نشرة الأحوال السياسية بفرنسا، تعنينا دوما بالمغرب، لأن تقلبات مناخ السياسة بباريس، تؤثر على طقسنا السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي بالرباط. بالتالي، فإن الاختبار السياسي الجديد، المنتهج في بلاد دوغول، المتمثل في اِختيار مرشح اليمين عبر التصويت العمومي، يفتح الباب لكثير من الانتظارات والاحتمالات في ضفتنا المغربية والمغاربية. لعل، أكبر تلك الانتظارات، معرفة الخطة السياسية للمرشح المحتمل للجلوس على كرسي الرئاسة بقصر الإليزي، تجاه الضفة الجنوبية للمتوسط.
كثيرون، مغربيا، كانوا يراهنون على أمل عودة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، أكثر رؤساء فرنسا وساستها استيعابا لحقيقة الدور المغربي متوسطيا وإفريقيا وشمال إفريقيا، وأكثرهم إنصافا، حقيقة، للحقوق المغربية المشروعة على مستوى وحدته الترابية وتنمية نسيجه الاقتصادي. لكن، ملفات التنافس بين مرشحي اليمين الفرنسي، ذوي النزوع الجمهوري الديغولي، قد جعلت جيلا آخر من المرشحين يبرزون على الساحة، بالشكل الذي أنهى عمليا مع الجيل الذي جاء بعد جيل جاك شيراك، بدليل أن المرشح الفائز اليوم، فرانسوا فيون، قد أزاح اسمين وازنين من ذلك الجيل، هما ساركوزي وآلان جوبي. وعلينا مغربيا، أن نحسن قراءة هذا التحول في المشهد السياسي الفرنسي، غير المنحصر فقط في اليمين الكلاسيكي لباريس، بل إنه يشمل أيضا اليسار الاشتراكي وأيضا اليمين المتطرف.
فرانسوا فيون، الذي يملك حظوظا جدية للفوز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة خلال شهر أبريل 2017، له شخصية مختلفة عن كل الجيل السابق لليمين الفرنسي، مثلما أن منهجيته في الاشتغال، الأقرب للتوجه الأنغلوساكسوني، البراغماتية، مختلفة عن التقليد السياسي لزعماء الجناح الكلاسيكي لليمين الديغولي أو الجمهوري، إلى الحد، الذي يمكن الجزم، بأن فيون، سيلعب دورا مؤثرا في تغيير بنية ذلك اليمين الفرنسي، ليس فقط في بلاد فولتير، ولكن أيضا في كامل أوروبا، خاصة أن للرجل رؤية جديدة، حول شكل علاقة فرنسا مع واشنطن، وأساسا مع ألمانيا، وأيضا له رؤية مختلفة عن شكل العلاقة مع الإرث الاستعماري الفرنسي بدول الجنوب. فهو من الساسة الجدد، المؤمنين بأن على فرنسا استعادة دورها السياسي والاقتصادي والعسكري، بذات الخلفية التي ميزت رؤية الجنرال دوغول، تلك الرؤية التي تقول بحيوية العلاقة مع العالم العربي، ومع إسرائيل، المؤمنة تحليليا بأن باريس قد ساعدت في تحديث بلدان الجنوب التي استعمرتها.
واضح إذن، أن الصراع سيكون شرسا، عكس ما توحي به المظاهر الخارجية للتنافس الرئاسي، بين كل من مرشح اليمين الجمهوري ومرشح اليسار الاشتراكي ومرشح اليمين المتطرف.
وإذا كانت حظوظ الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند، تتضاءل فعليا، ليس فقط استنادا إلى أرقام استطلاعات الرأي (التي لم تعد مقياسا يعتد به)، بل بسبب الصراع المحتدم داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي نفسه، بين جيل جديد من القادة، والجيل التاريخي للحركة الطلابية اليسارية الفرنسية، التي يعتبر هولاند عمليا من آخر أسمائها، فإن، حظوظ المرشح الرسمي لليمين فرانسوا فيون، وافرة للفوز بكرسي الرئاسة،لاسيما وأن الرجل يصدر عن رؤية فرنسية جديدة، تؤمن بإلحاحية عودة دور الدولة كناظمة للمصالح القومية العليا لباريس، في العلاقة مع دورها أوربيا ومتوسطيا وإفريقيا، مثلما أنه حامل مشروع مختلف لإشكالية الهجرة، ولشكل التعامل مع النسيج الديني الجديد هناك. فالرجل يرفض رهن الملف الديني للخارج، وأنه مناهض لأي دور خليجي أو مغاربي في تدبير شؤون مسلمي فرنسا.
علينا، مغربيا، أن ندرك أن مرحلة جديدة ستدخلها علاقاتنا الاستراتيجية والتاريخية مع فرنسا، بسبب ما أفرزه الواقع الجديد للمشهد السياسي هناك، لأنه واضح أن جيلا جديدا لمنطق ممارسة السياسة قد ولد ببلاد موليير، يفرض علينا إلزاما جيلا جديدا من أشكال التعامل مع هذا الواقع الجديد، مؤسساتيا، تواصليا وتنظيميا.