%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8

لا يمر يوم دون أن تظهر عدة أخبار مفبركة وكاذبة في فيسبوك وتويتر، ويوميا يقع أصدقاء وأقارب ومتابعون مثقفون ضحية لهذه الشائعات ويقومون بإعادة نشرها. فيرى أصدقاؤهم ومتابعوهم ما نشروه ويصدقون هم بدورهم هذه الأخبار؛ فبما أن مصدر الخبر صديقهم المثقف أو المتعلم يعتبرون المصدر موثوقا، دون التحقيق في حقيقة الخبر أو مصدره الأصلي أو تحليل أهدافه.

كم هائل من الأخبار المفبركة انتشر في جميع أنحاء العالم بشكل ملحوظ جداً هذا العام، ليس فقط بسبب حملات الانتخابات الأميركية الشرسة ولكن في كل اللغات والمجتمعات والمواضيع.

يختار قاموس أكسفورد في نهاية كل عام كلمة لم تكن مستعملة أو رائجة من قبل ويطلق عليها لقب “كلمة العام”، فهي عادة كلمة إما استخدمت بشكل واسع وإما أنها تعبر عن ظاهرة أثرت بشكل كبير على المجتمعات الناطقة باللغة الإنكليزية.

اختار قاموس أكسفورد هذا العام 2016، كلمة post-truth “ما بعد الحقيقة”، على شاكلة “ما بعد الحداثة”، لوصف عاصفة عام 2016 من الشائعات والأخبار الكاذبة، وقد تحول قسم منها إلى مفاهيم وقناعات عند العديد من الناس في العالم وخصوصا في المجتمعات الغربية التي تقيّم صدق الخبر وصحته ونزاهة الإعلام.

برر القائمون على القاموس اختيارهم للكلمة بالقول: مع أن مصطلح “ما بعد الحقيقة” ظهر منذ عقد من الزمن، إلا أننا في مؤسسة قاموس أكسفورد رصدنا صعوداً حاداً لانتشار استعمال هذه الكلمة خصوصا أثناء الحملات الانتخابية الأميركية واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وباتت الكلمة مرتبطة بمصطلح آخذ في الانتشار “سياسة ما بعد الحقيقة” يستخدم من قبل الصحف ودور الإعلام الكبرى.

أشعلت نتيجة الانتخابات الأميركية غير المتوقعة، بفوز ترامب وهزيمة كلينتون، عاصفة من الاتهامات التي طالت دور الأخبار المفبركة في انتصار ترامب. واتهم فيسبوك بالتقصير وبعدم بذل أي جهد للحد من انتشار الأخبار المفبركة والمغرضة.

في بداية الأمر حاول فيسبوك عدم التعليق والاعتراف بأي مسؤولية، فقال مارك زوكربيرغ “إن اتهام فيسبوك بتشويه الانتخابات فكرة مجنونة للغاية”. لكن هذا التصريح لم يوقف الاتهامات.

وجاء تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما قاطعاً وصريحاً، حيث قال في مؤتمر صحافي في ألمانيا “لأننا نعيش في عالم أصبح مشبعاً بأخبار مفبركة تنتشر بنشاط متصاعد، هذه الأخبار المفبركة تظهر في فيسبوك في شكل الأخبار الحقيقية وصيغتها وهيئتها نفسها . وإن لم تكن هناك أي وسيلة للتفريق بين ما هو صحيح وما هو مفبرك فإننا سنتوه”.

وأضاف الرئيس الأميركي “حتى أنا شخصيا وقعت ضحية لمثل هذه الأخبار”.

لم تأت تصريحات الرئيس الأميركي وإشارتها الصريحة إلى فيسبوك من فراغ، فالكثير من المتخصصين والباحثين وثقوا هذه الظاهرة وحقيقة أن الأخبار الكاذبة تنتشر بسرعة أكبر من الأخبار الحقيقية التي تأتي من صحف معروفة وصحافيين مهنيين.

