خطاب الملك في البرلمان مؤشر قوي لإرادة سياسية في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ،الخطاب كان قبل حدث مقتل المرحوم محسن فكري ،وإذا كان فساد في الإدارة ،وفي القضاء وفي كل مناحي الحياة اليومية في المغرب ،فالعيب قد تتحمله النخب السياسية ،التي تتحمل تدبير الشأن العام في المغرب ،
عندما تعتمد الأحزاب السياسية على مرشحين يملكون المال عِوَض الثقافة والوعي السياسي والنزاهة والغيرة الوطنية ،في بلوغ التغيير ،ومحاربة الفساد ،والإنتقال الديمقراطي الحقيقي ،
الدولة قد تتحمل جزءا من المسؤولية في فتح الطريق للعديدين من جلادي سنوات الرصاص بسط سيطرتهم في العديد من الجهات لتستمر التجاوزات والإنتهاكات في مجال حقوق الإنسان ،تستمر عقلية النهب ،عقلية الأعيان ،عقلية المخزن الذي لا يهان ،عقلية التحكم،عقلية الإبتزاز .
الإصلاح الحقيقي يتطلب إرادة سياسية في التغيير ،في القطع مع ماضي الإنتهاكات الجسيمة ،وفي احترام الإنسان المغربي ،في القضاء المستقل والنزيه ،في مسؤولين حزبيين يؤمنون بالديمقراطية داخل أحزابهم ،في إعادة النظر في الممارسة السياسية ومنظومة الإنتخابات ،فلا يعقل أن يتحكم في مصير شعب رئيس حكومة لا يعطي أبعادا لتصريحاته التي تزيد في تأجيج الصراع داخل المجتمع وإثارة الفوضى والفتنة في البلاد ..
إن استمرار الفساد في البلاد والعباد ،واستمرار الإحتقان في المجتمع مرده السياسات التي نهجتها الأحزاب الحاكمة ،إن غياب تدبير واقعي لأزمة البطالة واستمرار خروج الشباب للتظاهر والإحتجاج في الشارع للمطالبة بالشغل والكرامة من خلال سياسة تعتمد على توزيع ثروات البلاد ،وعدم الإستجابة لمطالبهم قد يزيد من الإحتقان ..
إن استمرار تدبير الإدارة من طرف مسؤولين شداد غلاظ ،لا ضمير لهم , لايعطون قيمة للإنسان ،ولا يؤمنون بمبدأ الحوار،ويعتمدون فكرا سلطويا متجاوا لن يزيدنا إلا تقهقرا وانحدارا لماذا لا نستفيد من تجارب دول ارتقت بمجتمعاتها للأفضل وقطعت مع جميع الممارسات اللاأخلاقية في تدبير الإدارة والتعامل اليومي مع المواطن ،
لماذا لا تكون على سبيل المثال لا الحصر الأنظمة الديمقراطية في الدول الإسكندنافية النموذج الذي يجب على الطبقة السياسية المغربية الإقتداء به ،مجتمعات خالية من الرشوة ،مجتمعات تلمس فيها الإنتخابات النزيهة الخالية من الفساد وشراء االأصوات والبيع والشراء،مجتمعات قد يجلس رئيس حكومتها بجانبك في الحافلة أو القطار ،أويذهب إلى عمله في الوزارة على دراجة ،وليس سيارة فارهة ،مجتمعات عندما يفشل فيها السياسي في تدبير الشأن ينسحب بهدوء ويترك مكانه لمن يستحق ،مجتمعات استطاعت فيها الحكومات الإرتقاء بمنظوماتها الصحية والتعليمية والضريبية والثقافية ،فأصبحت بفضلها النموذج المحتدى به في العالم إذا عندما نحسن اختيار من يدبر الشأن في البلد ،وتغيب عقلية التحكم ،ويحضر الضمير والغيرة الوطنية والإرادة السياسية في محاربة الفساد والإرتقاء بالوطن لمصاف مثل هذه الدول التي ذكرت ،سنخرج من الأزمة ونقطع مع ماضي الإنتهاكات وسنحقق التغيير والديمقراطية قولا وفعلا..