سال الكثير من مداد مجموعة من الأقلام، في الفترة الأخيرة، وهي تستحضر اليوم مبدأ احترام الإرادة الشعبية، وهي تربطه بنظرية المؤامرة أو البلوكاج كما سمّاها بعضها، والملاحظ أنها كلها أقلام ارتبطت بدعم ومناصرة بنكيران، وحزب العدالة و التنمية، وهو نقاش لا يجد ما يزكيه في كل ما يشاع حول تشاورات ومشاورات رئيس الحكومة،  ولا يمكن اعتباره إلا رغبة من هذه الأقلام في تقوية موقع السيد الرئيس في مفاوضاته، بشكل يستحضر اختيارات الشعب المغربي و بصورة قاصرة مقصودة من أجل نوع أخر من الابتزاز.

فالإرادة الشعبية هنا، احترمت حينما عين الملك عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، وحينما كلفه بتشكيل حكومته، غير هذا، فكل ما يمكن أن يصاحب مسألة المشاورات و التفاوض، هو يخضع بالضرورة لمنطق السياسة، وهو المنطق الذي تفرضه و تزكيه الخريطة السياسية التي نتجت عن اقتراع السابع من أكتوبر، والذي كان نمط الاقتراع سببا مباشرا فيها، وهو النمط الذي كابر حزب السيد الرئيس، في الحفاظ عليه، من خلال رفضه وحزبه لكل المقترحات التي كانت تدفع في اتجاه  تأهيل المنظومة الانتخابية في شموليتها.

كل الأقلام التي تحركت في هذا الاتجاه، وجدت في كلمة السيد الرئيس التي ألقاها أمام أعضاء حزبه، والتي تم نشرها البارحة بعد مضي عشرة أيام على الاجتماع الذي ألقاها فيه، –  ولا مجال هنا للحديث عن المغزى و المعنى و السبب، في نشرها بعد مرور عشرة أيام، وبشكل يلغي ما استجد في هذه المدة –  فرصة لتسهيل عملية هروب بنكيران من تحمل مسؤوليته، وفشله لحد الآن في تشكيل حكومته، أو على الأقل وضعه لتصور لها،  وهو الفشل الذي يحاولون جعله إفشالا، من خلال اتهام الأحزاب الأخرى بالوقوف من ورائه، والمزايدة عليها بأرقام وبمنطق ينبني على خلفية إرادة شعبية، لا يحق لأي حزب، في المغرب احتكارها أو استحضارها، خصوصا في ظل طبيعة الخريطة السياسية الحالية.

كان سيكون توجههم صحيحا، ومواقفهم سليمة، وتحليلهم رزين و مبدئي، وكان سيكون للحديث عن الإفشال معنى، لو أن السيد الرئيس أفصح عن تصوره للحكومة التي يريد، ولو أن السيد الرئيس وعوض الحديث عن ما دار بينه وبين قيادات الأحزاب الأخرى، بخصوص تصورات أولية للأغلبية الحكومية، قد أعلن على أنه  تقدم بعروض للأحزاب التي يرى فيها شركاء في أغلبيته المستقبلية، و أن هذه الأحزاب رفضت عروضه بأعذار وهمية، أما و الواقع اليوم، لا يعني إلا أن بنكيران يعيش انتظارية مقصودة، ولا يراهن إلا على إرادة الأحزاب الأخرى، اعتقادا منه برغبتها الأكيدة في المشاركة.

إن المأزق الذي يعيشه بنكيران اليوم، السبب فيه، ليس فقط طبيعة الخريطة السياسية التي نتجت عن اقتراع السابع من أكتوبر، بل هي سبب مباشر لمواقفه التي يجرها معه منذ الولاية السابقة، وهذا معطى لا يمكن إغفاله أبدا، في الحديث عن أي تصور للتشكيلة الحكومية المقبلة، فكلنا نتذكر مآلات الأغلبية السابقة، وكيف تشتت مكوناتها و تباعدت، وكيف لم تستطع حتى التوحد من أجل الدفاع عن حصيلتها، وكيف أصبحت حدة طبيعة الخطاب بين قياداتها، كما نتذكر كيف كان يتعامل مع مكونات المعارضة في ولايته السابقة، وهي عوامل تفرض عليه اليوم، أن ينطلق في تصوره للحكومة، من منطلق يتأسس على التعاقد، وعلى المشاريع، وليس على عدد الحقائب الوزارية، بشكل يستغل تغير التقاطبات السياسية في البلد.

الثلاثاء 15 نونبر 2016.

عن موقع التحرير

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…