في المفاهيم السياسية تتداول الأحداث و المتغيرات و الخطب و التقارير و الإيديولوجيات كلمة “الإصلاح ” في كل الظروف و المناسبات… إذ رافقت هذه الكلمة الإشعاعية الأنظمة و الحكومات و السياسات في مختلف المراحل و الأحقاب، دون أن تتغير مفاهيمها أو تتبدل دلالاتها .
والإصلاح كموضوعة مركزية في العلوم السياسية، يعني البحث عن إمكانية تحقيق انتقال سياسي متحكم فيه.
وحسب القواميس السياسية، يعني الإصلاح، تطوير غير جذري في شكل السلطة، أو في العلاقات الاجتماعية.
و حسب قواميس العلوم الاجتماعية، الإصلاح هو رتق و ترميم ما هو موجود بغية تصحيحه و تحسينه أو منع انهياره، وهو تعديل في التفاصيل، وقضاء على خطأ من الأخطاء، و هو إجراء تحسين في النظام السياسي و الاجتماعي، دون مساس بجذورهما أو أصولهما.
و في نظر صاحب الموسوعة السياسية اللبنانية ( الدكتور عبد الوهاب الكيالي )، الإصلاح أشبه ما يكون بإقامة دعائم الخشب، التي تحاول منع انهيار المباني المتداعية.
و في نظر الموسوعة البريطانية، الإصلاح دعامة استمرار الأنظمة العريقة، و سلاحها الذي ترفعه في وجه الأزمات .
و حسب الأطروحات الفلسفية و السياسية التي اعتنت بهذا المصطلح فإن الإصلاح سيظل، هو التغيير إلى الأفضل والانتقال بالحياة إلى درجات أرقى في السلم الحضاري و في سلم التطور البشري، خاصة إذا تبلور في ظل شروطه الموضوعية، و في أوضاع قابلة للإصلاح و قيمه واختياراته،فهو ليس مشروعا اختياريا للدولة أو للنخب أو للمجتمع، بل هو واقع اضطراري للدفاع عن النفس، و لمواجهة الفساد و السقوط، و تحديات المستقبل.
مغربيا، اقترنت كلمة الإصلاح، بمقابلها كلمة الفساد، فأينما كان الفساد، كان الإصلاح بالمرصاد، حيث عرف المغرب في القرنين الماضيين ( التاسع عشر و العشرون ) دعاة و حركات للإصلاح عديدة، دعا بعضها لإصلاح القيم و المفاهيم، و دعا بعضها الآخر لإصلاح القوانين و المؤسسات و السياسات.
إن الإصلاح، بالإضافة إلى كونه، بحثا جذريا في معضلة الفساد فهو أيضا إجراء تعديلات في قوانين تهم التطوير الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي، عملية مركبة و متداخلة بين الإداري و السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ، ممتدة عبر الأجهزة و السياسات و القدرات و القرارات.
و لأنها على هذا الحجم من الأهمية، كان لابد من قناعة جماعية، و هي نفسها القناعة التي أبان عنها الرأي العام الوطني عبر أدواته في التعبير، حيث خصها باهتمامه و بتطلعاته و مقترحاته.
إن الإصلاحات في المنظور السياسي المغربي لا تعني فقط قفزة نوعية نحو المستقبل/ نحو تحديث البلاد و آلياتها الدستورية و السياسية وفق مطامح الشعب المغربي و طموحاته، و لكنها أيضا تعني قفزة واسعة تقتضيها الديمقراطية ( ديمقراطية التعليم و التكوين و التشغيل و السكن و الصحة) بعدما نضجت التجربة المغربية في الممارسة الديمقراطية، لأجل ذلك كانت الدعوة صريحة في أن تتحمل كل الأطراف المعنية مسؤولياتها في الإصلاحات و أن تتحول القناعة الجماعية بها إلى أفعال، لإعطائها انطلاقتها على أرض الواقع المعاش .
إن الإصلاحات في هذا المنظور تستمد أهميتها وواقيتها من التحديات التي يواجهها الشعب المغربي بسبب الفساد الذي أحاط بمصالحه و قطاعاته، من كل جانب. و بسبب التردي الذي وصلته الأوضاع السياسية/ الاقتصادية/ الاجتماعية/ الثقافية، من كل جانب أيضا. و هو ما يدعو إلى تكثيف جهود القوى الوطنية لجعل الإصلاحات عملا جمعويا، يمتد مفعولها إلى كافة المجالات و القطاعات و المؤسسات.
الاربعاء 09 نوبر 2016.