ضمن خطوة خطيرة؛ قام الكونغرس الأمريكي بالموافقة على قانون “جاستا” أو ما سمّى ب “القانون ضد رعاة الإرهاب”؛ والذي بموجبه يحقّ لأقارب ضحايا أحداث 11 سبتمبر التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001؛ رفع دعاوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية؛ رغم لجوء البيت الأبيض إلى استعمال حق النقض في مواجهة هذا الإجراء. وتمسك السعودية بعدم مسؤوليتها عن الأحداث؛ وعدم وجود قرائن تؤكد ضلوعها بأي شكل من الأشكال في هذه العمليات التي تورط فيها مجموعة من الأشخاص من ضمنهم سعوديون ينتمون إلى تنظيم القاعدة.
لا تخلو هذه المبادرة من مخاطر؛ بالنظر إلى مخالفتها لمجموعة من المبادئ والضوابط التي أقرها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ولمجمل القرارات والمعاهدات الدولية ذات الصلة بالعلاقات الودية بين الدول وحقوق الإنسان.. في ارتباط ذلك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ ومبدأ المساواة في السيادة وشخصية العقوبات..
يتعلق الأمر بسابقة دولية ستكرّس تهميش الآليات الدولية القانونية لإدارة الأزمات على حساب مقاربات منحرفة تعكس تطبيق قانون الغاب و”عدالة الأقوى” بدل قوة القانون.
يشكل هذا الإجراء امتدادا للسياسة الأمريكية التعسفية بالمنطقة والتي تعززت في العقود الأخيرة مع تأزيم الأوضاع في العراق وليبيا والمساهمة في تصعيد الأزمة في سوريا.. وغضّ النظر عن الانحرافات والجرائم اليومية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلّة..
لقد سبق للولايات المتحدة أن أصدرت قانونين أمريكيين في سنة 1984 و1986 يسمحان لها بملاحقة مرتكبي الأعمال “الإرهابية” ضد الأمريكيين ومصالحهم في الخارج ومحاكمتهم أمام القضاء الأمريكي.. كما قامت في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بغزو بنما واعتقال رئيس البلاد آنذاك “مانوييل نورييغا” وحاكمته فوق أراضيها بتهم الاتجار في المخدرات والابتزاز وغسيل الأموال؛ حيث صدر في حقه حكم بعشرين سنة سجنا.. ضمن سابقة دولية يحاكم فيها رئيس دولة أمام محاكم أجنبية؛ وبتهم خرق قوانين دولة أخرى؛ ويسجن في معتقل خارج بلاده..
وضمن مفارقة غريبة تعكس منطق “عدالة الأقوى”؛ تمت محاكمة مجرمي الحرب في اليابان وألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فيما تم استبعاد محاكمة المسؤولين الأمريكيين عن جريمة استعمال السلاح النووي الذي دمّر مدينتي “ناكازاكي” و”هيروشيما” خلال نفس الحرب..
إن التوجه الأميركي أخيرا؛ هو مؤشر واضح على وجود ارتباك وفشل ذريع في المقاربة الأمريكية لظاهرة الإرهاب والتي انطلقت منذ 2001 ضمن حملة الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج بوش الإبن” في هذا السياق؛ والتي دشنت بقصف أفغانستان و”غزو” العراق.. وهو ما يؤكده تمدّد الإرهاب وتنامي مخاطره؛ وظهور جماعات إرهابية أكثر عنفا ودموية على امتداد مناطق مختلفة من العالم..
لا يمكن عزل هذا التدبير عن التحولات الفجائية الأخيرة في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة؛ فقد سبقها تغير واضح في الموقف من البرنامج النووي الإيراني ومن الأزمة السورية والصراع العربي –الإسرائيلي..؛ بما يكشف الوجه الحقيقي لهذه الدولة التي لا تتحالف إلا مع مصالحها..
لا يبدو هذا التوجه استثناء في الممارسات الأمريكية؛ إذا ما استحضرنا التدخلات التعسفية التي باشرتها هذه الدولة في عدد من دول العالم؛ وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص؛ وكذا تنكرها الفاضح للمواثيق والقوانين الدولية؛ وهو ما يعكسه احتلال العراق بذرائع كاذبة؛ والتعسفات والانحرافات الخطيرة التي حدثت داخل سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو.. ورفض إحداث المحكمة الجنائية الدولية لعلمها المسبق بحجم الجرائم التي ارتكبتها قواتها العسكرية في عدد من الدول..
إن مكافحة الإرهاب هي مسؤولية دولية جماعية ويفترض أن تتم في إطار من التنسيق والتعاون الدوليين؛ بعيدا عن المقاربات الانتقامية والأحادية الضيقة.. ولا شك أن تداعيات هذا القانون لن تقتصر على السعودية فقط؛ بل إنها تشكل في مجملها تهديدا لسيادة الدول وتهميشا للسبل الدولية المشروعة لإدارة الأزمات وتسوية المنازعات.. الأمر الذي يستدعى تكثيف التنسيقات والجهود الكفيلة لمواجهته بشكل جماعي