قبل مئة سنة، شكلت قوى الاستعمار بالشرق الأوسط خرائط جغرافية وسياسية جديدة في سياق تصفية تركة الدولة العثمانية التي انهزمت في الحرب العالمية الأولى .. دول جديدة تم إنشاؤها، وأنظمة تم تنصيبها . حمل ذاك المشروع اسم مهندسيه وموقعيه» سايكس بيكو».
مئة سنة، مرت على ذلك الاتفاق، بين القوى الاستعمارية، الذي رأى النور سنة 1916. وهاهي قنابله الموقوتة تنفجر تِباعا، وتشرع الباب أمام القوى المتحكمة فيها، بإخراج نسخة جديدة من « سايس بيكو»، تتأسس على عناصر جديدة تخدم مصالحها .. وفي خضم التطورات الراهنة، ثمة عناصرُ يجب إثارتها :
أولا : هناك عجز تام للجامعة العربية عن أن تكون طرفا لإعمال مبادئها وأهدافها. فهي اليوم، تقف موقف المتفرج، وكأن ما يجري من حروب، وما يتدفق من دماء، وما يدمر من مدن، ليس مجاله منطقة عربية. الجامعة، لم يعد لها جدوى، إذ فشلت في بلورة الميثاق العربي، ولم تحفظ لدول سيادتها، ولم توفر لشعوب أمنها …
ثانيا: ستكون للحروب المستعِرة بالعراق وسوريا وليبيا وغيرها آثارمتعددة، من بينها تهديد أمن العديد من الدول العربية . فمن المرتقب أن يعود أولئك « الحالمون بالحوريات « إلى بلدانهم، مشحونين بفكر الإرهاب، وبخبرات المتفجرات .. ودون شك، فإن إغراءات الحوريات سترافقهم،وتدفعهم إلى البحث عن أقصر الطرق ل «الوصول « إليها .
ثالثا: تبرز عناصر الخرائط الجديدة يوما بعد يوم .. فهناك الطائفية، والتوجهات الدينية، والمناطق الاقتصادية المستندة على آبار النفط . ومن المتوقع أن تراجع «سايس بيكو» الجديدة نسختها الأولى، كي يتم الحفاظ على مصالح الغرب، وإضعاف أي محاولة لبناء دول عربية قوية، تهدد هذه المصالح، بما فيها الدولة العبرية إسرائيل .
رابعا: من المتوقع أن تغذي السياسة الأمريكية الجديدة، في ظل ولاية الرئيس دونالد ترامب، توجهات إعادة صياغة خرائط المنطقة العربية، كما أن دوائر هذه الخرائط، قد تطال دولا لم يعد استقرارها وأمنها ضمن أجندة الولايات المتحدة الأمريكية. وستتفاقم الأوضاع الداخلية لدى هذه الدول، بفعل انهيار مواردها من البترول، وغياب الديمقراطية بمؤسساتها، وهشاشة نسيجها الاجتماعي.
ومن المؤكد، أن إعادة سبْك خرائط الشرق الأوسط، ستكون لها انعكاسات على دول شمال إفريقيا، بما فيها المغرب الكبير. فجل هذه الدول،لم تعرف حالات اللااستقرار منذ استقلالها كما تعرفه اليوم.والمغرب معني بتحصين نفسه، من جهة ضد التحولات التي تستهدف وحدة دول، ومن جهة ثانية، بتقوية جبهته الداخلية، وتوفير كل سبل الاستقرار أمنيا ومؤسساتيا …
إن «سايس بيكو» الجديدة، تهدف إلى إنشاء عوالم عربية، تدور في أفلاك عدة . وقد وفر العرب لهذا المخطط كل متطلبات تنفيذه: فهم تشبثوا طيلة قرن بالتشرذم والحروب القبلية، وأوصدوا كل المنافذ كي لا تنعم شعوبهم بالديمقراطية والحرية،وفوق هذا وضعوا أنفسهم رهن إشارة أطماع القوى الخارجية.