عندما اختار الاتحاد منطق التيسير، لم يدر في ذهن مناضليه ومناضلاته، قيادة وقواعدَ، أن هناك من سيحوله، بفعل إرادة التعتيم على مواقفه حتى التي تعتبر من الأمور العادية والطبيعية للغاية ، إلى مأزق!
ويعتقد مناضلو الاتحاد ومناضلاته أن الوضع الذي وصلت إليه عملية التعتيم على موقف الاتحاد، لا يمكن الخروج منه إلا بكشف حقيقة كل ما بادر إليه من مواقفَ، ومنها ترشيحُ رئيس اللجنة الإدارية الوطنية للحزب، الحبيب المالكي، لرئاسة مجلس النواب.. وشرحها وإعادة الاعتبار للعقل والمنطق في مقاربتها!
لقد تم نسج الكثير من الاستيهامات والسيناريوهات حول حق طبيعي لأي حزب سياسي، قد يمارسه من ضفة المعارضة كما قد يمارسه من ضفة الأغلبية، وهو بأي حال حق لا يجب الربط بينه وبين الأغلبية ربطا تعسفيا يجعل أحدهما يلغي الآخر..
بطبيعة الحال، هذا الترشيح له قصة سياسية حقيقية غير تلك التي نسجها الخيال السياسي – الإعلامي لبعض الجهات، لا بد من روايتها، وهو ما نقوم به بعيدا عن التفاصيل المملة رفعا لكل لبس، وتماشيا مع إرادة الاتحاد في تيسير مهمة تشكل الحكومة.
بدأ كل شيء طبيعيا بعد انتخابات 7 أكتوبر الماضي، وظهور نتائجها المعروفة لدى كل الرأي العام.
وككل حزب سياسي في العالم، كان على حزب القوات الشعبية أن يتعامل مع ما أفرزته صناديق الاقتراع، حسب متطلبات المرحلة من جهة، وحسب ما يطمح إليه من أدوار فعلية ودالة في الحياة الوطنية من جهة ثانية.
لهذا عرض ترشيح رئيس برلمانه الحزبي، الحبيب المالكي، على كل الشركاء الحزبيين، من كل طيف سياسي وفكري.
وهي لحظة، “بيضاء”، باعتبار أنها لحظة يتحلل فيها ويغيب التموقع، معارضة وأغلبية، وتبدأ فيها مقاربات جديدة ، وتموقعات جديدة، بناء على ما قد يصل إليه الرئيس المكلف.
ومن باب التشاور، حاول الاتحاد كحزب مسؤول أن يجعل من ترشيح رئيس لجنته الإدارية الوطنية ، لحظة تفاوض سياسي مع الأحزاب المشكلة للبرلمان، من معارضة سابقة وأغلبية سابقة،… وقد ساندته الأحزاب التي اتصل بها، وعرض عليها الترشيح، كما لم يسمع آراء البعض الآخر، ولا لقي اعتراضا واضحا من أي طرف كان..
بطبيعة الحال، كان لكل واحد منا الحق ، كفاعلين سياسيين أن يحلل المبادرة بما يعتبره تحليلا منطقيا أو قراءة مبنية على وقائع تعبيرات 7 أكتوبر، لكن ما لم يستسغه الاتحاديون والاتحاديات هو أن يعتبر هذا الترشيح دليلا على وجود مؤامرة ما، أو خطة ما للإطاحة بحكومة لم تبدأ..وجودا، بل لم تتشكل بعدُ!
ومع ذلك، اعتبر الاتحاد أن من واجبه شرح خطواته من جديد، لا سيما أنه- ولحد الساعة التي نكتب فيها هذا التوضيح – لم يعلن أي حزب عن ترشح رسمي لعضو من برلمانييه ولا عن مساندة لترشيح غيره.
وقد بادر إلى شرح الموقف للسيد رئيس الحكومة المكلف، عندما التقى بالكاتب الأول للاتحاد، والذي تحدث إليه باعتباره أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية.
ويسجل الاتحاد تطور الموقف، على الأقل تداوليا، ومن جهة القاموس الذي وصفت به العملية الاتحادية، من اعتبارها، بدايةً ، خطوة نحو خلق أغلبية سابقة لأغلبية رئيس الحكومة، إلى التوجه، بعداً، نحو اعتبار الترشيح مقترحا سياسيا مؤسساتيا ، مضمونا لأي حزب، يمكنه أن يحظى بمساندة أغلبية سياسية وبرلمانية تتجاوز الوضعية التصادمية بين أغلبية و….أغلبية مضادة!
وما لا شك فيه، أن الأيام القادمة بكل ما ستفرزه من توازنات بين المؤسسات، وبين مكونات الحقل الوطني، وما ستفرزه من تموقعات بين أحزاب تختار الأغلبية، وأخرى تختار المعارضة، سيكشف حقيقة الموقف الاتحادي، كما أن تاريخ الأدبيات السياسية المغربية، سيحتفظ لكل تشكيلة سياسية بمواقفها، وبتعاملها مع لحظة من أقوى لحظات السياسة في بلادنا، تحت سقف دستور 2011.
إن سوء النية، والمصادرة على المطلوب، وإرادة التعتيم، ليست ولا يمكن أن تكون زوايا لفهم مواقف حزب القوات الشعبية، بل هي عنصرُ تعطيل المنطق السياسي والمؤسساتي السليم، وترجيح كفة التأزيم على كفة التيسير، وكفة الاستيهام على كفة الوقائع، وهو ما لا يخدم الارتقاء بالممارسة السياسية إلى مصاف الفعل المتزن والمسؤول ، كما اختاره الاتحاد.