي يمارس مهمة أو سلطة عمومية، تضع أمور الناس بين يديه، أن يقوم على الأقل بواجبه في خدمتهم والحرص على مساعدتهم “.