وخلصت دراسة وتحليل مهني أجراهما موقع بوزفيد BuzzFeed المعروف، إلى أن “خبرا مفبركا واحدا بخصوص الانتخابات الأميركية أنتج تفاعلاً من قبل الجمهور على فيسبوك أكبر بكثير من كل الأخبار الجدية عن الانتخابات التي صدرت عن أهم 19 مؤسسة إعلامية مجتمعة”.

قد يكون من الصعب معرفة إن كانت كل الأخبار المفبركة أثرت على نتيجة الانتخابات ولكن مما لا شك فيه أنها شكلت وعياً ومفاهيم جديدة خاطئة عن الكثير من الناس، ليس في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، وإنما أيضا في العالم لأنها كانت تترجم بسرعة وتنشر بلغات مختلفة وخصوصا باللغة العربية.

وبمجرد ترجمتي لعناوين بعض الأخبار المفبركة الأكثر انتشاراً، ستكتشف عزيزي القارئ أنها وصلتك وأثرت في انطباعاتك عن العالم. من هذه العناوين: “ويكيليكس تؤكد أن هيلاري كلينتون باعت أسلحة لداعش”، وتبعه خبر مفبرك آخر كان الثالث من بين الأكثر انتشاراً: “لقد انتهى الأمر، ويكيليكس سربت رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية مع داعش، والحقيقة أسوأ مما يتخيله أحد”. وخبر مفبرك آخر صمم لدعم حملة دونالد ترامب: “بابا الفاتيكان فرانسيس، يصدم العالم بإصداره بيان تأييد للمرشح ترامب لكي يصبح رئيس أميركا”.

بعد صدور الكثير من التقارير حول انتشار الأخبار المفبركة من خلال فيسبوك، وتفوقها في الانتشار على الأخبار الحقيقية، بالإضافة إلى تصريح الرئيس الأميركي، اضطر فيسبوك إلى التراجع، وقام مارك زوكربيرغ بالإعلان من خلال صفحته الرسمية في فيسبوك أنه بصدد معالجة الأمر بخطوات مدروسة.

وأشار إلى احتمال قيام فيسبوك بإرفاق تحذير مع الأخبار المشكوك في صحتها إما من قبل جهة أخرى حيادية وإما من خلال فسح المجال للناس للإبلاغ عن الأخبار المفبركة.

وقد أجرت مجلة PCWorld تحقيقاً معمقاً عن ظاهرة الأخبار المفبركة على مواقع التواصل الاجتماعي عامة وفيسبوك خاصة أثناء الانتخابات الأميركية ووجدت أن الكثير من الأخبار كان مصدرها خارج الولايات المتحدة، فتم اكتشاف أن أكثر من 100 موقع إنترنت مؤيد لترامب كان مصدره شباب في قرية صغيرة في مقدونيا. هذه المواقع والقائمون عليها لم يكن هدفهم إنجاح ترامب بل كان هدفهم الأساسي الحصول على اهتمام المتحمسين لترامب لمكاسب مادية، كانت الكثير من هذه المواقع تحتوي إعلانات تجارية يكسب القائمون عليها كلما ارتفع عدد زوار المواقع.

ويمكن أن تجني مواقع تنشر أخبارا مفبركة مثيرة للجمهور أرباحا طائلة؛ فقد كان بعض القائمين على هذه المواقع يكسبون حوالي 10000 دولار أسبوعيا

عن طريق اجتذاب الناس وخصوصا الأميركيين بالأخبار المفبركة، بعد أن لاحظوا أن جمهور ترامب أكثر ميلا إلى تصديق الأخبار التي لا يكون مصدرها وكالات الأنباء المعروفة.

تقع مسؤولية محاربة انتشار الأخبار المفبركة على عاتق الجميع للحد من انتشار الأوهام التي قد تتسبب في قلاقل وحروب وعدم استقرار، وتتحمل الشركات الكبرى مثل غوغل وفيسبوك وتويتر المسؤولية الأكبر، ولكن نحن كمستخدمين علينا أن نكون حذرين وألا ننجر إلى نشر أخبار مشكوك في مصدرها وإن اعتقدنا أنها تدعم وجهة نظر مسبقة لدينا.

 

السبت 26 نونبر 2016.

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…